قالت مصادر أمنية إن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، رفضت طلبا قدمته وزارة الداخلية، يوم الإثنين الماضي، إلى مؤسسة الرئاسة بضرورة نزول قوات الجيش لمشاركتها في مواجهة المظاهرات المرتقبة، غدا الجمعة، والمساهمة في تأمين الميادين الكبرى في القاهرة والمحافظات، وحماية المنشآت العامة.
وأشارت المصادر- في تصريحات خاصة لـ”عربي21″- إلى أن “مؤسسة الرئاسة لم تضغط على الجيش أو تؤكد على ضرورة تنفيذ أوامر النزول للميادين، خشية استغلال تواجد قوات الجيش واحتمالية تنفيذ انقلاب عسكري ضد السيسي على غرار ما حدث مع الرئيس الراحل محمد مرسي، حيث ادعى البعض حينها أن الجيش نزل لحماية الشرعية، بينما في الحقيقة كان تمهيدا للانقلاب وإحكام السيطرة”.
وأكدت المصادر أنه “لو أصر السيسي على نزول الجيش إلى الميادين لقامت المؤسسة العسكرية بالاستجابة لهذه الأوامر، وإلا سيُفهم ذلك على أنه انقلاب صريح على أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولفعلت المؤسسة العسكرية ما تشاء بكل أريحية سواء دعم السيسي بقوة أو تنفيذ انقلاب عسكري”.
وأوضحت أن “السيسي ورجاله كانوا بين نارين من فكرة نزول الجيش للميادين في هذا التوقيت الحرج، الأول أن الأمر سيُفهم في إطار استمرار دعم المؤسسة العسكرية للسيسي بقوة، ما قد يؤدي إلى تقليص أعداد المتظاهرين وإخافتهم على غرار ما كان يحدث طوال السنوات الماضية، والنار الأخرى هي الخوف من احتمالية انقلاب عسكري”.
وأرجعت المصادر طلب وزارة الداخلية بأهمية نزول قوات الجيش إلى إداركها أنها “لن تستطيع بمفردها مواجهة التظاهرات، خاصة أن تقاريرها الداخلية ترصد احتمالية اتساع نطاق التظاهرات بشكل كبير، رغم اتساع دائرة الاعتقالات التي طالت حتى الآن نحو ألفي شخص، فضلا عن أن العديد من ضباط الشرطة يطالبون قيادة وزارة الداخلية بذلك”.
وأثناء وجود دعوات واسعة للتظاهر أو قبيل كل ذكرى لثورة 25 يناير، اعتاد الجيش المصري نشر ما يصفها بـ “مدرعات حماية المواطنين” في عدد من الشوارع والميادين الرئيسية في القاهرة الكبرى والمحافظات لتأمين المنشآت والأهداف الحيوية وحماية المواطنين، إلا أنه لم يفعل هذه المرة رغم حالة القلق والارتباك التي يمر بها النظام على خلفية دعوات التظاهر، وما يصفه مراقبون بوجود صراع داخل السلطة.
وكانت دائما ما تبث وزارة الدفاع المصرية فيديوهات – وينشرها إعلام النظام بكثافة- لتحرك وانتشار عناصر من القوات المسلحة بنطاق الجيوش الميدانية والمناطق العسكرية لمعاونة الأجهزة الأمنية لوزارة الداخلية، و”تأمين الأهداف والمرافق الحيوية، والمنشآت الهامة، وتأمين الطرق والمحاور المرورية الرئيسية بنطاق القاهرة الكبرى والعديد من محافظات الجمهورية”.
وكان يتم رفع درجات الاستعداد القصوى داخل القوات المسلحة وخاصة للعناصر المشاركة، ويتم الدفع بالعديد من الدوريات الأمنية ومجموعات من قوات التدخل السريع وعناصر من القوات الخاصة.
ودائما ما أكدت القوات المسلحة حينها أن نزول قواتها للشوارع والميادين يتم “بالتنسيق الكامل بينها والشرطة المدنية للتصدي لأي محاولة للخروج عن القانون والتأثير على أمن الوطن واستقراره”، بحسب قولها.
استراتيجية جديدة للجيش
من جهته، قال الباحث بالشأن العسكري في المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمود جمال، إن “عدم نزول الجيش بالميادين والشوارع حتى الآن دليل على استراتيجية جديدة تتبعها المؤسسة العسكرية، خاصة أنها تريد أن تنأى بنفسها عن هذه المواجهة وهذا الصراع الدائر بقوة حاليا”.
واستبعد جمال نزول قوات عسكرية غدا بالميادين، قائلا: “لو كانت هناك فرصة للنزول لحدث ذلك قبل يوم الجمعة بـ 48 ساعة على الأقل، مثلما كان يحدث دائما في السابق، فتحرك القوات وتمركزها يحتاج لبعض الوقت، ولوجدنا كل وسائل إعلام النظام تروج وتحتفي بذلك كثيرا”.
