الإفراج عن سامي عنان.. محاولة للفهم!

سليم عزوز

وإذ فجأة يتم الإفراج عن الفريق سامي عنان، على نحو ذكرنا بالإفراج المفاجئ عن الدكتور أيمن نور في عهد الرئيس مبارك!

كانت الأمور تبدو أنها في اتجاه أن يقضي “نور” العقوبة كاملة، فالرئيس مبارك لديه رغبة عنيفة في الانتقام منه، لتفكيره في خوض الانتخابات ضده، ولأنه تصرف بعد تأسيس حزب “الغد”، على أن العين يمكن لها أن تعلو على الحاجب، في ما يختص بالحوار الوطني الذي دعا اليه مبارك. وعلق أيمن نور موافقته للحضور على شرط حضور رئيس الحزب الوطني، صاحب الدعوة، أما إذا عقد الحوار برئاسة الأمين العام للحزب الحاكم، فسوف تحضر منى مكرم عبيد، الأمين العام للغد، وفي حال انعقاد المؤتمر بحضور رؤساء الأحزاب، فإنه يرفض أن يحتكر رئيس الحزب الوطني رئاسة جميع الجلسات، فكل جلسة ينبغي أن يرأسها رئيس حزب، لتكون البداية بالأكبر سناً، ومعنى هذا أن تكون الجلسة الأولى من حظ الحاج أحمد الصباحي رئيس حزب الأمة، عندئذ قيل يا داهية دقي!

معركة الصمود:

أدين أيمن نور بحكم من محكمة الجنايات، في القضية المسماة بتزوير توكيلات تأسيس حزب “الغد”، وصدر حكم من المحكمة الإدارية العليا برفض دعوى الإفراج الصحي عنه، وبدا النظام محصنا ضد الضغوط الأمريكية، وبدت الأوضاع وقد استقرت، فأيمن في السجن، ومبارك في الحكم، وفجأة يتم الافراج الصحي عنه. ومن الواضح أن الضغوط تراكمت، وفشل نظام مبارك في المقاومة فرضخ لها في الأخير، مثلما حدث مع الدكتور سعد الدين إبراهيم، الذي أدين مرتين من قبل محكمة الجنايات، فلما تصدت محكمة النقض عند نظرها الطعن للمرة الثانية، أسرفت في الإشادة به، في مواجهة إسراف محكمة أول درجة في الإدانة، بحسب وصف أحد أعضاء هيئة الدفاع عنه المحامي الراحل أحمد عبد الحفيظ لي!

ولم يكن لمثلي أن يفهم ما جرى في النهاية إلا رضوخا للضغوط الخارجية، بعد أن خارت قوى النظام الحاكم، وفشل في معركة الصمود!

فمن الواضح أن الضغوط استمرت، وإن كانت بشكل غير معلن، تماما كما في حالة الفريق سامي عنان، الذي لم نشعر بأن ضغوطا بذلك، والرجل يجري اعتقاله في واقعة أقرب للاختطاف، فلم يُستدع رسمياً، ولم يُطلب لجهات التحقيق، لكن غارة أمنية نزلت عليه في الشارع، لتأخذه من هناك إلى السجن، في محاكمة سرية، شأن المحاكم العسكرية في عهد عبد الفتاح السيسي!

وكان واضحاً منذ البداية أن الفريق سامي عنان لم يخرج من السجن ما دام عبد الفتاح السيسي على قيد الحياة، لأن الرجل يمثل خطراً عليه، يتعذر تداركه في حال ما إذا تركت له حرية الحركة، ولم يدفع ثمن قراره بخوض الانتخابات الرئاسية في 2018!

وكان اللافت للبعض، وليس للكل بطبيعة الحال، أن يتم التنكيل برئيس أركان الجيش المصري السابق، بهذا الشكل، ثم يتم الأمر في هدوء، ولا نسمع ضجراً او تململا من المؤسسة التي كان في يوم من الأيام على رأسها، وهو أمر له سوابق في التاريخ الحديث!

رد الاعتبار للشاذلي:

لقد أدين رئيس أركان حرب أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلي بحكم من القضاء العسكري، وتم تنفيذه فعلاً بالحبس الانفرادي في السجن الحربي. وقال الرجل لولا أنه عكف على قراءة القرآن الكريم لفقد النطق، حيث جرى الالتزام من قبل المؤسسة التي يخضع السجن العسكري لولايتها بالتنفيذ الحرفي للحكم مع قائدهم السابق، الذي كان من الواضح أن مبارك ينكل به مع سبق الإصرار والترصد. وقد سبق هذا الحكم حكم آخر من القضاء الإداري، خاص بدعوى أقامها “الشاذلي” وهو في منفاه في عهد السادات يطلب فيها تجديد سفره. وقد تعاملت معه حيثيات الحكم، كما لو كان قد مارس الخيانة الوطنية، ولم يُذكر أن قادة الجيش قد تململوا أو استنكروا ما جرى مع رجل يحمل رتبة الفريق، وكان اسمه كالطبل داخل الجيش!

وعندما قامت الثورة، ومات الفريق سعد الدين الشاذلي بعد أيام قليلة من تنحي مبارك، وجد المجلس العسكري نفسه في حل من كل ما جرى مع الرجل، ورد إليه الاعتبار بجنازة عسكرية تجاوزت القانون، فالحكم الصادر من القضاء العسكري، يجرده من كل قيمة عسكرية، ويجعله خارج دائرة التكريم. وقد كرم السيسي اسمه بعد الانقلاب العسكري.

