مستقبل الثورة السودانية …بين السيسي وسوار الذهب

على ما يبدو الشعوب العربية الطامحة للحرية، قد وعت الدرس من التجربة المصرية، في ثورتها التى اعتلاها الجيش لتسيير الامور لصالحه على حساب الجميع، فمن الجزائر الثائرة للأسبوع الثامن رغم اعلان استقالة بوتفليقة، وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية عقب شهرين، إلى السودان الذي ما زال شعبه بالميادين متمسكا برحيل كامل للنظام العسكري، معلنا عدم ثقته في اي جنرال عسكري، مسقطا فكرة تحكم المجلس العسكري الانتقالي بمصير الثورة السودانية لمدة عامين….

فبحسب “فرانس برس” أعلنت المعارضة السودانية، مساء السبت 13 ابريل، رفضها أول بيان للرئيس الجديد للمجلس العسكري الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، مشددة على استمرار الاعتصامات والعصيان المدني حتى تحقيق سبعة مطالب.

وفي خطاب ظهر السبت، ألغى البرهان حظر التجوال، وأنهى مهام ولاة الولايات، داعيًا القوى السياسية والأحزاب إلى الحوار. وبعد ساعات، التقى وفد من المعارضة بالمجلس لأول مرة وسلمه قائمة مطالب.

وفي وقت متأخر مساء السبت، قالت قوى إعلان الحرية والتغيير، في بيان نشره تجمع المهنيين السودانيين في صفحته بـ”فيسبوك”، إن “بيان الرئيس الجديد للمجلس العسكري الانتقالي لم يحقق أياً من مطالب الشعب“.

وأضافت: “ثورتنا لن تنتهي بمجرد استبدال واجهات النظام وأقنعته الخادعة؛ فالخطوة الأولى في إسقاط النظام تتأتى بتسليم السلطة فوراً، ودون شروط، لحكومة انتقالية مدنية تدير المرحلة الانتقالية لفترة 4 سنوات“.

وشددت قوى إعلان الحرية والتغيير على أنه “لا تراجع عن مطالب الثورة، ولا مجال للقبول بالوعود دون الأفعال“.

وتابعت في البيان نفسه: “فاعتصاماتنا بالعاصمة القومية، أمام القيادة العامة لقوات شعبنا المسلحة وقبالة مقار حامياتها ووحداتها في أقاليم السودان، قائمة ولن تنفض، وإضرابنا وعصياننا المدني مستمر” حتى تحقيق المطالب.

وجددت المعارضة السودانية التأكيد على تمسكها بسبعة مطالب، وأول هذه المطالب “اعتقال والتحفظ على كل قيادات جهاز الأمن والاستخبارات سيئ السمعة، التي تجبرت وأعطت الأوامر على مدى ثلاثين سنة وهي قيادات معروفة بارتكاب جرائم ضد الشعب السوداني، على أن يتم تقديمهم لمحاكمات عادلة وفقاً للدستور“.

وطالبت أيضا بـ”إعادة هيكلة جهاز الأمن والمخابرات”، و”حل مليشيات النظام من كتائب ظل ودفاع شعبي وشرطة شعبية وغيرها“.

كذلك تشمل قائمة المطالب “التحفظ والاعتقال الفوري لكل القيادات الفاسدة في الأجهزة والقوات النظامية وغيرها من المليشيات والمعروفة بارتكاب جرائم ضد المواطنين في مناطق النزاع المسلح في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وغيرها من أصقاع الوطن، وتقديمهم لاحقاً لمحاكمات عادلة وفقاً للمبادئ الدستورية وإجراءات المحاكمة العادلة المرضية للمظلومين”، وفق للبيان.

كذلك شددت على ضرورة “حل كافة أجهزة ومؤسسات النظام والاعتقال الفوري والتحفظ على كل قياداته الضالعة في جرائم القتل والفساد المالي على أن تتم محاكماتهم لاحقاً وفقاً للدستور وإجراءات العدالة والمحاسبة“.

