فطنت وتنبّهت الدولة العثمانية لخطط شراء اليهود للأراضي في فلسطين وكونها تنذر بقيام دولة يهودية في ما يسمونه «أرض الميعاد». ولهذا السبب أصدر السلطان عبد الحميد الثاني أمراً بمنع بيع الأراضي والمباني في فلسطين لأي يهودي ليس من مواطني الدولة العثمانية، وعقب ذلك المنع أصدر السلطان قانوناً جديداً للأراضي في عام 1883م لا يسمح لليهود الأجانب بشراء أي عقارات في فلسطين.
وكان ذلك قبل نشوء الحركة الصهيونية التي تأسست رسمياً خلال مؤتمر بال سنة 1897 بهدف تشجيع يهود العالم على الهجرة إلى فلسطين، وتمكينهم من امتلاك الأراضي الفلسطينية والسيطرة على المنطقة. وبسبب حركة الهجرة القوية التي شهدتها فلسطين منذ الربع الأول من القرن التاسع تنبهت الدولة العثمانية لهذه الخطّة قبل أن يطلب مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل صراحة من السلطان عبد الحميد شراء الأراضي الفلسطينية.
وهذه بعض الفتاوى لبعض علماء الأمَّة في نصرة القضيَّة الفلسطينيَّة المسلمة، وتذكيراً بأهميَّة هذه الأرض المباركة، وتنبيهاً للمسلمين الذين يهمهم أمر فلسطين بأنَّ القبول بالأمر الواقع ـ إن صحَّ ـ فهو لا ولن يعني التفريط بمسلَّمات الأمَّة المسلمة وثوابتها تجاه هذه القضيَّة، التي هي فعلاً قضيَّة المسلمين جميعاً، وكلُّ مسلم له فيها نصيب؛ فهي ليست قاصرة على أهل فلسطين فحسب، بل هي للأمَّة المسلمة جمعاء، ولن ترضى الأمَّة المسلمة أن تقزَّم هذه القضيَّة لتكون لأهل فلسطين وحدهم والبقيَّة من المسلمين يتفرَّجون وينظرون إلى مسـرح الأحداث وكأنَّ الأمر لا يعنيهم؛ فإنَّ لهذه الأرض المقدَّسة بُعدها الإسلامي الواضح في نصوص الوحي كتاباً وسنّة، وقد بيَّن ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنَّ هذه الأرض ستُفتح على أيدي المسلمين. وأخبر ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنَّه ستكون بين المسلمين واليهود فيها صولات وجـولات حتَّـى قـيام السـاعة؛ فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهودَ، فيقتلهم المسلمون؛ حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجــر فيقــول الحجــر أو الشجـر: يا مسلـم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعالَ فاقتله إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود».
أولاً: فتوى علماء الأزهر عام 1947م: بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية المسجد الأقصى
حيث قام علماء الأزهر بتوجيه ندائهم إلى أبناء الإسلام بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية الأقصى، وذلك بعد قرار تقسيم فلسطين الذي وافقت عليه الجمعية العموميَّة للأمم المتحدة في 29 /11/ 1947م والذي يقضي بإقامة دولة يهوديَّة وأخرى فلسطينيَّة على أرض فلسطين، وهو القرار الذي يُعدُّ اليوم أساساً لما يسمى بقرارات (الشرعية الدولية) فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وقد وقَّع على هذه الفتوى (26) عالماً من علماء الأزهر، كـان مـنهـم: الشيـخ محمـد حسـنين مخـلوف، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد دراز، وغيرهم من أهل العلم والفضل والدين.
وممَّا جاء في هذه الفتوى قول العلماء: (إنَّ قرار هيئة الأمم المتحدة قرار من هيئة لا تملكه، وهو قرار باطل جائر ليس له نصيب من الحق والعدالة؛ ففلسطين مُلك العرب والمسلمين بذلوا فيها النفوس الغالية والدماء الزكيَّة، وستبقى ـ إن شاء الله ـ مُلك العرب والمسلمين رغم تحالف المبطلين، وليس لأحد كائناً من كان أن ينازعهم فيها أو يمزقها).
