بقلم: محمد ثابت
فتاة عراقية تبدو مقبلة على سن الحياة والتفتح وجريان القلم، إلى جوارها سيدات بملابس المنزل، فيما يبدو إنهن يحملن متاعهن الشخصي ويواصلن الزحف فراراً من جحيم تنظيم الدولة “داعش”، ويترقبن بحذر خوفاً من ميليشا “الحشد الشعبي” الشيعية المجرمة التي وافق “حيدر العبادي”، رئيس الوزراء العراقي؛ وفقاً لأوامر سادته في البيت الأبيض والكرملين و(تل أبيب) على إلحاقهم بالقوات الحكومية التي قال إنها سـتحرر الفلوجة، فما استطاع إتماماً للأمر، وما هو إلا أن زاد مآسيها مأساة أكبر جديدة، وفي خضم المهزلة يذهب “سامح شكري”، وزير الخارجية المصري، السبت الماضي (2 من يوليو/تموز) في زيارة ليوم واحد لبغداد ليدرس مع مجرميها، وأكابر زبانيتها دحر (الإرهاب)، المجرمون قطاع الطرق هذه الأيام صاروا هم حماة الديار دعاة محاربة الإرهاب في ديار المسلمين، ولا ينكر إرهاب داعش منكر، ولكن الاصل أن حكاماً، كان الاحتلال الفرنسي والإنجليزي والفرنسي أهون منهم بمراحل. فهؤلاء هم الإرهابيون الأصليون، اللهم إلا مَنْ رحم ربي!
فتاة عراقية بملابس المنزل تفر وسط طوفان من النسوة الضعيفات من جحيم التنظيم والمليشيا والحكومة العراقية، زمن الصورة متى؟ ربما كان منذ عشرة أيام، بدأت المعارك في 23 من مايو/أيار الماضي، وقيل حققت أغراضها منذ أيام، وقد تكون فارة بجلدها منذ سنتين مريرتين مرت بأهلها وبها، فيما المُنعمات من أمثالها في الخليج يتمرغن في النعيم غير داريات بحالها، زاد الله من نعيمه على الجميع لكن ووهبنا القدرة على الشعور بآلام الأمة الواحدة المفترض إنها لحم ودم واحد.
لما قامت حرب تحرير الكويت، وبدء شن الهجمات على العراق مما يُسمى التحالف، وكنتُ في عامي الدراسي الأخير، انتابتني مشاعر متباينة كان أبرزها الألم، ورآني على هذه الحالة أحد أبرز الأساتذة، وكان تلميذاً مباشراً للراحل “طه حسين”، فقال:
ـ دع عنك الضيق وإلا فسيطول حزنك .. العراق لا يصلح معه إلا هذا الحال .. وهذه الامة بالغة التخلف ..
أعرف وأعلم أن هناك عوامل وراثية تتحكم بشعوبنا، وتجعل من البعض قاسي القلب، سريع الميل إلى الغضب، وربما الحماقة، ولكن أو ليس الفرنسي ابن الجنوب مغاير للباريسي، أو ليس بريطاني الريف غير ساكن لندن، وهل هؤلاء جميعهم غير متساوين في نسبة التحضر، وفيهم إن لم يكن أكثرهم غير هذا من الأساس؟
ولكن على أي أساس نحكم على ابن وبنت العراق بالموت حتى في خواطرنا حينما يصلنا خبر عن انفجار؟ أو معركة أو قصف وما شابه، وما أكثر هذه الأمور في عالمنا حتى إن مبدأ المُسالمة في الأساس صار هو الخروج عن العهد، وصارت الدماء والعنف هي الأساس، في سوريا يتقاسم البشر كسرة الموت، وفي فلسطين المحتلة وفي مصر ..والذين لايموت مظلوماً في عالمنا العربي الإسلامي يموت بما يُسمى الإرهاب.