كما تتمسك المعارضة أيضا بـ”إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والعسكريين فورا، بمن فيهم الضباط الذين انحازوا للثورة”، إضافة إلى “الإعلان الفوري عن رفع كل القوانين المقيدة للحريات والتي تخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية ووثيقة الحقوق في الدستور السوداني. بما في ذلك حل الأجهزة والمؤسسات المسؤولة عن ذلك“.

وفد جاءت مطالب الحراك الثوري السوداني عقب خطاب عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري السوداني، الذي وعد بإلغاء حالة حظر التجول الأخيرة وإطلاق سراح المعتقلين في الاحتجاجات الأخيرة والاهتمام بحقوق الإنسان، وأيضا  تشكيل مجلس عسكري وتشكيل حكومة مدنية بالتشاور مع الأحزاب السودانية، مع نفس الطرح السابق بتحديد فترة انتقالية مدتها عامان ومحاسبة كل من يثبت تورطه في سفك الدماء، متعهدا بأن يكون واجب المجلس العسكري منحصرا على توفير حفظ الأمن وإزالة كل القيود التي تعيق العمل الحر، طالبا من الشعب المساعدة على العودة للحياة الطبيعية….وهو مسار بحسب محللين محليين اعادة انتاج لسيناريو مصر من جديد، وهو ما وصفه الكاتب الفلسطيني بالقدس العربي،وائل عصام، “في ثورة السودان إما النصر أو مصر” وهو شعار تداوله الحراك الثوري بالسودان، رادين به على مطالب وطروحات العسكر السودانيين الناعمة، نحو امتصاص الغضب الجماهيري، باعادة تقديم النموذج المصري مجددا بالسودان..

ولعل ما ثبت في يقين السودانيين أن فرض حكم عسكري لعامين من دون الإعلان عن انتخابات ديمقراطية، هو بداية عرجاء، كبطة السناتور الأمريكي جون ماكين “خلال زيارته لمصر ووصفه ما جرى في 3 يوليو 2013 بالانقلاب العسكري”.. وهو ما يصر على رفضه السودانيون، بعدما أجبروا وزير الدفاع الفريق أول ركن عوض بن عوف من رئاسة المجلس العسكري الانتقالي بعد يوم واحد فقط له في المنصب ، وكان بن عوف نائبا للبشير وهو من بين بضعة قادة سودانيين فرضت واشنطن عقوبات عليهم بتهمة الضلوع في فظائع ارتُكبت خلال الصراع في دارفور عام 2003.

وأكد بيان المهنيين السودانيين الذي يقود التظاهرات، يوم السبت، “اليوم نواصل المشوار لاستكمال النصر لثورتنا الظافرة.” نؤكد أن ثورتنا مستمرة ولن تتراجع أو تحيد عن طريقها الماضي للتحقيق الكامل وغير المنقوص لمطالب شعبنا المشروعة والجلية، بتسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية”.

وقال المجلس العسكري في وقت سابق، إنه يتوقع أن تستمر الفترة الانتقالية عامين كحد أقصى لكنها قد تنتهي خلال فترة أقل بكثير إذا تمت إدارة الأمر دون فوضى. وقال الفريق أول ركن عمر زين العابدين رئيس اللجنة السياسية المكلفة من المجلس العسكري إن المجلس سيعقد حوارا مع الكيانات السياسية.

واستهدف الإعلان على ما يبدو طمأنة المتظاهرين الذين يضغطون منذ شهور، للمطالبة برحيل البشير ويحتجون على الحكم العسكري بعد الإطاحة به يوم الخميس الماضي داعين إلى تغيير أسرع وأكبر.

وانتزع البشير (75 عاما) نفسه السلطة في انقلاب عسكري عام 1989. وواجه مظاهرات بدأت قبل 16 أسبوعا وأشعل فتيلها ارتفاع أسعار الغذاء ومعدل البطالة وزيادة القمع خلال فترة حكمه التي امتدت لثلاثة عقود.

سلاح الفوضى

ولعل الفوضى التي يستخدمها عسكريو السودان كفزاعة ، بدأت عملها ليل الجمعة الماضية، حيث  ذكر متحدث باسم الشرطة في بيان صدر في الساعات الأولى من صباح السبت أن ما لا يقل عن 16 شخصا قتلوا كما أصيب 20 آخرون يومي الخميس والجمعة “بأعيرة نارية طائشة في الاعتصامات والتجمهرات”. وأضاف المتحدث هشام علي أن مباني حكومية وخاصة تعرضت لهجمات أيضا.

