دروس روما.. استبدال الزي المدرسي بـ”المُموه” هل يحقق للسيسي حلم السيطرة؟

هناك رائحة كريهة للمقترحات التي ينطق بها نواب أدمنوا التطبيل للعسكر، فالمتاجرة بالوطن بضاعة ضمائر فاسدة، رائحتها لا تَخفى على كل من لا يزال يقطن بقايا إنسانيته وعقله، إنها حقيقة العسكر الذين قايضوا بعقول أتباعهم لغاياتهم السلطوية المغلفة بثوب الدم، فقرر جنرال إسرائيل السفيه السيسي أن يبيعهم الوهم بادعاء انتمائه لوطن هو نفسه باع أرضه وأجّر سماءه وقتل أبناءه، ولا يمكن أن يكون ناطقًا باسمه ولا أحد حراسه.

الرائحة الكريهة تفوح في كل مرة يتقدم فيها نائب في برلمان الدم بمقترح من جهة أمنية، هذه المرة تقدمت النائبة “فايقة فهيم”، باقتراح إلى الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم في حكومة الانقلاب، لاستبدال الزي المدرسي لطلاب المرحلة الابتدائية بزي مموه يشبه الزي العسكري الذي يرتديه الجيش المصري.

قام الانقلاب على أكذوبتين: أخونة الدولة وفشل الرئيس الشهيد مرسي، وكان الانقلابيون في حاجة إلى مواجهة ردود الفعل التي من شأنها أن تعرقل سيطرتهم وإحكام قَبضتهم، بل وتهدد بقاءهم بعد افتضاح أمرهم، فألحقوا الأكذوبتين بثالثة، وهي “الإرهاب المحتمل”.

وصار كلُّ رافض للانقلاب إخوانيًّا، وكل إخواني إرهابيًّا، وكل إرهابي مستحقًا للقَتل دون محاكمة والتنكيل دون رحمة، كما صار شعار “مِصر تحارب الإرهاب” هو الإجابة عن كل شيء!.

اقتراح فهيم!

وألمحت “فهيم” إلى أن اقتراحها يرجع إلى أهمية تربية النشء والشباب على القيم والمفاهيم الوطنية، وغرس حب الوطن والانتماء إليه في نفوسهم، وتهيئتهم حتى يكونوا في المستقبل نواة لقيادة بلادهم والانطلاق بها، على حد زعمها.

وشددت عضو برلمان الدم، على ضرورة تربية أبنائنا على حب الوطن وحب الانتماء إليه، وشرف الدفاع عنه وعن مكتسباته الوطنية، والتصدي لكافة محاولات استهداف الهوية الوطنية وطمس معالمها وتشويهها وتزييف وعي النشء.

وتابعت: “الولاء للأوطان عملية تراكمية لا تتكون بين عشية وضحاها، كما أن ترسيخ حب الوطن في نفوس النشء مسئولية مجتمع، في ظل عالم يعيش أجواء ملتهبة ومضطربة”.

وبدا واضحًا من مقترح النائبة فايقة فهيم، أن عصابة السيسي تستهدف المدرسة بما أنها اللبنة الأولى في تأصيل الهوية والحس الوطني وغرس قيم رفض الانبطاح والعبودية في نفوس الأطفال من الصغر، وتهدف من وراء ذلك تربية الطلاب الصغار على الانبطاح لعصابة الانقلاب، ويعد ذلك في عقول الانقلابيين هدفا استراتيجيا، يبدو أنه بدأ العمل عليه، الأمر الذي سيسهم في خلق أجيال ترسخ فيها روح الركوع والسجود للديكتاتور العسكري.

روما والسيسي

وكأن الجيش المصري أصبح حكرا على العصابة التي اختطفته في 30 يونيو 2013 وتبتز به المصريين، ولم تترك تلك العصابة قيمة إلا وانتهكتها، ولم تترك فعلا إجراميا إلا وارتكبته، فهي تدّعي الحرص على وطن اختزلوه بفعل القتل والموت، فأصبحت مقترحاتهم مغارة من العهر يغرفون منها الحرام، وقمع المصريين الذي أصبح أساسا لبقائهم .

ويصطف نواب برلمان الدم وراء عصابة الانقلاب بالتطبيل والتسبيح، ويمكن تعريفهم بأنهم كائنات تدعي الحرص على مواطنة وحقوق لم يتركوا شيئا فيها لم يدنسوه، كائنات لعبت بعقول شريحة من المصريين في 30 يونيو 2013، أحسن ما يمكن أن يوصف به بعضهم هو أنهم سذج فقدوا عقولهم.

وتتجاهل النائبة “فايقة فهيم” تجارب ودروس التاريخ، والتي منها أن روما كانت إمبراطورية مترامية الأطراف، تملك أعتى الجيوش، وأنجبت قادة عظامًا حكموا العالم القديم أمثال يوليوس قيصر، ولقوة وعظمة جيش روما، ربما يخيل للبعض أن نظام الحكم فيها كان عسكريًّا بناء على معطيات سياساتها التوسعية شرقا وغربا.

لكن المفارقة التي لا تعرفها النائبة فايقة فهيم أنها كانت دولة ديمقراطية يحكمها مجلس شيوخ يرجع له القيصر في كل صغيرة وكبيرة، هذا المجلس السياسي يدير أمور البلاد ويشبه إلى حد كبير النموذج الأمريكي الحالي “الكونغرس”.

المهم بذكر هذه المعلومة التاريخية هو أن روما كانت تدرك خطر العسكريين على ديمقراطيتها، وتعرف أنه متى استولى العسكر على السلطة دمروا الحياة المدنية، وحولوا الدولة إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، وانتهت جميع أشكال الحضارة والرقي فيها، من علم وثقافة وفكر وصناعة وتجارة، فالعسكر لهم معايير محددة وضابطة تشرع بقاءهم واستمرارهم في السلطة بكافة الوسائل والاتجاهات الممكنة، ويصبح الإنسان فيها عبارة عن كائن حي يعمل ويأكل وينام ويتكاثر وفقط.

الدولة الرومانية المدنية وحتى تتجنب الوقوع بيد العسكر، تبنت قانونا واضحا وصريحا يقوم على مبدأ حل الجيش الروماني العائد من أي معركة مباشرة على أسوار المدينة وقبل دخولها، حيث يقوم الجنود مع قادتهم بـ”خلع ملابسهم العسكرية” وتسليم أسلحتهم لحامية المدينة، ثم يرتدون الزي المدني، حينها يسمح لهم بدخول روما، وعندما يتطلب الأمر القيام بتجهيز الحملات العسكرية كان الأمر يتم أيضا خارج أسوار المدينة، لتأكيد أهمية الحياة المدينة، وعدم السماح للعسكر بالتسلل إلى هذه الحياة والانقضاض على السلطة للتفرد بها.

نجحت روما في هذا المضمار وحذت حذوها كثير من الدول التي تتمتع بديمقراطية مميزة؛ وذلك نتيجة إبعاد العسكر عن الحياة المدينة، وعدم السماح لهم بأي نشاط سياسي مهما كان صغيرا، وحرمانهم حتى من حق التصويت في الانتخابات، لأن دورهم الأساسي متمثل في حماية حدود البلاد وأمنها، وليس الدخول في معترك الحياة السياسية المدنية، فهل تعتبر النائبة فايقة فهيم من خلع عسكر روما “ملابسهم العسكرية” وتتخلى عن مقترح استبدال الزي المدرسي بآخر عسكري “مموه”؟!.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...