تراه متحفزاً صلد الوجه لا يعرف الابتسام إلى معالمه طريقاً، وإن داعبته، وابتسمت في وجهه، ذلك ضابط في مطار، أو شرطي في مخفر، ولا أتحدث عن عالمنا العربي، بل عن تركيا ودول تسعى نحو التحضر، أو تجهمه سبباً لقتله؟ كما فعل أحد ثلاثة هاجموا مطار أتاتورك منذ أيام ونشروا الأشلاء فيما يعاني ضابط ينتظر أن يرزقه الله بمولود آلام الموت، وكان صوّر نفسه مع حفاظاته (البديل العصري عن غيارات ولفافات المولود المعروفة) على صورة قلب قبل أيام من إطلاق أحد الذين لم تعرف الإنسانية إلى قلوبهم رصاصه إليه ليرقد بين الحياة والموت، وتدعوا أخته 76 مليون تركي لكي يدعوا الله له بالسلامة، وليتها طلبت من أكثر من مليار ونصف مسلم عدد مسلميّ العالم الدعاء له، فقضيته تهز الأمة كلها!
ما ذنب التركي المصاب إن كانت لقمة عيشه جاءت على ثغر من ثغور بلاده فطلب بطاقة هوية مجرم؟
وما ذنب الفتاة الصابرة المهاجرة بملابسها، وعودها الغض الطري، ووجهها المونق الذي يريد الابتسام حتى في قلب الهزيمة النفسية والمعنوية والجسدية؟
بل ما ذنب جداتنا الفلسطينيات اللواتي رحلن بملابسهن فقط عقب ما يسمى بـ نكبة فلسطين في عام 1948م؟
وأخذن مفتاح الدوّار على أمل العودة فما عدن ولا بقي الدار لهن!
وما ذنب المقصوفين المحاصرين في ريف دمشق وداريا وحماة وبقية مدن سوريا بلا رحمة؟
وما ذنب المهجرين الشرفاء، بعيداً عن الخونة والمندسين الذين قاربوا جعل مثلي يفكر في عد أصابعه بعد مصافحة أحد أبناء وطنه المباشر بخاصة المشكوك فيهم؟
وما ذنب صغار اليمن إذ يموتون برصاص الإخوة من الخليجيين المشاركين في التحالف؟
أو ذنبهم إنهم انتسبوا إلى هذه البلاد؟ في هذه الحقبة البالغة المرارة تاريخياً.
وما فضيلة صغار الإمارات وبنات أبو ظبي، وأبناء المملكة.. بهذا المقياس إذاً، حمى الله الجميع؟
لا شىء معلوم في ذلك سوى أن الله أراد تخفيف حمل كل هؤلاء المظلومين، وتغليظ عقوبة الظالمين وأتباعهم، وصدق “أحمد شوقي” رحمه الله إذ يقول:
ولأمر ما وسر غامض..تسعد النطفة أو يشقى الجنين
فوليد تســــجد الدنيا له..وسواه في زوايا المــــهمـلين
بل صارت أمة اليوم يا “أمير الشعراء” في زوايا المهملين .. اللهم رحمتك!
أمة يفرح بعض أهلها بالعيد من الذين آثر حكامها الركوع أكثر لأعدائها، فيما أغلب هذه الأمة يبالغ في الحزن، فهل سيتوقف طيران الأسد الطاغية وبوتين عن قصف أهلنا؟ أم إن مليشيا الحشد وداعش سيقررون تقوى الله في ضعفاء الأمة فيكفون عن ذبح ما تبقى بهم من دماء؟ أم إن بعض الحكام سيكفون عن التأمر على ضعفاء المسلمين، وهم بالمناسبة حكام مسلمون بالاسم؟
وهو عيد شرع الله لأمته، حينما تكون في أصح حالاتها، الفرحة فحسب فيه.
يبقى أن لله سُنناً في كونه .. ولكي تفيق الأمة ستظل الضربات تلاحقها حتى تنهض وتنفض عنها رداء الظلمة الاقربين من حكامها أولاً، وهذا سيتحقق، وإن لم تطل أعمارنا لنراه، يوم نحسن فهم ديننا عملياً وننقي ضمائرنا، جميعاً، ونبعد عنا المندسون الخونة العملاء داخل صف الشرفاء أولاً.
متى هو؟
لعله قريب بإذن الله.
ويومئذ نفرح وتقر أعيننا بالعيد وتمكين الله!