وهو ما يؤشر لاستخدام الفوضى في فرض مزيد من الاجراءات القمعية، في المستقبل ، وهو ما كان يحدث في مصر، عندما يقترب تاواعد الدستورية والاستحقاقات السياسية..

عوامل حسم خارجية

ومع تفاعلات المسار السوداني، تبدو العديد من التجليات المتعلقة بالعوامل الخارجية ومواقف بعض القوى المؤثرة في المشهد العربي في الفترة الأخيرة، من اهمها:

الموقف الأمريكي

ولعل من عوامل الحسم في السودان، ما يرتبط إلى حد كبير بالموقف الأمريكي، الذي اعلن انحيازه للشعب السوداني، في بداية الأمر، ثم تطور لاحقا بالمطالبة بضبط النفس، والابتعاد عن سيناريو الفوضى

والأحد، التقى نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي بالسودان الفريق أول محمد حمدان “حميدتي” بالقصر الجمهوري بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية في الخرطوم ستيفن كوتسيس.

ووفقا لتعميم صادر عن إدارة الإعلام بالقصر الجمهوري إن حميدتي أطلع الدبلوماسي الأمريكي على الأوضاع والتطورات بالبلاد والأسباب التي أدت إلى تشكيل المجلس العسكري الانتقالي وما اتخذه من خطوات للمحافظة على أمن واستقرار السودان.

ومن جانبه وفقا للتعميم رحب القائم بالأعمال الأمريكي بدور المجلس العسكري في تحقيق الاستقرار، وأكد على ضرورة استمرار التعاون بين الجانبين بما يعزز العلاقات السودانية الأمريكية...وهو ما يمكن قراءاته في اطار المصالح الأمريكية في افريقيا، ويمثل السودان ركيزة أساسية، لما يتمتع به من مساحات ممدة على طول ساحل البحر الأحمر، بجانب ما يمثله من معبر اساسي لافريقيا السمراء…

ورغم الخلافات السياسية بين نظام البشير وواشنطن طوال عقود من الزمن، تخللها فرض عقوبات سياسية واقتصادية وتحارية، إلا أن العلاقات السياسية استمرت في صالح الأجندة الأمريكية والاسرائيلية أيضا..

وكعادة واشنطن التي تقف مع الفائز في معترك الثورات العربية، من المرجح ان تدعم واشنطن المجلس العسكري، القابل للتفاةض السري، في ملفات أمن البحر الأحمر وصفقى القرن والسماح بحركة الطيران الاسرائيلي في الأجواء السودانية..

الامارات والسعودية

وكانت العديد من الدوائر السياسية الدولية قد حذرت من تدخل الديكتاتوريين العرب، في حسم الثورة السودانية، بحسب التليجراف، في افتتاحيتها الأحد، وكانت كل من السعودية والإمارات، أعلنت دعمهما لقرارات المجلس العسكري الانتقالي في السودان، وتقديم مساعدات للخرطوم.

وأعلنت الرياض في أول تعليق رسمي لها على تطورات الوضع في السودان، مساء السبت، “تأييدها” للإجراءات التي اتّخذها المجلس العسكري الانتقالي، مشيرةً إلى أنّها ستقدم لهذا البلد، بتوجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز، “حزمة من المساعدات الإنسانية تشمل المشتقّات البترولية والقمح والأدوية“.

إلى ذلك، وفي أول تعليق لها أيضاً منذ إطاحة البشير، قالت الإمارات في بيان للخارجية، صباح الأحد، إنها “تدعم وتؤيد الخطوات التي أعلنها المجلس العسكري الانتقالي في السودان للمحافظة على الأرواح والممتلكات والوقوف إلى جانب الشعب السوداني“.

وأعربت عن تمنياتها من “جميع القوى السياسية والشعبية والمهنية والمؤسسة العسكرية في السودان الحفاظ على المؤسسات الشرعية والانتقال السلمي للسلطة“.

