التعديل الوزاري.تهميش للمصريين ومصالح للإماراتيين وارتباك بعلاقة السيسي مع الجيش

بعيدا عن طموحات الشارع المصري، جاء التعديل الوزاري الخامس في عهد السيسي، أقر البرلمان المصري تعديلات وزارية محدودة، الأحد، شملت عددا من الحقائب الوزارية، بموجب مقترح سابق قدمه عبد الفتاح السيسي، لإجراء عمليات تغيير ودمج في بعض الوزارات.

وشملت التغييرات، تعيين نيفين جامع وزيرة للصناعة، ورانيا المشاط وزيرة للتعاون الدولي، وتولي مصطفى مدبولي رئيس الوزراء مهام الوزير المختص بالاستثمار والإصلاح الإداري إلى جانب مهامه.

ووافق البرلمان أيضا على دمج وزارة السياحة مع الآثار كما جاء بخطاب السيسي إلى المجلس، على أن يتولى هذه الحقيبة خالد العناني، وزير الآثار الحالي، وتعيين هالة السعيد وزيرة للتخطيط والتنمية الاقتصادية بعد فصل الإصلاح الإداري عن الوزارة وضم التنمية الاقتصادية لها.

وضمت التغييرات تعيين نيفين القباج وزيرة للتضامن الاجتماعي، والسيد القصير وزيرا للزراعة، وعمر مروان وزيرا للعدل، واستحداث وزارة دولة لشؤون الإعلام على أن يتولاها أسامة هيكل وزير الإعلام السابق، وعلاء فؤاد وزيرا للمجالس النيابية.

وأقر البرلمان تعيين غادة نبيل نائبة لوزير الاتصالات وطارق توفيق نائبا لوزير الصحة والسكان ومنتصر مناع نائبا لوزير الطيران وأيمن عاشور نائيا لوزير التعليم العالي ورضا حجازي نائبا لوزير التربية والتعليم.

ووافق أيضا على تعيين أحمد طاهر نائبا لوزير التربية والتعليم وعلاء الدين عبد الحكيم نائبا لوزير البترول ومصطفى الصياد نائبا لوزير الزراعة، وسيد إسماعيل نائبا لوزير الإسكان، ورأفت عبد العزيز هندي نائبا لوزير الاتصالات وغادة شلبي نائبة لوزير السياحة والآثار.

وفيما يأتي أبرز الأسماء في التعديلات الجديدة:

1– وزير الاستثمار والاصلاح الإداري مصطفى مدبولي (إلى جانب رئاسة الوزراء).

2– خالد عناني وزيرا للسياحة والآثار.

3– عمر مروان وزيرا للعدل.

4– هالة السعيد وزيرة للتخطيط والتنمية الاقتصادية.

5– رانيا المشاط وزيرة للتعاون الدولي.

6– أسامة هيكل وزيرا للدولة للإعلام.

7– محمد منار كمال عبد الحميد عنبة وزيرا للطيران المدني.

8– نيفين الكباج وزيرة للتضامن الاجتماعي.

9– محمد مرزوق القصير وزيرا للزراعة.

10– نيفين جامع وزيرة للتجارة والصناعة.

11– علاء فؤاد أبو الحسن وزيرا للمجالس النيباية.

12– غادة لبيب نائبا لوزير الاتصالات لشؤون التطوير المؤسسي.

13– طارق أمين نائبا لوزير الصحة والسكان لشؤون السكان.

14– منتصر مناع نائب وزير الطيران المدني.

15– أيمن عاشور نائبا لوزير التعليم العالي لشؤون الجامعات.

16– رضا حجاي نائبا لوزير التربية والتعليم والتعليم الفني لشؤون المعلمين.

17– أحمد محمد ضاهر محد حسن نائبا لوزير التربية والتعليم والتعليم الفني لشؤون التطوير التكنولوجى.

18– علاء الدين عبد الحكيم إمام خشب نائبا لوزير البترول والثروة المعدنية لشؤون الثروة المعدنية.

19مصطفى الصياد نائبا لوزير الزراعة لشؤون الثروة الحيوانية والسمكية والداجنة.

20– سيد إسماعيل علي أحمد نائبا لوزير الإسكان لشؤون البنية الأساسية.

21– رأفت فهمي نائبا لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لشؤون البنية التحتية

22– غادة شلبي نائبة لوزير السياحة والآثار لشؤون السياحة.

المسوغات القانونية للتعديل

وتنص المادة 129 من لائحة البرلمان على أن لرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء.

