“خرج الفقراء والمساكين من أكواخهم إلى الميادين بلا تدبير، اندفعوا وراء مشاعرهم القلقة الدفينة، وفي تجمعٍ لا مثيل له، وجدوا أنفسهم عملاقا لا حدود له يجأر بالاحتجاج والخوف من المستقبل”، هكذا تنبأ الروائي نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل بيوم جمعة الغضب 28 يناير 2011 في روايته “ليالي ألف ليلة”، وربما تتكرر غدا للمرة الثانية ضد جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي.
وفي نبوءة بمشاهد تحققت حكاها محفوظ في روايته، ولخصها أمين شرطة لرئيسه وهو يقول له في جهاز اللاسلكي نهاية يوم الغضب في 2011 “الشعب ركب يا باشا”.
ويتساءل المراقبون: هل يتكرر في جمعة 27 سبتمبر 2019، ما جرى في يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011 المشهودة، والتي فاقت أحداثها كل خيالات المبدعين وتخطى كل أحلام الحالمين بثورة؟.
هزيمة النظام
في جمعة الغضب 28 يناير 2011، فوجئ المصريون أمام أنفسهم بأنهم قادرون على هزيمة نظام تنبأت له تحليلات أجهزة الأمن والمخابرات المحلية والعالمية بالصمود والاستمرار، لكنه انهار في غضون ساعات في ذلك اليوم، وبقيت فقط مراسم دفنه بإعلان الرئيس المخلوع حسني مبارك تنحيه عن سلطاته للمجلس العسكري بعده بأسبوعين.
في المقابل، يعتبر مؤيدو السفيه السيسي ما جرى في ذلك اليوم المشهود مؤامرة خططت لها قطر وتركيا، ونفذها مقاتلون من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس وحزب الله اللبناني، بعد أن عبروا الأنفاق الحدودية شرقاً.
وينفي المحسوبون على عصابة السفيه السيسي، وكثير منهم محسوبون على نظام المخلوع مبارك، إمكانية وقوع مثل هذا الانفجار فجأة، في حين تؤكد روايات نشطاء وشهود عيان أن هذا اليوم كان وليد سنوات طويلة من تراكم الغضب عبر حكم المخلوع مبارك.
وتسارعت وتيرة كرة اللهب الغاضبة فور اندلاع شرارة ثورة 25 يناير 2011، ومثلت الأيام الثلاثة الفاصلة بين الشرارة والانفجار قوة دفع هائلة لهذا اليوم.
أساء للجيش
من جهته يقول عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أسامة رشدي، إن “انسحاب الجيش من الميادين والشوارع، وترك الشرطة بمفردها للمرة الأولى منذ نزوله للشوارع في يونيو 2013 أربك حسابات الشرطة يوم الجمعة الماضي، وجعلها تشعر أن ظهرها إلى الحائط، وأنه يجري الزج بها في مواجهة الشعب، وجعلها كبش فداء لكل جرائم السيسي وفساده”.
وتابع: “ذلك لخطورة ما نشر من معلومات حقيقية حول جرائم السيسي، وخاصة ما قاله الناشط والسياسي السيناوي مسعد أبو فجر من وقائع يتعلق بعضها بالخيانة العظمى والتآمر لقتل جنود الشرطة في 2012 لإزاحة طنطاوي وعنان، وتضليل الجيش، ليصبح السيسي وزيرا للدفاع بعد أن قدّم نفسه للرئيس مرسي كمنقذ”.
ولفت رشدي، إلى أن “السيسي تآمر على الجميع للوصول للسلطة، ومكّن أبناءه في التهريب، وبنى سلسلة من القصور الفارهة السفيهة، وباع تيران وصنافير، ويدير مشروعات مشبوهة في سيناء”.
وأردف: “كما أن مشاريعه العشوائية الفاشلة كانت كارثية، ولم تعد على الاقتصاد بعائد، ودمر البلد بإدخالها في دوامة الديون، حتى استنزفت فاتورة خدمة هذه الديون الموازنة العامة للدولة، ورهنت أصول الدولة التي بدأوا في بيعها الآن”.
واستطرد رشدي قائلا: “لقد أساء السيسي للمؤسسة العسكرية، ولطخ سمعتها، واستخدمها في مشاريعه الخبيثة، واعتقد أن هذا هو العامل الحاسم لانسحاب الجيش من مواجهة الشعب، واستعداده للتعاطي مع التغيير الذي حان وقته”.