ووجه رئيس الإمارات، خليفة بن زايد آل نهيان، بالتواصل مع المجلس العسكري الانتقالي، لبحث مجالات المساعدة للشعب السوداني.

البرهان وعلاقاته الخليحية

وبجانب التفاعلات المتسارعة بالسودان يمثل رئيس المجلس العسكري الجديد، عنصرا اساسيا في رسم مآلات الثورة السودانية، لما يتمتع به من علاقات مع دول الثورة المضادة في المنطقة العربية”السعودية والامارات ومصر”..

وهو ما يمثل وجه اخر للنظام العسمري الذي ثار ضده السودانيون، وتردد اسم المفتش العام للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح برهان، كثيرًا خلال الأيام الماضية، قبل أن يخرج رئيس المجلس العسكري الانتقالي عوض بن عوف، ليعلن تنازله عن منصبه، واختيار البرهان خلفًا له.

برهان الذي كان قائدا للقوات البرية، لمع نجمه مع القرارات التي أصدرها الرئيس المعزول مؤخرًا، بإجراء تعديلات في قيادة الجيش عقب تصاعد الاحتجاجات الشعبية في فبراير الماضي.

وعيّن البشير، برهان (60 عاما) مفتشا عاما للقوات المسلحة، بعد ترقيته من رتبه فريق ركن إلى فريق أول.

وظهر الرجل، الجمعة، في ميدان الاعتصام أمام مقر القوات المسلحة، وانتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يتحدث إلى رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق، إبراهيم الشيخ (معارض)، الذي كان يهتف مع المعتصمين بسقوط النظام.

وأشرف على القوات السودانية في اليمن، وقضي الفترة الأخيرة متنقلا بين اليمن والإمارات.

وبرهان من منطقة “قندتو” غرب مدينة “شندي” بالولاية الشمالية (شمال)، وتخرج من الكلية الحربية الدفعة الـ 31، وخاض معارك عسكرية أيام حرب الجنوب، قبيل انفصال جنوب السودان عن الأم السودان في 2011.

المرحلة الانتقالية

ولعل المخاطر السياسية تتعاظم تأثيراته لسنوات قادمة، مع تجليات المرحل

 يمكن القول إن السودان ة الانتقالية التي انطلقت عمليا يوم السبت 13 ابريل، والذي سيؤثر على مستقبل السودان لسنوات لاحقة، حيث دخل السودان مرحلة ترتيبات الفترة الانتقالية لما بعد حكم الرئيس المخلوع، عمر البشير. ترتيبات أصبحت محل تفاوض بين قوى الحراك الشعبي والسياسي المعارض، المنضوية في الإطار العريض لتحالف قوى الحرية والتغيير، الذي يجمع القوى السياسية والنقابية التي قادت ولا تزال الاعتصامات منذ 17 ديسمبر الماضي، من جهة، والمجلس العسكري بوجهه الجديد، عبد الفتاح البرهان، من جهة ثانية. وقد بدأت المحادثات بين الطرفين بدءاً من مساء السبت لحسم الاختلافات التي لا تزال موجودة بين طرف المدنيين والعسكر، خصوصاً لتحديد ملامح الانتقال السياسي ودور كل من العسكر الذين نفذوا الانقلاب على البشير، والمدنيين الذين حرّكوا الشارع المنتفض، ولحسم صلاحيات كل من الطرفين، في ظل رغبة مدنية في ألا يكون للمجلس العسكري أي سلطة سوى حماية الانتقال السياسي الديمقراطي، بينما يريد الطرف الأخير المشاركة في حكم المرحلة الانتقالية التي يريدها هو من عامين، بينما ترغب القوى السياسية والمدنية والحزبية في أن تكون مدتها أربع سنوات. على هذه الأسس، بدأ الحوار السبت  بين الطرفين، الجنرالات من جهة، وعشرة مفاوضين من “تحالف الحرية والتغيير”. وبما أن رحيل البشير كان الخطوة الأولى فقط المطلوبة من الحراك الشعبي، فإن الاعتصام الشعبي الكبير أمام مقر قيادة القوات المسلحة في الخرطوم، يبدو أنه سيستمر إلى حين اتفاق الطرفين على ملامح الانتقال السياسي من حُكم البشير و”دولته العميقة”، إلى الدولة المدنية الديمقراطية مثلما تنشدها القوى السياسية والمهنية المعارضة، وهو ما تقول القيادة العسكرية الجديدة إنها ترغب في حصوله أيضاً، وسط قبول حذر من قبل القوى السياسية المعارضة بالطاقم العسكري الجديد الذي خلف كلاً من الانقلابيين، عوض بن عوف، وقائد الاستخبارات صلاح قوش.