ويرسل كتابا بذلك إلى مجلس النواب يبين فيه الوزارات المراد إجراء تعديل فيها، ويعرضه رئيس المجلس في أول جلسة تالية لوروده.

ويُعد التعديل الوزاري الحالي، الخامس منذ اعتلاء السيسي السلطة قبل 5 سنوات رسميا، بوزارتي ابراهيم محلب وشريف اسماعيل، والثالث في حكومة مصطفى مدبولي الحالية، والتي كلف بتشكيليها في يونيو 2018، خلفا لحكومة “شريف إسماعيل” التي تقدمت باستقالتها آنذاك.

وأجرى مدبولي تعديلين على حكومته الأولى في فبراير 2019، بترك منصب وزير الإسكان لآخر، وفي مارس 2019، بتعيين كامل الوزير وزيراللنقل عقب استقالة سلفه.

ويحمل التعديل الوزاري العديد من الدلالات والمؤشرات السياسية والأهداف التي تعبر عن أزمة داخل نظام السيسي.

أهداف التغيير

التعديل الوزاري يعتبر تغييرا في الشكل لا الجوهر، وهو ما لا شك فيه لن يؤدي لأي تغيير حقيقي أو إيجابي في المشهد.

ويعتبر التغيير الوزاري محاولة تفادي الضغوط التي يتعرض لها، ومن أجل تحميل الحكومة لا الرئاسة، مسؤولية إفقار المصريين وأزماتهم المعيشية.

وقد استبق نظام السيسي التغيير الوزاري بحملات إعلامية تضمنت انتقادات واسعة لعمل عدد من الوزارات وتحميل الوزراء المسئولية عن تردي الأوضاع المعيشية، بل وصل الأمر أن يطلق السيسي نفسه نداءً للبرلمان ليستجوب الوزراء ويقوم بدوره في مراقبة الحكومة، في ابتزال واضح لدور البرلمان الذي يحركه السيسي بالريموت كنترول.

وتجلى ذلك عقب تظاهرات 20  سبتمبر الماضي، حيث أوصت دوائر مخابراتية، باتخاذ عدة إجراءات لتهدئة الغضب الشعبي بسبب تردي أوضاعهم الاقتصادية، مثل إعادة نحو مليوني شخص لمنظومة البطاقة التموينية، وخفض رمزي لسعر الوقود، وتطبيق الحد الأدنى للأجور.

عرائس ماريونيت

وبحسب مراقبون للشأن المصري، فإن التعديل الوزاري، مجرد لعبة لإلهاء الشعب، والإيهام بأن هناك تغييرا سياسيا يحدث في مصر، حيث من المقرر أن تنطلق حملة إعلامية موسعة للتطبيل للتغيير الوزاري، كما جرى مع حركة تغيير المحافظين، وتعيين نوابا من الشباب لهم، وهم من صناعة مخابرات السيسي، في تنسيقية شباب الأحزاب السياسية، أو البرنامج الرئاسي، وهو ما تعتبره الأجهزة السيادية إنجازا، يصلح استخدامه في تجميل وجه النظام القبيح، بعد سلسلة من الأزمات التي يعايشها المصريون، من فقر وتردي اقتصادي واجتماعي، وأزمات إقليمية ودولية يتسبب فيها نظام السيسي.

ومن ثم فالتعديل الوزاري الأخير مجرد لعب بالعرائس، إذ أن الوزير في ظل نظام السيسي، مجرد موظف كبير فقط، لا يقر سياسة ولا يتخذ قرارا إلا بتعليمات أمن السيسي المتحكم في عموم المشهد المصري.

ومن ثم فإن أية تعديلات حكومية تعتبر محاولة للتأثير على الشكل لا الجوهر. والجوهر لا يصنعه الوزراء، بل يصنعه الأمريكان والصهاينة، وينفذه السيسي في القضاء على الديمقراطية والحريات وإقصاء الدين والحرب عليه، وذلك عبر المجازر والسجون والتعذيب حتى الموت، والافقار والقتل الاقتصادي للشعب.

مؤشرات التعديل الوزاري

-العودة لوزارة الإعلام: والتي تم إلغاؤه قبل 5 أعوام، واستبدالها بالمجلس الأعلى للإعلام، حيث وافق مجلس النواب على عودة وزارة الإعلام مجددا وأسندها إلى النائب أسامة هيكل، الذي تولي نفس الحقيبة في وقت سابق في حكومة رئيس الوزراء المصري الأسبق عصام شرف، إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير  2011.

