فجأة وفي ظل غموض كبير، أصدرت السلطات القضائية السعودية، قرارات تتعلق بجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بعد 15 شهرا على الجريمة، فبرأت المسؤولين الكبار، وحكمت بالإعدام على متورطين مجهولين.
ودفعت الأحكام الصادرة بهذه الطريقة التي أثرت على شفافية التحقيقات والمحاكمة، تساؤل الخبراء والمتابعين عن سر اختيار هذا التوقيت في نهاية العام 2019، والأهداف من هذه الأحكام دون الحصول على أجوبة حقيقية تتعلق بتفاصيل الجريمة وفاعليها.
وبعد نحو عام من جلسات غير علنية وعدم إعلان أسماء المتهمين، أعلنت النيابة السعودية عدم توجيه تهم لسعود القحطاني، وهو مستشار لولي العهد، بجانب تبرئة أحمد عسيري، النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودية، ومحمد العتيبي، القنصل السعودي السابق بمدينة إسطنبول التركية حين ارتكاب الجريمة.
وفي 2 تشرين أول/ أكتوبر 2018، اختفى خاشقجي (59 عامًا) عقب دخوله قنصلية بلده في إسطنبول، وبعد 18 يومًا من الإنكار، أعلنت الرياض مقتله، إثر ما قالت إنه “شجار” مع سعوديين.
وبعد نحو ثلاثة أشهر بدأت محاكمة المتهمين غير المعروفين إعلاميًا، دون الكشف عن مكان الجثة حتى الآن، ومع رفض لتدويل القضية.
إغلاق الملف قبل قمة العشرين
الكاتب والباحث اللبناني علي باكير، أبدى اعتقاده بأن توقيت الإعلان عن الأحكام القضائية “مرتبط بالترتيبات المتعلقة بترؤس السعودية لقمة العشرين (منذ نهاية نوفمبر الماضي ولمدة عام)، ومحاولة الرياض اغلاق بعض الملفات العالقة” قبل القمة المقبلة.
وتعقد قمة العشرين المقبلة في السعودية في نوفمبر المقبل.
وأردف “لكن طريقة إغلاق الملف توحي بأن الرياض لا تأبه بالموقف الدولي، أو ربما أنها اعتبرت أن الأصعب في قضية خاشقجي قد فات، وأنه لا خوف لديها من تداعيات إضافية”.
ولفت إلى أن “القرارت تؤكد على المخاوف القائمة بعدم تمتع القضاء السعودي بالشفافية اللازمة للتحقيق في هذا الأمر، واتخاذ القرارات المتعلقة به، حيث يمكن ملاحظة ذلك من خلال الإشارة إلى إطلاق حكم الإعدام بحق أشخاص مجهولي الهوية، وإعفاء معظم المسؤولين عمليا باغتيال خاشقجي من التهم”.
وأكد أنه “واضح أنها محاولة لإغلاق الملف كيفما كان، وبالون اختبار لردات الفعل الدولية، والاتجاه العام يؤكد الاتهامات التي سيقت بحق القضاء السعودي لناحية عدم تمتعه بالاستقلالية والشفافية اللازمة لبحث ملف اغتيال خاشقجي ومحاسبة الجناة”.
استغلال عطلة نهاية العام والأحداث الساخنة
الإعلامية والناشطة السياسية التونسية عائدة بن عمر، رأت أن السبب في اختيار هذا التوقيت “دخول بعض المؤسسات الرسمية والهيئات الحقوقية العالمية والبرلمانات وغيرها في عطلة رأس السنة، وسفر كثير من السعوديين خارج البلاد لقضاء إجازاتهم”.
وأضافت أن هذا “يشغل من هم بالداخل في الزيارات وغيرها فلا يركزون على الأحداث والقرارات التي تتخذها السلطة، فلا يتحرك الرأي العام، ولن يشكل عامل ضغط”.