وارتأى الحاكم العسكري، عبد الفتاح البرهان، مغازلة السودانيين المنتفضين، فجاءت كلمته الأولى منذ تسلمه رئاسة المجلس العسكري، مختلفة في نقاط عديدة عن خطاب بن عوف، يوم الانقلاب. وأعلن البرهان أن المرحلة الانتقالية ستمتد لسنتين كحد أقصى وسيقودها مجلس عسكري انتقالي وحكومة مدنية انتقالية معاً (بينما المعارضة تريدها من 4 سنوات ومحصورة بحكومة مدنية). وتعهد البرهان بأن يتم تشكيل الحكومة المدنية “بالتشاور مع القوى السياسية”، علماً أن العسكر يصرّون على الاحتفاظ بوزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة الانتقالية. كما وعد الجنرال السوداني بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة ومحاربة الفساد وتفكيك كل الواجهات الحكومية للمحاصصة والفساد ومحاسبة المتورطين بسفك الدماء. والتزم بأن ينحصر عمل المجلس بسيادة حكم القانون والقضاء، بينما تطالب المعارضة العسكر فقط بحماية الانتقال السياسي والحكومة المدنية. وفي إطار محاولة التقارب مع المواطنين المنتفضين، الذين واصل عدد منهم الاعتصام أمام مقر القوات المسلحة في العاصمة، قال البرهان، في بيان بثه التلفزيون الرسمي، إنه سيتم “اجتثاث” نظام البشير والعمل على توفير الخدمات وتهيئة المناخ السياسي لتكوين أحزاب ونقابات. كذلك طلب المساعدة لعودة الحياة الطبيعية من المواطنين المعتصمين والأحزاب، في إشارة إلى ضرورة إنهاء اعتصام مقر القوات المسلحة، وهو ما تتمسك المعارضة باستمراره إلى حين دخول المرحلة الانتقالية حيز التنفيذ على يد سلطة مدنية انتقالية.

وفي إطار القرارات العسكرية التي تندرج في خانة إرضاء المنتفضين، ألغى البرهان حظر التجوال المفروض من قبل نظام البشير، وجرى إطلاق سراح المعتقلين وإلغاء حالة الطوارئ وإلغاء حكام الولايات، وتعهد بحماية حقوق الإنسان ووجه دعوة مفتوحة للحوار مع كل المجتمع السوداني. كذلك شدد على وقف إطلاق النار في كل أرجاء السودان ودعا كل حاملي السلاح إلى الجلوس والتحاور.

ورأى البعض في كلام البرهان محاولة لاقتباس بعض دروس انقلاب عام 1985 الذي نفذه عبد الرحمن سوار الذهب، والذي يُعتبر من العسكريين النادرين، أو ربما الوحيد في العالم العربي، الذي ينفذ انقلاباً عسكرياً ويسلم السلطة بعدها مباشرة إلى قيادة سياسية منتخبة، وهو ما استحق من خلاله لقب الجنرال الزاهد بالسلطة. لكن، رغم هذه الأجواء الإيجابية بحذر، فإن الاختلاف بدا مستمراً بين الجيش والمعارضة المدنية التي عقدت مؤتمراً صحافياً موسعاً باسم تحالف الحرية والتغيير، الذي يضم معظم أركان المعارضة النقابية والشعبية والحزبية التي ساهمت في إطاحة نظام البشير. وطالبت المعارضة، التي تناوب على الحديث باسمها العديد من كيانات المعارضة الرئيسة وهي تجمع المهنيين السودانيين، والتجمع الاتحادي المعارض، وقوى نداء السودان، علاوة على تحالف قوى الإجماع، بحكومة من مدنيين تحكم لأربع سنوات بصلاحيات واسعة، وبتأليف مجلس تشريعي جديد وصولاً إلى انتخابات حرة.