ويعبر القرار عن أزمة تضرب النظام المسيطر على الإعلام من أول لحظة للانقلاب العسكري، في 2013، ورغم سيطرة الأجهزة الأمنية على جميع المنافذ الإعلامية الخاصة والعامة، عبر شراء موسع للحصص عبر شركات تابعة للمخابرات الحربية والمخابرات العامة، تسببت في إغلاق العديد من القنوات والوسائل الإعلامية، وإبقاء عددا من القنوات والشركات الإعلامية التي تدار عبر مكتب رئيس المخابرات عباس كامل، ثم نقل إدارتها إلى لجنة ثلاثية من الرئاسة والمخابرات بقيادة رئيس الأركان المقال سابقا محمود حجازي، لإحكام السيطرة على السوق الإعلامية وأيضا شركات الإنتاج الفني والدراما، ورغم ذلك فشل نظام السيسي في الترويج لنفسه، ترجمته انخفاض تأثير تلك القنوات والوسائل الإعلامية جماهيريا، فيما نجحت وسائل الإعلام الجماهيرية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، في خلق أجواءً مضادة للسيسي وسياساته.

المزج بين الوزارات:

وهي سياسة معهودة منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، عبرت عن الارتباك واختلال الرؤى، ودليل فشل، فقد تم دمج وزارة السياحة والآثار في حقيبة واحدة، يرأسها خالد عناني.

-مصالح للإماراتيين:

وقد عبر تولى الدكتور مصطفى كمال مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الوزير المختص بشؤون الاستثمار والإصلاح الإداري جنباً إلى جانب مهامه الحالية، عن إملاءات إماراتية وجهت للسيسي خلال زيارته الثامنة للإمارات مؤخرا، حيث اشتكى إماراتيون من إشكالات بيروقراطية تؤخر إنجاز الاستثمارات الإماراتية في مصر، وانشغال مؤسسات الدولة وشركات الجيش في إنجاز مشاريع خاصة بالجيش وتضارب مصالح مع الشركات الإماراتية التي تعمل في العاصمة الإدارية الجديدة، وهو ما رد عليه السيسي وقتها، بنقل تبعية هيئة الاستثمار للمخابرات العامة التي باتت تدير ملف الاستثمار الإماراتي ومن ثم للرئاسة، لتيسير الاستثمار الإماراتي، خاصة بعد إقرار الإمارات لصندوق استثماري في مصر بقيمة 20 مليار دولار، وهو الأمر المشروط بسرعة تقديم تسهيلات مصرية للإماراتيين بمصر وتسريع الإجراءات البيروقراطية، وهو ما يعبر عنه إسناد حقيبة الاستثمار لرئيس الوزراء.

-الوزير الدوار: فيما أسندت حقيبة التعاون الدولي لوزيرة السياحة السابقة رانيا المشاط بدلا من سحر نصر، وهو ما يتماشى مع سياسات التغيير لمجرد التغيير، دون البحث عن المردود العملي والسياسي، وهو ما كان متبعا في عهد مبارك، حيث يجري تدوير الوزراء على عدد من الحقائب في أوقات عدة، رغم اختلاف طبيعة عمل كل وزارة عن الأخرى، إلا أنه استمرار للفشل وعدم التزام التخصصات المهنية والعلمية. وهو ما يحول التعديل الوزاري لمجرد تعديلات شكلية لا  جوهرية تتعلق بجوهر السياسات.

-التجمل بالشباب، حيث تم اعتماد 11 نائبا من الشباب في التعديل الوزاري الجديد، يأتي في إطار فلسفة جديدة في التشكيل تشمل تعيين نواب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، كرسالة ترويجية لنظام السيسي، كراعي للشباب والمرأة، وهو خطاب يلقى قبولا بالخارج وفي الأوساط الغربية.

وتضمن التعديل تعيين عدد من نواب الوزراء وهم غادة نبيل ورأفت عبد العزيز نائبين لوزير الاتصالات، وطارق توفيق نائبا لوزير الصحة، ومنتصر مناع نائبا لوزير الطيران، ومحمد أحمد عاشور نائبا لوزير التعليم العالي، ورضا حجازي نائبا لوزير التعليم لشؤون المعلمين، وأحمد محمد حسين نائبا لوزير التعليم للتكنولوجيا، وعلاء عبد الحكيم خشب نائبا لوزير البترول، ومصطفى إبراهيم الصياد نائبا لوزير الزراعة، وسيد إسماعيل نائبا لوزير الإسكان، وغادة شلبي نائبا لوزير السياحة.

