عزالدين الكومي
بالرغم من أن قائد الانقلاب يحاول كلما تأتي ذكرى ثورة يناير أن يجعل منها شماعة لفشله وفشل العسكر في إدارة البلاد، كما يحاول الإعلام الانقلابي أن يشيطن الثورة ورموزها بمناسبة وغير مناسبة، وبالرغم من ظهور “وائل غنيم” وقيامه بنشر سلسلة تدوينات على صفحة “كلنا خالد سعيد” تدعو إلى تجنيب البلاد الدخول في الفوضى، واصفًا الداعين إلى احتجاجات شعبية بالتزامن مع ذكرى الثورة بـ”تجار الغضب”، وبث مقطع فيديو يتحدث فيه عن الاحتفال بعيد الشرطة بدلا من إحياء ذكرى ثورة يناير.
وبالرغم من أن أتباع الثورة المضادة؛ من جيش وشرطة وقضاء وإعلام ومرتزقة النظام الانقلابي من مصاصي دماء الشعب، يرفضون حتى مجرد الإشارة إلى ثورة 25 يناير في الدستور أو ديباجته، ويصفونها بالمؤامرة. وكم حاول الإعلام الانقلابي في الأسابيع الماضية أن يشحن الشارع، موهمًا إياه بأن طبول الحرب تدق في ليبيا ولا بد من دعم جيش كامب ديفيد، وقام المشخصاتية بدورهم في شحن الشعب، وكل ذلك لصرف الأنظار عن ذكرى ثورة يناير، والتغطية على فشل مفاوضات سد النهضة.
وسبحان الذى يُغير ولا يتغير، اليوم قائد عصابة الانقلاب قال، في كلمة له باحتفال عيد الشرطة: ثورة 25 يناير كانت مطالبها نبيلة، فتحية للشعب المصري في تلك الذكرى”. ومنذ شهور قليلة وفى لقاء له في الندوة التثقيفية لعسكر “كامب ديفيد”، وفي محاولة منه للتنصل من مسئوليته عن كارثة سد النهضة وإلصاقها بثورة يناير، قال: “لو مفيش 2011 كان عندنا فرصة للتوافق على بناء سد النهضة وكل الاشتراطات لتحقيق المصلحة لمصر وإثيوبيا، ولن يكون الأمر أحاديًّا”.
وقال: “في 2011 كان هيكون فيه اتفاق قوي وسهل لإقامة السد، لكن لما البلد اتكشف ضهرها وعرت كتفها فأي حاجة تتعمل .. ولو مخدتوش بالكم هيتعمل أكتر من كده”. وهكذا يتلاعب قائد عصابة الانقلاب بالثورة، وعلى طريقة ساعة تروح وساعة تيجي، الثورة شوية نبيلة وشوية مؤامرة!
ونحن لا نحتاج من هذا القاتل والديكتاتور المفضل لسيده، أن يقول لنا إن ثورة يناير كانت مطالبها نبيلة، فالثورة كانت ولا تزال وستظل مطالبها نبيلة؛ لأنها مطالب مشروعة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، التي أهدرها العسكر خلال سبعة عقود، كما أهدرها جلاوزة الشرطة الذين يحتفلون اليوم بعيدهم، والمفروض أن مصر اليوم تقف حدادًا لساعات حزنًا وكمدًا على ما ألمّ بها من هذه العصابة، وتتشح السواد على ما اقترفوه من جرائم بحق الشعب من قتل وتعذيب ممنهج.
ثورة يناير مطالبها نبيلة؛ لأن مصر استردت حريتها وكرامتها التي سلبها العسكر خلال عقود من الظلم والقهر والحرمان والشقاء، منذ انقلاب يوليو 1952 المشئوم، وظهور الزعيم الملهم، والثورة بريئة من التهم التي يحاول قائد عصابة الانقلاب إلصاقها بها، فالثورة لم تبع جزر مصر في أسواق النخاسة، ولم تتنازل عن ثروات الشعب ومقدراته، ولم تفرط في حق البلاد التاريخي من مياه النيل، كما أنها لم تخدع الشعب بحفر الترع وإقامة مشروعات وهمية لرفع روحه المعنوية، ولم تكن مسئولة يومًا عن الانهيار الاقتصادي، ولم تتسبب في ارتفاع الدَّين العام الداخلي والخارجي إلى معدلات غير مسبوقة.
وبالرغم مما لحق بثورة يناير من تشويه، وأن معظم رموزها اختفوا من المشهد، حيث يقبع الكثير منهم في سجون ومعتقلات الانقلاب، والبعض الآخر أصبح مطاردا أو ترك البلاد ليعيش بالخارج بعيدًا عن بطش النظام، كما رحل رمز الثورة الرئيس الشهيد محمد مرسى- رحمه الله- لكن تبقى الثورة رغم كل ذلك نقطة مضيئة في تاريخ البلاد، وأنها كشفت عورات العسكر وعرتهم، بعد أن كانت الذات العسكرية مصونة لا تمس!.
وكما قال المعلق الصهيوني “إيهود يعالي”: إن “الجيش المصري يحمي اقتصاده وهو يستحوذ على ٣٠% من الاقتصاد، الجيش المصري يعمل حاليا في المخابز والمياه المعدنية، جهاز مرهق ومرتشٍ، وليس له فائدة، رغم كل المعدات العسكرية التي تلقاها من أمريكا منذ معاهدة كامب ديفيد، إلا أنه جيش من مجموعة جنرالات وضع عليها أوسمة كالأصنام”.
لذلك فالانقلاب على التجربة الديمقراطية وعلى أهداف ثورة 25 يناير كان القصد منه حماية دولة الكيان الصهيوني، والتمهيد لصفقة القرن المزعومة، وهذا ما عبر عنه المحلل الصهيوني، “دان مرغليت”، في صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية في مقال له، قائلاً: “سنبكي دمًا لأجيالٍ إن سمحنا بفشل الانقلاب وعاد الإخوان إلى الحكم”.
وذكر مرغليت أنه يتوجب على “إسرائيل” فعل المستحيل لضمان عدم عودة الإخوان للحكم؛ لأن الإخوان سيتوجهون للانتقام من “إسرائيل” في حال عادوا للحكم؛ لإدراكهم دور “إسرائيل” في دعم السيسي. وأن السيسي يُمعن في القتل لأنه يدرك مغزى فشله، وعلينا التجنيد لإنجاح حكمه، فهذه قصة حياة أو موت ليست بالنسبة له، بل لنا أيضا”.
{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم : 42-43].