ومع استمرار الضغوط الشعبية، أعلن عضو بالمجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان الاحد إن المجلس يؤيد تولي شخصية “مستقلة” رئاسة حكومة “مدنية”، وذلك استجابة على ما يبدو لضغط الشارع من أجل نقل السلطة للمدنيين سريعا.

وصرح الفريق ياسر العطا عضو المجلس مخاطباً الأحزاب السودانية و”نريد إقامة دولة مدنية تقوم على الحرية والعدالة والديمقراطية. نريد أن تتفقوا على شخصية مستقلة لرئاسة الوزارة والاتفاق على حكومة مدنية”.

ومن جانب آخر، قالت قوى “إعلان الحرية والتغيير” المعارضة في السودان، الأحد، إنها قدمت إلى المجلس العسكري الانتقالي تصورا من عشر خطوات عاجلة لـ”تعزيز الثقة بين الطرفين” بشأن المرحلة الانتقالية.

وعقد المجلس العسكري الانتقالي، مساء السبت، أول اجتماع له مع وفد من المعارضة، بشأن مرحلة ما بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير (1989: 2019)، الخميس الماضي.

وقالت قوى “إعلان الحرية والتغيير”، في بيان، إن وفدها طالب، خلال الاجتماع، بـ”تسليم السلطة فورا إلى حكومة انتقالية مدنية متوافق عليها عبر قوى الحرية والتغيير، لتدير البلاد لمدة أربع سنوات، تحت حماية قوات الشعب المسلحة”.

كما طالب بـ”مشاركة قوى الكفاح المسلح في ترتيبات الانتقال كاملة، تفاديا لتكرار تجارب البلاد السابقة، ومعالجة قضايا التهميش بصورة جذرية، ومعالجة مظالم الماضي وانتهاكاته عبر آليات العدالة الانتقالية”.

وشدد على ضرورة “حل المؤتمر الوطني (حزب البشير) وأيلولة ممتلكاته للدولة”، و”القضاء على سيطرة المؤتمر الوطني على الأجهزة الأمنية”.

ودعا إلى “حل جهاز الأمن وحل الدفاع الشعبي (قوات موازية للجيش) والمليشيات التابعة للمؤتمر الوطني”، و”إعادة هيكلة وإصلاح المؤسسات العدلية، وإصلاح الخدمة المدنية وضمان قوميتها وحياديتها”.

كما شدد على “ضرورة إصلاح المؤسسات الاقتصادية للدولة وتحريرها من سيطرة الدولة العميقة”.

ودعا إلى “إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، وإزالة كافة اللوائح والأطر القانونية التي تكرس لقهر النساء، مع التمهيد لعملية إصلاح قانوني شاملة”.

وطالب وفد المعارضة بـ”توضيح أسماء المعتقلين من رموز النظام وأماكن اعتقالهم”، و”إطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين والمحكومين سياسيا، شاملا ذلك جميع ضباط وضباط صف والجنود، الذين دافعوا عن الثورة”.

وقالت قوى “إعلان الحرية والتغيير” إنها ستسلم إلى قيادات الجيش “الرؤية التفصيلية حول ترتيبات الانتقال”.

وكشفت عن تلقيها “ملاحظات عديدة حول قصور تمثيل وفد الاتصال بقيادة قوات الشعب المسلحة عن التمثيل المتوازن لأقاليم السودان والنساء ومختلف تكوينات الثورة، التي تعبر عن تنوع بلادنا الفريد”.