-استبعاد الحقائب السيادية: ولم يطل التعديل الوزاري أيا من الوزارات السيادية، على رأسها وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والمالية والإنتاج الحربي، رغم ترجيح بعض المصادر في الأيام الأخيرة، أن يترك وزير الخارجية الحالي سامح شكري منصبه، تمهيدا لترشيح القاهرة له لتولي منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، خلفاً لأمينها الحالي أحمد أبو الغيط. كما تم الإبقاء على وزراء الري والهجرة والتعليم والصحة في مناصبهم.

-معاندة الشعب: حيث خرج السيسي قبل أيام ليؤكد أنه لم يطلب منه أحد تغيير سياساته الاقتصادية،  في معاندة للشعب المصري، الذي خرج في سبتمبر الماضي ليؤكد على تضرره من السياسات الاقتصادية، وكانت أوساط شعبية تراهن على تغيير وزير التموين، الذي حذف ملايين المصريين من منظومة الدعم، وتسببت سياساته في غلاء الأسعار، وأيضا وزير التعليم الذي فشل لمدة عامين في تنفيذ  منظومته التعليمية، التي تسببت في مشاكل عدة في المراحل التعليمية المختلفة، وراهن الكثيرون على تغيير الوزير، وكذا مع وزيرة الصحة التي تسببت مؤخرا في مشاكل عدة، من انهيار مستويات المستشفيات الحكومية، وتردي الخدمات الصحية، وأزمات الأطباء وتراجع أعداد الأطباء في مصر بنسب تجاوزت 60%، بجانب أزمات نقص الأدوية، ومشاكل التأمين الصحي، إلا أن السيسي يبدو أنه يعمل ضد طموحات الشعب المصري وأبقى على  الوزراء المرتبط عملهم بالشعب مباشرة، ما يؤكد استمرار سياساته الاجتماعية والاقتصادية المضادة لطموحات الشعب.

-محدودية التغيير: ويبقى التعديل محدودا، حيث تم تغيير وزير الطيران المدني ووزيرة التضامن والزراعة والتجارة والصناعة فضلا عن وزير شؤون المجالس النيابية فقط.

وجرى تغيير وزيرة التضامن، بسبب خروج وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي إجباريا من الحكومة، عقب قرار أممي بتوليها وكيلا للسكرتير العام للأمم المتحدة مديرة تنفيذية لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، ومديرا لمقر المنظمة في فيينا، وترحيب القاهرة بالقرار.

-الإبقاء على الفشلة:

حيث تم الإبقاء على “فشلة” الوزراء، وهم: الدكتورة هالة زايد للصحة وكامل الوزير للنقل وعلي المصيلحي للتموين وطارق شوقي في التعليم.

ولم يتعرّض التعديل الوزاري الذي أقره برلمان النظام لوزيرة الصحة “هالة زايد”، على الرغم من احتجاجات الأطباء والصيادلة المتواصلة ضدها، وحالة الغضب لدى المواطنين جراء تردّي الخدمات الصحية في مختلف المحافظات.

وحُسم بقاء وزيرة الصحة في اللحظات الأخيرة؛ نظراً لـ “اعتذار جميع المرشحين للحقيبة“.

كذلك، حُسم استمرار وزير التعليم “طارق شوقي”؛ بذريعة استكمال خطة تحديث المناهج والامتحانات، التي أعلن أولياء الأمور مراراً رفضهم لها.

كما تم الإبقاء على وزير الأوقاف “محمد مختار جمعة”، رغم فضائحه واتهامه في عدة قضايا فساد واستغلال للسلطة، ويُعدّ “جمعة” هو الوزير الوحيد الذي لا يزال يحظى بمنصبه منذ وقوع الانقلاب العسكري ضد الرئيس الراحل “محمد مرسي” في 3 يوليو 2013، رغم تورطه في العديد من وقائع الفساد المالي، وأبرزها قضية الرشوة المتعلقة بوزير الزراعة السابق “صلاح هلال” (المحبوس حالياً)، والتي ورد فيها اسم وزير الأوقاف الحالي كأحد المتهمين بتلقّي الرّشى.