ولفتت إلى أن “الصراع الدائر في ليبيا والهجوم على الاتفاق التركي الليبي في ترسيم الحدود البحرية، وتحرك محور الإمارات مصر فرنسا ضد التقارب التركي الليبي، إلى جانب قمة كوالالمبور، فإن إصدار هذه الأحكام بهذا التوقيت سيجعل الاهتمام بها إعلاميا وسياسيا من ثانويات الأمور لا من أولوياتها”.
وإزاء هذا الاختيار، ذهبت بن عمر إلى أنه “يتوجب على المنظمات والهيئات والشخصيات أن تلجأ للتحشيد وتسليط الضوء من جديد والتحرك بذكاء، لكي لا تمر الأحكام مرور الكرام ولا تهمش القضية”.
وشددت على أنه رغم هذا التوقيت فإن المسؤولين السعوديين “لم ولن يفلتوا من العقاب، ومنهم ولي العهد محمد بن سلمان، لأن أمريكا توفر له الحماية والحصانة لتحقيق مصالحها فقط”.
وختمت قائلة “أكدت أن الأحكام أولية لجس النبض الخارجي، فقد يقع استئنافها، وربما إلغاؤها بعد مدة، أو التضحية ببعض الأسماء”.
استغلال انشغال الدول
من ناحيته، أرجع الكاتب والمحلل السياسي التركي بكير أتاجان توقيت الإعلان “لعدة أسباب منها أن معظم دول العالم وخاصة الغرب وأمريكا تدخل في عطلة إلى نهاية الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير، ودخول الولايات المتحدة الأمريكية رويدا في انتخابات الرئاسة”.
وزاد “الأهم هناك عوامل عدة تتعلق بالقضايا الخاصة لهذه الدول في ظل التطورات الأخيرة في العالم داخليا وخارجيا، فالسعودية تعرف جيدا أنه في هذه الفترة هناك مشاكل تعيشها بعض الدول داخليا وخارجيا، ومن غير الممكن الاهتمام بأي ملفات أخرى ومنها ملف جريمة خاشقجي، فضلا عن ملفات الشرق الأوسط الملتهبة”.
وحول أهدافها من ذلك، أجاب “لكي تتجنب الانتقادات التي سوف تأتي من الغرب وأمريكا، ولكن بعد فوات الأوان لن تجدي هذه المحاولات نفعا رغم اختيار هذا التوقيت وفي محاولة لتبرئة الفاعلين الحقيقيين”.
ولكنه استدرك بأن “الخطة السعودية بتوقيت الإعلان نفذت بعد أن أخذت الدول الغربية ثمن صمتها، ومنها تنفيذ المخططات الغربية في المنطقة”.
فشل مساعي الإفلات من العقاب
المحلل السياسي الأردني حسان التميمي، أفاد بدوره بأنها “أخفقت جميع المحاولات التي سعت إليها الرياض لتحسين صورتها في أعقاب الجريمة، بل كانت نتائجها عكسية في بعض الأحيان”.
وأضاف أن “اختيار التوقيت هو لانشغال الناس بالعطل، ولكن لن تنجح هذه المساعي، وهنا تختفي أي رمزية في اختيار التوقيت لإعلان الحكم، فحالة الرفض الدولي تتزايد وربما يحمل قادم الأيام تحولا كبيرا”.
وأكد أنه “في مسألة إفلات أي من المسؤولين عن إصدار أمر الإعدام بحق خاشقجي من العقاب، فعلينا أن نفهم دورة التاريخ حيال الأحداث التي انتهت معظمها بشكل وخيم على القتلة”.
التميمي أوضح أنه تم “تجنب توجيه أصابع الاتهام بشكل واضح إلى المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، ونائب رئيس المخابرات أحمد عسيري، رغم أنه تم وضع اسميهما على قوائم العقوبات الأمريكية بما يؤكد تورطهم المباشر في الجريمة”.
وختم بالقول “إن عدم إعلان أسماء المحكوم عليهم، يعزز الشكوك بأن هذه المحاكمة شكلية، والهدف منها امتصاص حالة الغضب الدولي جراء الجريمة البشعة”.