لكن لم يعد أمامنا سوى ساعات قليلة ولم نرصد أي تحرك عسكري في المناطق المدنية، وبالتالي فمن الصعب للغاية تحرك الجيش الآن.
ونوّه، في تصريح لـ”عربي21″، إلى أن “هذا الموقف بعدم نزول قوات الجيش دليل على أن الصراع لم يتم حسمه داخل النظام بعد، وأن هناك ما يمكن وصفه بتوازن الرعب داخل أجنحة السلطة المتصارعة، والشارع هو فقط من سيحدد من يكون الطرف المنتصر”.
وذكر أن وزير الداخلية محمود توفيق، ينتابه القلق والخوف من تكرار السيناريو الذي حدث يوم 28 كانون الثاني/ يناير 2011، وأن قد يضطر لتكرار ما فعله وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي الذي سحب قواته في هذا اليوم حينما لم تسانده قوات الجيش.
وشدّد جمال على أن “الشرطة بكل تأكيد تريد الجيش في ظهرها، وإن لم يحدث ذلك، فبالتأكيد سيزداد الاضطراب داخل النظام، وسيشتعل الخوف والقلق داخل كل أجهزة وزارة الداخلية، التي هي على يقين أنها لن تستطيع السيطرة تماما حال نزول جموع كبيرة من المصريين في التظاهرات المرتقبة”.
ولفت إلى أن “وزير الدفاع محمد أحمد زكي يبدو بحسب تصريحاته ومواقفه الأخيرة وما يتسرب لنا أنه ليس داعما بقوة للسيسي، وأنه هو المانع الرئيس لنزول قوات الجيش في الشوارع والميادين، إلا أن هناك غموضا يشوب موقفه الحذر جدا، والذي لم يحسمه بشكل أخير حتى هذه اللحظة”.
وأكد جمال، وهو مسؤول ملف العلاقات المدنية العسكرية بالمعهد المصري للدراسات، أنه “لا أحد يختلف على أن الأوضاع الراهنة تستدعي نزول قوات الجيش مثلما هو معتاد في كل الظروف المماثلة، وأن عدم النزول يحمل الكثير من الرسائل والدلالات التي يجب التوقف أمامها كثيرا”.
وفي أيلول/ سبتمبر 2016، تحدث السيسي عن انتشار الجيش في كل ربوع الوطن، قائلا: “فيه دولة وفيه قوات مسلحة، وفيه وزارة الداخلية، ولن يستطيع أحد أن يمس الدولة المصرية، وأنا مش بخوف حد، بس هناك تخطيط إن الجيش يفرد في مصر خلال 6 ساعات، لحماية الدولة.. ماحدش يفتكر إننا هنسيبها تضيع مننا ونضيع الناس معانا، أنا مسؤول أمام الله وأمامكم والتاريخ على الدفاع عنها وحمايتها لآخر لحظة”.
كبش فداء لكل جرائم السيسي
بدوره، قال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أسامة رشدي، إن “انسحاب الجيش من الميادين والشوارع، وترك الشرطة بمفردها للمرة الأولى منذ نزوله للشوارع في حزيران/ يونيو 2013 أربك حسابات الشرطة يوم الجمعة الماضي، وجعلها تشعر أن ظهرها إلى الحائط، وأنه يجري الزج بها في مواجهة الشعب وجعلها كبش فداء لكل جرائم السيسي وفساده”.
وتابع: “ذلك لخطورة ما نشر من معلومات حقيقية حول جرائم السيسي، وخاصة ما قاله الناشط والسياسي السيناوي مسعد أبو فجر من وقائع يتعلق بعضها بالخيانة العظمى والتآمر لقتل جنود الشرطة في 2012 لإزاحة طنطاوي وعنان، وتضليل الجيش، ليصبح السيسي وزيرا للدفاع بعد أن قدّم نفسه للرئيس مرسي كمنقذ”.
ولفت رشدي، في تصريح لـ”عربي21″، إلى أن “السيسي تآمر على الجميع للوصول للسلطة، ومكّن أبناءه في التهريب، وبنى سلسلة من القصور الفارهة السفيهة، وباع تيران وصنافير، ويدير مشروعات مشبوهة في سيناء”.
وأردف: “كما أن مشاريعه العشوائية الفاشلة كانت كارثية، ولم تعد على الاقتصاد بعائد، ودمر البلد بإدخالها في دوامة الديون حتى استنزفت فاتورة خدمة هذه الديون الموازنة العامة للدولة، ورهنت أصول الدولة التي بدأوا في بيعها الآن”.
واستطرد رشدي قائلا: “لقد أساء السيسي للمؤسسة العسكرية، ولطخ سمعتها، واستخدمها في مشاريعه الخبيثة، واعتقد أن هذا هو العامل الحاسم لانسحاب الجيش من مواجهة الشعب، واستعداده للتعاطي مع التغيير الذي حان وقته”.