كما كشف تقرير الإدارة المركزية للتفتيش المالي التابع لوزارة المالية، في 2015، أن “جمعة” أرسل زوجته ونجله لأداء مناسك الحج على نفقة وزارة الأوقاف، في مخالفة للقانون، إلى جانب اتهامه بتحصيل 16 مليون جنيه من المواطنين في قضية “صكوك الأضحية”، وشراء لحوم مجمدة، لا تتجاوز صلاحيتها خمسة أيام، بدلاً من ذبح الأضاحي.

-مكافأة عمر مروان بوزارة العدل، وذلك على دوره القانوني في دعم السيسي وانقلابه، منذ تقرير تقصي الحقائق إبان ثورة يناير، وتبرئة المجلس العسكري من أحداث العنف والمجازر ضد الثوار في ميدان التحرير ومحمد محمود، وأيضا إعداده لتقرير الأمم المتحدة الأخير والخاص بحقوق الإنسان والانتهاكات في مصر.

-ارتباك العلاقة مع الجيش والإبقاء على وزير الدفاع:

وهو المعضلة الأكبر.

حيث تشهد المرحلة الأخيرة، إعادة ترتيب الأوضاع في مؤسسة الرئاسة والمخابرات العامة وتوزيع بعض الملفات والمسؤوليات التي كانت متركزة مع نجل السيسي، محمود ومدير المخابرات عباس كامل ومساعده أحمد شعبان، بإدخال شخصيات جديدة من المخابرات والجيش في دائرة اتخاذ القرار، في إطار محاولته تخفيف الضغوط على النظام وحلحلة بعض الأوضاع التي يراها سلبية ومؤثرة على شعبيته، وكذلك على المستقبل السياسي لنجله، وعلى تماسك دائرته، فضلاً عن انشغاله بملف الاستثمارات الإماراتية المتعثرة التي سببت خلافاً في وجهات النظر بين البلدين الفترة الماضية، وكذلك مراقبته عن كثب محاولات وجهود التهدئة في الخليج وإنهاء الأزمة مع قطر، والتي ما زال السيسي خارج تفاصيلها الدقيقة حتى الآن.

إلا أن مصدراً مطلعاً على العلاقة بين الرئاسة والجيش، كشف في تصريحات صحفية،  أن من بين أسباب تأخر إعلان التعديل الوزاري أن السيسي يبحث منذ أسبوعين، وبجدية، إزاحة وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي ورئيس الأركان محمد فريد حجازي، في رسالة يريد توجيهها إلى الجيش في هذا التوقيت تحديداً، مفادها أنه القائد الأعلى والمتحكم الأول والأخير بمصائر كبار القادة، وكذلك ضخ دماء جديدة في رئاسة الأركان. فحجازي الذي تربطه علاقة قوية للغاية بالسيسي على المستوى الشخصي، كان بالنسبة له خياراً آمناً لخلافة صهره الفريق محمود حجازي منذ عامين، ولكنه ليس الخيار الأمثل بالنسبة له على الصعيد الفني والقيادي.

أما بالنسبة لزكي، فهناك العديد من الشائعات والأنباء المتواترة عن سوء علاقته بالسيسي في الآونة الأخيرة، على خلفية انتقاده الطريقة التي أدارت بها أجهزة النظام، المخابرات والأمن الوطني، المشهد في أحداث 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتعريضها سلامة النظام للخطر من وجهة نظره، ورفضه الدفع بوحدات من الشرطة العسكرية إلا بشكل محدود حول السفارات الأجنبية والمواقع العسكرية حتى لا تتقاطع مهامها مع المهام الشرطية أو التعليمات التي كانت تصدر في اليومين الأولين من الأحداث من المخابرات، ثم انتقلت دفة القيادة إلى الشرطة في وقت لاحق بتعليمات مباشرة من السيسي الذي كان حينها في نيويورك.

ورغم أن زكي كان في مقدمة مستقبلي السيسي عند عودته إلى جانب رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ووزراء الخارجية والعدل والداخلية، في مشهد تم تصميمه بعناية من قبل مدير المخابرات عباس كامل ومساعده أحمد شعبان، لتأكيد تبعية كل سلطات الدولة وأجهزتها للسيسي، إلا أن السيسي أبلغه عن طريق مدير مكتبه اللواء محسن عبد النبي الذي يحاول حالياً توسيع سلطاته، أن زكي تحدث لعدد من القادة بلهجة انتقادية حادة لطريقة تعامل السيسي والأجهزة مع أزمة ظهور الممثل والمقاول محمد علي من بدايتها، وصولاً بالتعامل مع التظاهرات الشعبية الأوسع في عهد السيسي.

