من طبيب امتياز إلى متهم بالقتل ينتظر حكم الإعدام!!

مع نسمات فجر مدينة “المنصورة” الرقيق ، وأصوات تغريد العصافير، وبعد أن انتهى من صلاة الفجر ، قبّل “الدكتور علي” رأس أمه وأبيه مودعاً إياهم ليبدأ فصلاً جديداً من حياتة العملية كطبيب في مدينة “المنيا”.
 
استقل “الأتوبيس” المتجه إلى هناك ، وجلس بجانب النافذة في مكانه المفضل دائماً، فتح “علي” النافذة قليلاً ليستنشق نسمات الصباح الهادئة ويشاهد شروق الشمس داعياً ربه أن يكون يومه مليئ بالتفائل والأمل بعمله الجديد.
 
ساعات طويلة هي الطريق من المنصورة إلى المنيا استغلها “علي” في تصفح صفحات “الفيس بوك” علّه يقضي على ملل الطريق، وفجأة وقعت عيناه على صورةٍ يعرف صاحبها جيدا
إنها صورة “أحمد الوليد الشال”، زميل دراسته يرتدي بدلة الإعدام الحمراء!!
 
انقبض قلبه فوراً لما رَآه، وغُصة وأَلم اجتاجوا جسمه كلياً، وتحولت نسمات الصباح الرقيقة التي كان يستمتع بها منذ قليل إلى نار تلفح وجهه، ومشاعر غضب ممزوجة بالحسرة.. كان قد نسى “أحمد” تماماً وانشغل هو بأمور حياته.
 
كُتب على الصورة كلمات مؤثرة اخترقت عقله وقلبه معاً، كلمات خطتها والدة “أحمد” تطلب فيها الدعاء لإبنها لأن جلسة النقض على حكم إعدامه غداً الأربعاء ٣-٥-٢٠١٧… يا الله، يا “أحمد” كيف وصل بك الأمر إلى هنا يا صديقي؟!
 
عاد “علي” رغماً عنه بذاكرته إلى ثلاث سنوات مضت، تذكر كيف كان “أحمد” في الجامعة من أوئل دفعته، وتخرج من طب المنصورة بتقدير امتياز، وكان هيناً ليناً مُحباً لزملائه مرحاً ضاحكاً دائماً ، وكانت له جاذبية خاصة ترغمك على الاقتداء به والإعجاب بأخلاقه وأسلوبة ومساعدته للغير، ولقد كان مثلا أعلى الجميع.
 
تذكر على الفور أيضاً هذا التاريخ 6 مارس 2014، اليوم الذي اختفى فيه “أحمد” ولم يحضر إلى المستشفى حيث عملهم معاً كأطباء امتياز، ولما سأل عنه الجميع فُجؤوا بجواب والدته أن “أحمد” تم اعتقاله!!
 
ظل الجميع يبحث عن مكان اعتقال “أحمد” حتى هذا التاريخ المشؤم 11 مارس 2014 يوم نُشر فيه فيديو بثته وزارة الداخلية لـ “أحمد” وعدد آخر من الشباب يعترفون فيه بجريمة قتل حارس أحد القضاه بالمنصورة!!
 
“كان يكذب” نعم بالتأكيد .. فـ “علي” كما يقول يعرف أحمد جيداً عندما يحاول الكذب ولا يستطيع فتظهر على ملامح وجه مباشرةً ضحكة خجولة لإخفاء الأمر لكنه هنا لم يضحك ابداً.
كانت علامات التعذيب واضحة عليه، كانت ملابسة مقطعة، كان يتفوه بكلمت جوفاء محفوظة غير حقيقية، كان يقف مع اثنين آخرين من الشباب الواضح عليهم أيضاً علامات التعذيب يعترفون بنفس التهمة!!
ألا يوجد عاقل في هذا البلد يعرف أن هؤلاء الشباب يكذبون؟!
 
تابع “علي” البحث لمعرفة تفاصيل القضية التي تم اتهام “أحمد” فيها وعلم أن هناك حارس بالمنصورة قد قتل وأن ثمانية من شباب المدينة مُتهمين بقتله أغلبهم طلبة متفوقين بالجامعة، وهم :
1- محمود ممدوح وهبة، طالب بالفرقة الثانية في كلية الهندسة
2- عبدالرحمن عطية، طالب بالفرقة الرابعة في كلية الطب
3- محمد العدوي طالب في كلية الآداب
4- إبراهيم العزب، خريج كلية الصيدلة
5- خالد رفعت عسكر، خريج كلية العلوم
6- باسم محسن الخريبي، خرّيج هندسة
7- أحمد محمود دبور، مهندس تبريد وتكييف.
وأحمد ثامنهم … جميعهم اعتقلوا في أوائل مارس ٢٠١٤ .. وجميعهم اختفى في أماكن غير معلومة لمدد تجاوزت الثلاث شهور .. جيمعهم ظهروا في فيديوهات للداخلية بوجوه متورمة وملابس ممزقة وجروح لم تبرأ بعد، ليدلوا باعترافات يراها الأعمى أنهم مغصوبون عليها.
 
اتهموا أحمد بأنه القاتل الرئيسي في قضة أحرازها ماسورة صرف صحي، شريط كاميرا المراقبة الذي أكدت النيابة أنه صَور الجريمة وجدوه خالياً تماماً من أي دليل يدين “أحمد” أو أياً من الشباب، محضر النيابة نفسه الذى اتهم “أحمد” بأنه من نفذ الجريمة على دراجة نارية، كذبه الطب الشرعي ليؤكد أن من قتل الحارس كان كان يقف على قدميه، الدراجة النارية التى قالوا أن “أحمد” كان يقودها في المحضر لونها أحمر، لكنها ظهرت في أحراز القضية باللون الرصاصي!!
 
توقف “علي” قليلاً عن الذكريات لعله يهدأ ولكن ذكرياته أبت أن تتوقف، دمعت عيناه عندما تذكر مكالمة أم أحمد لأحد المحطات الفضائية، كلماتها مازالت تضرب في أذنه “ابنى تعرض لهتك عرضه ورأيت رسم هندسي من حرق السجائر برقبتة”، وصل بذاكرته إلى يوم الإثنين 7 / 9 / 2015 يوم حَكم القاضي بالإعدام على الشباب الثمانية!!
 
نَظر “علي” إلى الكرسي الذي بجواره في الأتوبيس .. وتمنى لو أن “أحمد” هو الجالس بجانبه في طريقهم ليكملا حلمهم معاً.
ثم أعاد “علي” رأسة إلى النافذة مرةً آخرى ورفع عينه إلى السماء داعياً ربه أن تظهر عدالة السماء، ويحصل “أحمد” وزملاؤه على حقهم في الحياة من جديد.
x

‎قد يُعجبك أيضاً

(ملف كامل) شهداء الدقهلية في مذبحتى رابعة والنهضة 14 أغسطس 2013

شهداء الدقهلية في مذبحتى رابعة والنهضة 14 أغسطس 2013 1- الشهيد عمر الفاروق صدقي  محفظ ...