شروط الانتساب للإخوان
زار الإمام الشهيد محافظة سوهاج ، وبعد انتهاء المؤتمر دعي إلى مائدة ، وجلس بجواره أحد الإخوة ، فهمس في أذن الإمام الشهيد وقال له : يا أستاذ .إن الدعوات لا تقاس بالكم وإنما بالكيف .فماذا لو وضعنا ضوابط للذين يريدون الانتساب ، كأن نحدد لهم قدراً من الثقافة الإسلامية يدرسونه ، ويظلون زمناً في إطار الانتساب وتحت الاختبار ، ثم ينقل الصالح منهم إلى العضوية العاملة ؟
فابتسم الإمام الشهيد ، وقال: يا فلان ، هل تريدون مني ما لم يرده الله من أنبيائه ورسله وهم صفوة خلقه. إننا دعوة لكل الناس وليست لفئة محدودة. يتربى فيها كل من يريد أن يخدم الإسلام مهما كانت مكانته وثقافته .. وكل ميسر لما خلق له .
ومن يدري فلعل هذه الدعوة تواجه محناً عاتية ، تعدون فيها الرجال على الأصابع . وجاءت المحن العاصفة ، وثبت كثير من الذين نحسبهم بسطاء في مكانتهم وثقافتهم . ولكنهم تخلقوا بمقومات الرجولة فصدقوا ما عاهدوا الله عليه . وسقط آخرون من أصحاب الثقافة الواسعة ، والشخصيات اللامعة ، ولله في خلقه شؤون.
حفل مع الفتوات
دعي الإمام الشهيد مرة إلى حفل بمناسبة المولد النبوي في بولاق ، وكان هذا الحي يشتهر في ذلك الوقت بالفتوات والأقوياء .
فكان حديثه يدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوته وشجاعته وصرعه لأبي جهل ، وركانة أقوى أقوياء الجزيرة العربية وسبقه لأبي بكر وعمر .. ذلك الحديث المحبب لأولئك الفتوات .
ثم انتقل بهم إلى القوة الروحية التي مصدرها طاعة الله والتزام أمره واجتناب نهيه ..كذلك استخدام القوة في نصرة المظلوم ، ومجاهدة الأعداء ..
فما كان من أحد الفتوات إلا أن صاح معجباً: ” اللهم صلي على أجدع نبي!”
وانتهى الحفل ، وبايع الكثيرون ، وعلى رأسهم المرحوم إبراهيم كروم أشهر فتوات بولاق السبتية .
أنا لا أؤلف كتباً
طلب كثير من الناس الغيورين من الإمام الشهيد أن يؤلف كتباً يودعها ما عنده من معارف بهرت عقول كبار العلماء .
فكان رده عليهم : أنا لا أؤلف كتباً … وإنما مهمتي أن أؤلف رجالاً أقذف بالرجل منهم في بلد فيحييه .. فالرجل منهم كتاب حي ينتقل إلى الناس ويقتحم عليهم عقولهم وقلوبهم ، ويبثهم كل ما في قلبه ونفسه وعقله ، ويؤلف منهم رجالاً كما ألف هو من قبل .
الترقية لمفتش عام
عرض على حسن البنا فرصة من أحد علية القوم ، بأن يطلب إلي وزير المعارف ترقيته ليكون مفتشاً عامًا علي التعليم الديني في القطر المصري ، ويكون معه ” أبونيه ” الدرجة الأولي ليتفرغ للرحلات في أنحاء القطر المصري كله ، يوجه العملية التعليمية ، وينشر دعوته بين الناس ، فرفض الإمام الشهيد ذلك ، واعتذر له بلطف وأدب ، فعاتبه بعض الإخوان علي هذا الرفض مبررين بأن هذه فرصة لتوجيه العملية التعليمية فضلا أنها ستوفر له الوقت والمال والجهد.
قال البنا : أما الوقت فعندنا أجازات الصيف ونصف العام والعيدين وهى كافية ، وأما الجهد فأذكركم بأن من يطلب الراحة في أداء دعوته ، كيف تتجدد عنده شحنة الإيمان ؟ وما هو المحرك الذي يؤجج الحماسة في نفسه ، لو طلب الداعي الراحة فسوف يطري عوده ، ولا يكون له جلد علي استكمال مشواره إلي نهايته .
وأما توفير المال ، إذن لا نشعر بلذة البذل في سبيل الله ، ويفقد الأخ منا سعادته بأنه اقتطع القرش من قوته وقوت أولاده ليبذله في سبيل الله ، وهذه لذة لا يعرفها إلا من ذاقها مثلكم .
أيها الإخوان: هذه الترقية ستكسبنا الكثير من رجال التعليم وكبارهم ، لكنهم لن يدخلوا لحلاوة الدعوة وانصبابها في قلوبهم ، وإنما تقربًا للمفتش العام ، الذي بيده ترقيتهم ، ونقلهم ، ووضع التقارير عنهم ، وحينئذ سنتعب في غربلة هؤلاء الناس وفرزهم وسنجد من هؤلاء من يكون بلاءً علي دعوتنا. (بتصرف)