وتؤكد مصادر سياسية عديدة، حدوث فتور بين السيسي وقائد حرسه الجمهوري الأسبق الذي اختاره وزيراً مفضلاً إياه على القادة الميدانيين. من هذه الشواهد عدم استشارة زكي في اختيار قائد الحرس الجمهوري الجديد اللواء مصطفى شوكت قائد “وحدات الصاعقة”، وعدم دعوته لبعض الاجتماعات مع رئيس الهيئة الهندسية أخيراً، وتأخر اعتماد السيسي لاختيارات زكي الجديدة لقادة الأسلحة المختلفة حتى الآن، إذ تم إبلاغ بعض القادة بالرحيل وتكليف آخرين ضمن حركة القوات المسلحة الجديدة من دون إعلان رسمي منذ 10 أيام.

ومن ضمن الارتباك في العلاقة بين السيسي ومؤسسة الجيش، أنه كان من المقرر عدم تغيير زكي في التعديل الوزاري وإرجاء حسم مصيره إلى العام المقبل، لكن السيسي بات يرى أنه من غير الملائم إجراء تعديل وزاري خاص بوزير الدفاع بعد التعديل الواسع في الحكومة، وأن هذا قد يفتح بابا للتكهنات وينشر مشاعر سلبية بشكل أوسع داخل الجيش، من أن يتم التعديل مرة واحدة مع باقي الوزراء كما حدث مع الوزير السابق صدقي صبحي في يونيو 2018.

في المقابل يبدو أن السيسي استمع لنصائح من الخارج، بصرف النظر عن تغيير وزير الدفاع نهائياً حفاظاً على لحمة الجيش، وحتى لا يظهر وكأنه يتصرف تحت الضغط، انطلاقاً من نفس فكرة من أقنعوه بتأجيل التعديل الوزاري عقب الحراك الشعبي في سبتمبر، رغم أنه نفسه كان يرغب في إجراء التعديل منذ مايو الماضي، نتيجة غضبه من سوء الأداء وخروج بعضهم بتصريحات اعتبرها “غير مقبولة” عن انخفاض التمويل الحكومي لمشاريع تطوير التعليم والصحة. ومنذ ذلك الحين كلّف المخابرات العامة والرقابة الإدارية برفع تقارير أسبوعية للرئاسة عن أداء الوزراء، وعدم نشر وسائل الإعلام المحلية الموالية للسيسي أسماء وصور جميع الوزراء كقاعدة عامة، لعدة أشهر، عدا رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، كنوع من التأديب لهم على التجرؤ بالتصريح من دون استشارة دائرة السيسي مسبقاً، ولمنع حصول الوزراء على أي قدر من الشعبية.

تغييرات الجيش الأبرز

وكان الباحث بالشأن العسكري في المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمود جمال، كشف مؤخرا  أن السيسي اعتمد بشكل غير معلن حركة التنقلات المتعلقة بالقوات المسلحة، والخاصة بشهر يناير 2020، مشيرا إلى أنها تضمنت ما وصفها بالمفاجآت والدلالات المثيرة.

وعادة ما تشهد المؤسسة العسكرية المصرية حركة تغييرات بداخلها ضمن نشرة التنقلات المتعلقة بها، التي يصدرها وزير الدفاع والإنتاج الحربي مرتين في العام الواحد، في يناير، وفي يوليو من كل عام. لكن أحيانا ما تتم حركة تغييرات داخل الجيش دون التقيد بمواعيد تلك النشرة الدورية.

وتضمنت حركة التغييرات الأخيرة، عودة الفريق أسامة عسكر الذي كان يشغل منصب مساعد القائد العام للقوات المسلحة لشؤون تنمية سيناء ليتولى منصب رئاسة هيئة العمليات، بعدما تمت إقالة اللواء محمد المصري من منصبه.

كما تمت إقالة اللواء أركان حرب عبد الناصر حسن العزب من رئاسة هيئة شؤون ضباط القوات المسلحة وتعيين اللواء أركان حرب طارق حسن خلفا له، وإقالة اللواء محمد عبدالله من رئاسة هيئة الإمداد والتموين وتعيين اللواء أركان حرب وليد أبو المجد، وإقالة اللواء أيمن عبدالحميد عامر من إدارة المشاة وتعيين اللواء خالد بيومي.

وكذلك تم تعيين اللواء أركان حرب وليد حمودة كقائد لقوات الدفاع الشعبي والعسكري بدلا من اللواء أركان حرب خالد توفيق الذي تولى رئاسة هيئة البحوث العسكرية، وإقالة اللواء أركان حرب محمد عبد اللاه من منصب الأمين العام لوزارة الدفاع وأمين سر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتم تعيين اللواء أركان حرب عماد الغزالي بدلا منه.