ثانياً: انعقد في القدس يوم20/10/1353هـ اجتماع كبير لعلماء ودعاة فلسطين:
من مفتين وقضاة ومدرسين وخطباء، وأصدروا بالإجماع فتوى بخصوص بيع الأراضي في فلسطين لليهود، وأنَّ ذلك البيع يحقق المقاصد الصهيونيَّة في تهويد هذه البلاد الإسلاميَّة المقدَّسة وإخراجها من أيدي أهلها وإجلائهم عنها وتعفية أثر الإسلام بخراب المساجد والمقدَّسات الإسلاميَّة كما وقع في القرى التي بيعت لليهود وأُخرج أهلها متشردين في الأرض؛ فقد اتَّفقوا على أنَّ البائع والسمسار والوسيط في بيع الأراضي بفلسطين لليهود عاملٌ ومظاهِرٌ على إخراج المسلمين من ديارهم، وأنَّه مانعٌ لمساجد الله أن يذكر فيها اسمه وساعٍ في خرابها، وهو كذلك متخذ اليهود أولياء؛ لأنَّ عمله يعدُّ مساعدة ونصراً لهم على المسلمين ومؤذٍ لله ورسوله وللمؤمنين، وخائن لله ولرسوله وللأمانة).
ثمَّ أوضحوا أنَّ أولئك الباعة والسماسرة والوسطاء في بيع أراضي فلسطين لليهود: (كل أولئك ينبغي ألاَّ يصلَّى عليهم ولا يدفنوا في مقابر المسلمين، ويجب نبذهم ومقاطعتهم واحتقار شأنهم وعدم التودد إليهم والتقرب منهم، ولو كانوا آباء أو أو أبناء أو إخواناً أو أزواجاً، وأنَّ السكوت عن أعمال هؤلاء والرضا بها مما يحرَّم قطعياً).
ثالثاً: البيان الصادر عن دائرة مجلس الإفتاء العام في عمَّـان بالأردن:
الــذي صـدر إبَّـان خــروج قـرار من مجلس الكونغرس الأمريكي القاضي بجعل القدس عاصمة لـ (اليهود)، وقد وقَّع على هذه الفتوى (11) عالماً من علماء الأردن، واستنكر المجلس استنكاراً شديداً هذا القرار الذي يتنافى مع حقوق الإنسان، وجاء فيه: (إنَّ قرار الكونغرس الأمريكي القاضي بضم القدس يشكل عدواناً صارخاً على عقيدة كل مسلم في الأرض، وتعتبر الولايات المتحدة شريكاً في الظلم والعدوان الذي تمارسه إسرائيل).
وجاء فيه كذلك: (القدس الشريف جزء من عقيدة كل مسلم يحافظ عليها كما يحافظ على دينه) ثمَّ ذكروا الأسباب لهذه العقيدة التي يجب أن يعتقدها المسلمون. وقد جاء في هذه الفتوى الأمر بجهاد اليهود، ومقاطعتهم في تجارتهم ومعاملاتهم.
رابعاً: صدرت فتوى في الفترة الممتدَّة من (جمادى الأولى 1409هـ وحتَّى ربيع الآخرة 1410هـ):
وقد وقَّع عليها ثلاثة وستون عالماً وداعية ومفكراً، منهم: الشيخ محمد الغزالي، والدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور همَّام سعيد، والدكتور المجاهد عبد الله عزَّام، والأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وصادق عبد الماجد، والدكتور عصام البشير، والشيخ حافظ سلامة، ومصطفى مشهور، وجمعٌ من رجالات العمل والدعوة الإسلاميَّة، وكانت بعنوان: (فتوى علماء المسلمين المحرِّمة للتنازل عن أي جزء من فلسطين) وبيَّنوا في بدايتها أنَّ اليهود أشد عداوة للذين آمنوا، وقالوا: (الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، ولا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تقرَّ اليهود على أرض فلسطين أو تتنازل لهم عن أي جزء منها أو تعترف بأي حق لهم فيها، وإنَّ هذا الاعتراف خيانة لله ورسوله وللأمانة التي وُكّل إلى المسلمين المحافظة عليها).