وشددت على أن “هذه ملاحظات صحيحة نعتذر عنها، ونعد بالتصحيح الفوري”.…وهكذا تتلاحق تطورات المشهد السوداني بصورة متسارعة، مؤشرة على سيناريوهات المستقبل السوداني التي باتت خياراتها تدور حول ثلاثة سيناريوهات ، يمكن حصرها بالتالي…

سيناريوهات المستقبل السوداني

يمكن استشراف ثلاثة سيناريوهات، كنتاج لتفاعل القوى الثلاث المتمثلة بالثوار والعسكر والخارج، وكل سيناريو له رجاحته وموضوعية طرحه، وهي كما تبدو كالآتي:

الأول:

حكم الجنرالات والفوضى، يبدو أن العسكر متى أمسكوا بزمام السلطة لا ينفكون عنها ألبتة وبأي ثمن، وتجارب انقلابات العسكر ماثلة أمامنا في أكثر من تاريخ بلد عربي، فالسلطة المطلقة، والأمر والطاعة، هي من أسس تكوين العقلية العسكرية، ومتى حان الظرف للجنرالات بأن يهجروا (دورهم الطبيعي في حماية الوطن وسيادته) ويستولوا على السلطة، فإنهم أمام اختبار بنيوي لعقلية القيادة والتحكم، كما يبدو، ولكن باسم آخر.

في هذه الحالة، وفي ظل إصرار الحراك الشعبي على إسقاط النظام بالكلية وبناء هيكل دولة ديمقراطي جديد، فإن الصدام المتفاقم والمدمر هو مآل الأمور ونهاياتها، ولن يكون مستبعداً تفكك الدولة، واستقلال إقليم دارفور، كتفاعل طبيعي لضعف وتراجع المركزية في إدارة الدولة، وضعف الأجهزة العسكرية في توسيع النشاط المضاد للحراك.

السيناريو الثاني:

الانتقال السلمي للسلطة. ليس مستبعداً أن يدرك الجيش عمق الأزمة، وخطورة مضاعفاتها، فيتم تعديل مضامين البيان العسكري ليتم تسريع عملية تسليم السلطة والإعداد لانتخابات قريبة وضمان نزاهتها والحرية في الاختيار إنفاذاً لمبدأ تداول السلطة سلمياً وديمقراطياً.

في هذه الحالة، نحن على أبواب انفراج ديمقراطي من شأنه بث روح الأمل والتحرر والاستقرار، وما سيقود إلى بناء نموذج عربي يشابه نجاح التجربة التونسية، وليس تكرار تجربة عبد الرحمن سوار الذهب بمستبعد هنا.

السيناريو الثالث: تثبيط الثورة وبقاء العسكر.

من الوارد كذلك أن يلتف الجيش على مطالب الجماهير، وقيامه بتهدئة الأمور في ظل وعود ومماطلة وتسويف، فيتم تمديد حالة الطوارئ حتى استقرار الأمور على تقبل الأمر الراهن واستكرار العسكر في السلطة سواء بقي عبد الفتاح البرهان أم جيئ بعسكري آخر..فيتم تكرار مرحلة البشير عقودا أخرى.

وبحسب المحلل السياسي، بالعربي الجديد، د.عبد الوهاب الأفندي، فإن جميع السيناريوهات تبدو واقعية ومحتملة جداً، وخصوصا في ظل تعقيدات داخلية وإقليمية ودولية؛ فداخليا هنالك ثورة واضحة المطالب، ولن تتنازل عن مكاسبها وتضحياتها بسهولة، وهذا يدعم طرح الديمقراطية وتسليم السلطة تحت ضغط الجماهير. أما إقليمياً، فهنالك قوى عربية فاعلة، وثبت تدخلها عبر المال والسلاح في إجهاض أي حراك ثوري تحرري من شأنه بث أفكار الديمقراطية والتغيير، وهذا يدعم طرح بقاء العسكر في السلطة. أما دولياً، فالقوى الكبرى لا يعنيها مصير الشعوب ولا تحرّرها بمقدار الحرص على استمرارية المصالح السياسية والاقتصادية. وفي العادة، فإن ذلك يبدو مُصاناً عند التعامل مع دكتاتورية مستقرة مقارنةً بحكومات متقلبة ومُمثّلة للجماهير.

فاليوم، يبدو السودان مرتهناً لثلاث قوى قادرة على جذبه نحو ثلاثة سيناريوهات، قوة الشعب وسيناريو الديمقراطية، وقوة الجيش وسيناريو التسلط، وقوة خريطة الإقليم والعالم بسيناريو غامض متعدد الأوجه.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...