وتمت إقالة اللواء علي عادل عشماوي من قيادة المنطقة الشمالية العسكرية وتعيين اللواء فهمي هيكل خلفا له، وتعيين اللواء مدحت العيسوي رئيس أركان المنطقة الشمالية العسكرية، وإقالة اللواء أركان حرب أيمن نعيم من قيادة المنطقة الجنوبية العسكرية وتعيين اللواء أشرف الحصري بدلا منه.

وأيضا تم تعيين اللواء علي عثمان كرئيس لأركان المنطقة الجنوبية العسكرية، وتعيين اللواء أحمد صفي قائد للمنطقة المركزية العسكرية، وتعيين اللواء أحمد بهجت الدمرداش رئيسا لهيئة الشؤون المالية، وتعيين اللواء محمد عيسى النادي مديرا لإدارة التعيينات العسكرية، وتعيين اللواء أشرف سليم مديرا للخدمات الطبية.

وجاءت حركة التغييرات داخل الجيش، في توقيتها، إلا أن غير الطبيعي هو عودة بعض الأسماء التي قام السيسي بالتنكيل بها سابقا، وكانوا محسوبين على ما يعرف بالطرف المناوئ للسيسي، وعلى رأس هؤلاء الفريق أسامة عسكر الذي تم تعيينه رسميا كرئيس لهيئة عمليات القوات المساحة، وغيره“.

وهو ما يعبر عن أن السيسي يتبع حاليا أسلوبا جديدا ومختلفا عن طريقة إدارته السابقة للأوضاع داخل قيادة الجيش، ويمكن القول إن هذه خطة جديدة للسيسي لتجاوز الأزمة التي يواجهها داخل وخارج البلاد، سواء الأزمات الراهنة أو تلك المحتملة في المستقبل”.

وهو ما يؤكد أيضا على أن أزمة السيسي الحقيقية تكمن داخل الجيش وباقي مؤسسات الدولة، ولا علاقة لها مطلقا بالمعارضة السياسية.

ومن ثم فالسيسي يسعى لتخفيف حدة الصراع بينه وبين القيادات المناوئة له، التي يحاول ترضيتهم بشكل ما أو بآخر، عبر إقالة بعض المقربين منه والمحسوبين على دائرته وفي المقابل يقوم بتعيين أشخاص يتمتعون برضا من الطرفين، ولديهم شعبية داخل الجيش، ويمكن وصفهم بالمحايدين، بهدف تهدئة الأجواء التي كان أحيانا ما يسودها التوتر.

ولعل الثابت في تلك “الخطة الجديدة” التي ينتهجها السيسي، هو ترسيخ حكمه ليمتد لسنوات مقبلة دون قلاقل أو أزمات كبرى قد تعصف باستقرار الأوضاع له، ولذلك فهو حريص كل الحرص على إطفاء أي خلافات داخل مؤسسة الجيش.

وخلال عام 2019 تمت الإطاحة بخمسة قيادات عسكرية من مناصبهم، وأصبحوا بذلك خارج تشكيل المجلس العسكري الحالي الذي يترأسه السيسي نفسه باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وكان لافتا خلال التغييرات العسكرية التي شهدها عام 2019 عودة بعض من يُوصفون بـ “رجال الحرس القديم” إلى المشهد مُجدّدا، ما اعتبره البعض تراجعا نادرا من قبل السيسي عن بعض قراراته السابقة التي اتخذها، والتي كان منها الإطاحة سابقا باللواء أركان حرب محمد رأفت الدش من عضوية المجلس العسكري بعدما كان قائدا للجيش الثالث الميداني، حيث تم تعيينه في يونيو 2018 كرئيس لهيئة تفتيش القوات المسلحة، بينما قرر السيسي قبل أسابيع ماضية إعادته لعضوية المجلس العسكري عبر تعيينه قائدا لقوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب.

وقام السيسي بالإطاحة بأكثر من 42 قيادة عسكرية رفعية المستوى معظمهم كانوا أعضاء بالمجلس العسكري، وذلك منذ انقلابه في 3 يوليو 2013، وحتى الآن.

وتعبر التعديلات الأخيرة، عن بدء إذعان السيسي لمطالب قيادات في الجيش بالعدول عن حكم الفرد في المؤسسة العسكرية، تخوفا من استغلال أي حراك شعبي في الشارع لصالحهم ضده.