وفي اعتقادي أن الأمر نفسه جرى مع الفريق سامي عنان من قبل أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذين اختارهم السيسي بالواحد، وهو من يملك عقدة الأمر في الاختيار والإبعاد، فمن يجرؤ على نقد إجراء له، وهو يعلم أنه بجرة قلم قد يفقد الصفة التي بمقتضاها يمكنه أن يتحدث فيطلب أو يعترض، على هذه الاستباحة التي جرت لرئيس الأركان السابق للجيش، ليس فقط باختطافه واعتقاله وإدانته، ولكن باستباحته في الإعلام، ورميه بالفساد واتهامه في ذمته المالية؟!

ترشح عنان:

وإذا استبعدنا أن يكون الفريق سامي عنان قد أعلن الترشح من تلقاء نفسه، وإلا كنا أمام مجنون ومغامر، لا سيما وأن له محاولة سابقة انتهت بتراجعه عن هذا القرار، فإننا نستوعب تماماً هذا التقاعس عن نجدته من القوى التي دفعت به لذلك، وفي تقديري أنها قوى دولية وإقليمية، لكن جرى معه ما جرى مع بناظير بوتو، التي قتلها برويز مشرف، مع أن واشنطن دفعت بها للترشح خوفا من أن يفوز نواز شريف بالرئاسة.

ويبدو الآن أن هذه القوى قد مارست الضغوط على عبد الفتاح السيسي، وأنه صمد في البداية، لا سيما وأنها ضغوط تكون هينة لينة وليست مباشرة، وأنه يتعامل معها كما يتعامل مبارك. وقد سألت أحد المقربين منه قديماً، فقال إنه يتعامل معها بما نعرفه في مصر بـ”لؤم الفلاحين”، لا سيما وأنها لا تكون حادة. لكن عندما يكون الحكم ضعيفاً فإنه يرضخ لهذه الضغوط بعد صمود ومقاومة!


فلماذا صمد السيسي في البداية ورضخ الآن؟!

إن الافراج عن الفريق سامي عنان، مسلك لا يعرفه حكم السيسي مع الذين يمثلون خطراً حقيقياً على حكمه، وعلى من تجرأ وقرر مواجهته بشكل مباشر، وهو دائما يؤمن بالحكمة التي تنصح بسد الباب الذي يأتي منه الريح!

ومشكلته أنه يتصور أن ارتخاء قبضة الحاكم تكون خياره، وهو يرى أن ارتخاء قبضة مبارك كانت سبباً في ثورة يناير، مع أن ارتخاء هذه القبضة كانت من طبيعة الأشياء!

وإذ يحرص السيسي على ألا يكون مبارك، فقد كانت مظاهرات 20 أيلول/ سبتمبر كاشفة على أنه يمكن في لحظة أن تخرج ثورة لا قبل له بها، فأضعف هذا مركزه في دائرة الحكم، تماما كما ضعف مركز مبارك بسقوطه مغشيا عليه في البرلمان، وسفره بعد ذلك للعلاج في الخارج، عندئذ بدا الناس في ذهول من أن الرجل يمكن أن يسري عليه ما يسري على سائر البشر من موت ونصب وغياب!

تغير النظرة للسيسي:

وإذا كان السيسي قد بدا قبل 20 أيلول/ سبتمبر بأنه الحاكم الذي لا يقدر عليه أحد، فإنها نظرة تغيرت في هذا اليوم، وبدا معلوما أنه يمكن أن يسقط في لحظة ويتلاشى حكمه للأبد، عند أول خروج جاد للجماهير. وقد اتسعت دائرة الجهر بالمعارضة لتشمل ليس فقط قوى سياسية أخرى، ولكن قواعد شعبية، لم تكن جزءا من الثورة، أو من الحراك السياسي!

وإذا كانت الضغوط تؤتي ثمارها مع نظام تجلى ضعفه للناظرين، فإن القوى الراعية له لا بد وأن تكون قد استشعرت أن فكرة غياب السيسي واردة لأي سبب من الأسباب، ولابد أن يكون البديل حاضراً حتى لا تدخل مصر في طريق الفوضى عند هذا الغياب!


وهناك ملاحظتان على قدر كبير من الأهمية هنا:

الأولى: أن الفريق سامي عنان رفض بشدة أن يتقدم لعبد الفتاح السيسي بالتماس للإفراج عنه، وطلب الالتماس (ويسمى في أدبيات الحكام العسكريين طلب الاسترحام) معروف من حكمهم بالضرورة، فقد طُلب من الإخوان في سجون عبد الناصر، ومن مجموعة مراكز القوى في عهد السادات، ومن الفريق سعد الدين الشاذلي في عهد مبارك ورفض الرجل، تماما كما رفض سامي عنان!

وطلب الاسترحام هذا يستهدف به الحاكم العسكري كسر خصمه، وأن يذله أمام نفسه وأمام الناس، وإذا فعلها سامي عنان لنشر ولانتهى سياسياً تماماً، ولفقد أي قيمة تمكنه من أن ينافسه في السلطة في المستقبل.

الثانية: أن من اللافت هنا، أن الإفراج تم لعدم تصديق الحاكم العسكري (السيسي وينوب عنه رئيس الحكومة) على الحكم الذي صدر بإدانة الفريق عنان، وهي إدانة في قضية تزوير، على نحو كاشف بأنها كأن لم تكن، بما يؤكد أهليته القانونية لممارسة العمل السياسي!

وليس معنى هذا أن الفريق سامي عنان سيبدأ من الغد في ممارسة دور سياسي، فهذا ليس مسموحا به له أو لغيره، لكن بوجوده يظل دائما بديلاً محتملاً في حال غياب السيسي أو تغييبه لسبب أو لآخر، ولو بنصف ثورة، فالثورة الكاملة لن تكون أسيرة لهذا الاختيار!

فالسيسي قبل يوم 20 أيلول/ سبتمبر ليس هو السيسي بعد هذا اليوم.

نقلا عن عربي 21

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...