خامساً: فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ـ رحمه الله ـ:
حيث أفتى بوجوب الجهاد ضدَّ اليهود المعتدين على أرض فلسطين، وقال: (فالواجب عليهم الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأهليهم وأولادهم وإخراج عدوهم من أرضهم بكل ما استطاعوا من قوَّة) وقال: (فالواجب على الدول الإسلاميَّة وعلى بقية المسلمين تأييدهم ودعمهم ليتخلَّصوا من عدوهم، وليرجعوا إلى بلادهم ).
سادساً:
نبَّه جمع من علماء المسلمين إلى خطورة التعاون مع الصهاينة والعمالة الجاسوسيَّة لهم تجاه المسلمين، وبيَّنوا أنَّ الجاسوس الذي يرشد الأعداء على المجاهدين، ويسعى في الأرض فساداً، إن عُرِفَ هذا منه واشتهر به، فإنَّه يُقْتَل ويثاب قاتله، وأمَّا إذا لم يُعْرَف هذا عنه، فأمره موكول لحاكم المسلمين وأهل الحل والعقد؛ فإن رأوا قتله قُتِل، وإن رأوا تعزيره عُزِّر، فيتخيروا ما هو أصلح للمسلمين.
هذا كلُّه في من يتعاون مع أعداء المسلمين كاليهود ضد إخوانه المسلمين والمجاهدين؛ فما البال إذاً بمن يتعاون مع اليهود عبر الطرق الدبلوماسيَّة والتلبيسات المصلحيَّة للتفريط بثوابت الأمة وأراضيها المقدَّسة والحقوق الشرعيَّة للأمَّة في فلسطين؟
سابعاً: صدر بيـان وفتــوى من الشيــخ عـبد الـرحمن عبد الخالق:
حول عقد معاهدات الصلح والسلام مع اليهود وموقف المسلم منها، وتكلَّم فيها عن عداوة اليهود للمسلمين وكيدهم ومكرهم، ثمَّ ذكر خطورة هذه المعاهدات التي اتَّفق بعض المسؤولين عن السلطة مع اليهود في وقت سابق على أمور منها، وكان ملخَّص الفتوى: أن معاهدات الصلح الدائم مع اليهود تقوم على شروط باطلة منها:
وضع الحرب إلى الأبد بين المسلمين واليهود: هـذا شرط باطل. إزالة أسباب العداوة والبغضاء بين المسلمين واليهود وإزالة كل نصوص التشريع التي تبقي هذه العداوة: وهذا شرط باطل لأنَّه مخالف لأصـول الإيمـان. وأنَّهـا أقرَّت اليهود على ما أخـذوه من أرض الإسلام عنوة وغـدراً: وهـذا أمر لا يجوز. وأنَّ هذه المعاهدات أُبرمت عن غير مشورة من المسلمين: وكل عقد يهمُّ المسلمين إذا أُبرم عن غير رضى فهو عقد باطل. ثمَّ أكَّد الشيخ أنَّ هذه المعاهدات ستُفسد دنيا المسلمين وليس دينهم فقط، ثمَّ تطــرَّق الشـيخ ـ حفظه الله ـ إلى ذكر الخسائر التي تحيق بالمسلمين من وراء هذه المعاهدات، واختتم الفتوى بواجب المسلمين تجاه هذه المعاهدات، باعتقــاد بطلانهــا، وأنَّ هــذه المعاهــدات لا تلزمهم، بل ينبغي العمل على إسقاطها، ووجوب تجميع الأمَّة على القضاء على علوِّ اليهود في الأرض.
وخلصوا في نهاية الفتوى إلى عدَّة نقاط:
أولاً: إن المتنازل عن حق العودة يلغي وقف أمير المؤمنين لأرض الشام على ذراري المسلمين.