كما أجرى وزير الداخلية المصري محمود توفيق، حركة تنقلات مفاجئة، في صفوف قيادات الوزارة شملت نحو 11 لواء ومساعد وزير على مستوى الجمهورية.

وقال الوزير إنها تأتي فى ضوء ما أسماه “تطوير منظومة العمل الأمني لمواجهة التحديات الأمنية الراهنة بما يتماشى مع احترام حقوق الإنسان، والدفع بقيادات شابة بقطاعات وإدارات وزارة الداخلية“.

وهو ما يتماشى أيضا مع سياسة تدوير المناصب، فدائما ما يبادر السيسي باستبدال المقربين أو ما يسمى بإشغال الخصم عن هدفه؛ فتجد كل قراراته السابقة والحالية في هذا الاتجاه دون أي مراعاة لفصل سلطات أو استقلال الأجهزة وحياديته، أو التدخل في صلاحياتها أو حتى في ما يتعارض مع الدستور نفسه“.

فيما يعبر سياسيون عن أن السيسي يعمل بتوجيهات من استخباراته التي توحي له بأن ذكرى 25 يناير القادمة ستكون مختلفة بالتأكيد عن ما قبلها بعد حراك سبتمبر، ولا شك أن التغييرات منها ما يمس أي حراك للشعب المصري ومنها ما يمس أمنه هو شخصيا.

حيث أثر حراك 20 سبتمبر بشكل كبير على السيسي ونظامه، ومن خلال سيطرته على الشارع أجهض أي حراك داخل المؤسسة العسكرية لممارسة أي ضغوط عليه للتحول من حكم الفرد لحكم المؤسسة.

إلا أن السيسي في غالب سياساته وقراراته، وضع لرجال النظام القديم –الموجودين منهم في السلطة حاليا أو العائدين إليها مُجدّدا- سقفا بعينه، وخطوطا حمرا لا يمكنهم تجاوزها، ومع ذلك فقد ينقلب السحر على الساحر في أي وقت، حال انفلات زمام الأمور من بين يديه.

وربما ينجح السيسي في مخططه في احتواء هؤلاء وترضيتهم، وربما هم ينتهزون فرصة إفساح المجال لهم -ولو بشكل محدود- للمضي قدما في محاولة الإطاحة بالسيسي أو الضغط عليه أكثر وتحقيق مكتسبات لهم أكبر، وبالتالي فهذا الصراع ممتد ومفتوح على كل الاحتمالات–بحسب مراقبين.

ومن بين رجال الصف القديم العائدين للسلطة الفريق: محمود حجازي الذي يشغل منصب مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات، واللواء أركان حرب محمد رأفت الدش الذي تم تعيينه مؤخرا قائدا لقوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب، والفريق أسامة عسكر الذي يشغل منصب مساعد القائد العام للقوات المسلحة لشؤون تنمية سيناء، ونائب مدير المخابرات العامة المصرية اللواء ناصر فهمي، وهو أحد رجال الراحل عمر سليمان. وآخرون قد يتم الكشف عنهم مستقبلا.

إلا أن الرؤية المستقبلية، للأوضاع بمصر، تؤكد أن أي حراك عسكري يستلزم حراكا شعبيا لتبريره، وجرت العادة في مصر أنه منذ 1952 فأي تغيير يحدث يقوم على استغلال حركة الشارع حتى إن انقلاب يوليو 2013 لم يتم إلا بعد تحريك الشارع من خلال حركة تمرد.

ومن المتوقع أن يحدث حراكا ما ضد السيسي في الأيام المقبلة، إذ أن حراك 20 سبتمبر منح القيادات العسكرية (القديمة والتي شاركت في الانقلاب على الرئيس مرسي) ورقة للضغط على السيسي للحصول على أهدافهم، وهو ما تحقق باستدعاء العديد من الجنرالات للواجهة مجددا، ومنحهم بعض الصلاحيات، بدلا من سياسة الحكم الفرد.

وهو ما قد يمهد لتمدد دورهم المستقبلي، وهو ما قد يرجح معه مطالباتهم بمساحة أوسع مما يخولهم السيسي حاليا، وهو ما قد يصطدم بخطط السيسي للسيطرة على المؤسسة العسكرية، وهو ما يعبر عنه بتصعيد سياسي وعسكري، يمكن للمعارضة أن تستثمره في حراكها المناهض لبقاء السيسي بالسلطة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...