ثانياً: إن المتنازل عن حق العودة عاملٌ ومُظاهِر على إخراج المسلمين من ديارهم، وخروج فلسطين من ملكية الوقف الإسلامي إلى غيره، ومُقر بحق ملكية اليهود لها.
ثالثاً: إنه ظالم ومانع لمساجد الله – وعلى رأسها الأقصى قبلة المسلمين الأولى – أن يذكر فيها اسمه وساعٍ في خرابها. قال ـ تعالى ـ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: 114].
رابعاً: إنه متخذ اليهود أولياء؛ لأن عمله يعد مساعدة ونصراً لهم على المسلمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ} [المائدة: 51].
خامساً: إنه مؤذٍ وخائن لله ولرسوله وللمؤمنين.
سادساً: إنه كافر ومرتد عن دين الله، وبذلك يصبح أحد الثلاثة الذين يحل دمهم.
واختتموا فتواهم بقولهم: (وعليه فإننا في رابطة علماء فلسطين ومن خلال هذا المؤتمر نؤكد على أن حق المسلمين في فلسطين التاريخية كاملة حق مقدس ثابت لا يملك أحد التنازل عنه، ولا تُسقطـه معـاهـدة، ولا وثيـقة، ولا وعـد، ولا يجوز الصلح عليه، ولا على أي جزء منه. وإن حق العودة إلى فلسطين مقدس، لا ينبغي لفلسطيني أن يهاجر من بلاده مختاراً بدون حق ولا وجه شرعي، أو أن يتنازل عن هذا الحق، وأن يرضى بتعويض أو توطين في مكان آخر، ومن اعتقد حِل ذلك فهو كافر مرتد).
تاسعاً: أخرجت دار الإفتاء المصريَّة فتوى منذ فترة:
أنَّه يجوز إخراج الزكاة لأهل فلسطين المجاهدين، لاندراجهم في سهم {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60]، ونصَّت الفتوى على أنَّ: (الإخوة الفلسطينيين أحوج ما يكونون إلى مثل هذه المساعدة التي تقوِّيهم على الوقوف في وجه هذا المعتدي الباغي الغادر المدجَّج بالعتاد والسلاح ونظم القتل الحديثة؛ فهم بلا شك داخلون في معنى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] والمعبَّر عنهم بالغزاة).
عاشراً: صدر بيان من رابطة علماء فلسطين حول قضيَّة اللاجئين الفلسطينيين:
وبيَّنوا فيه أنَّ عودة اللاجئين والنازحين والمهجَّرين حق شرعي وتاريخي، لا يجوز النيابة أو التفويض أو التنازل عنه في إطار أي اتفاق أو معاهدة، ثمَّ اختتمت الرابطة بيانها بتأكيدها على (أنَّ تحرير فلسطين والقدس وإعادة ملايين اللاجئين لا يتمّ عن طريق المفاوضات السلميّة الذليلة وإنما عن طريق الجهاد والمقاومة.. فالجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة لا يبطلُه جور جائر).
ثامنـاً: أصـدرت رابطـة عـلمـاء فلسـطـين بتـاريـخ 25/1/2007م فتوى بتحريم التنازل عن حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه فلسطين:
معلِّلين ذلك بأنَّه يعني التنازل عن ملكية المسلمين للأرض وتبعيَّتها للوقف الإسلامي، وقالوا: (فإذا كان بيع الأراضي المقدسة في بلاد الشام لغير المسلمين لا يجوز، ويحرِّمه الشارع الحكيم، وقد سبق أن أفتى علماء المسلمين في جميع أنحاء المعمورة بتجريم من فعله وكفَّروا من اعتقد حِلّه؛ فكيف بمن تنازل عن الأرض عبر التنازل عن حق عودة شعبنا الفلسطيني المسلم إلى أرضه المقدَّسة؟ فلا يحق لأحد ـ مهما كان موقعه ـ أن يتنازل أو يبيع شيئاً منها، وإن فعله فهو مردود عليه).