ماذا أعددت لها ؟

الحمد لله العلى الكبير نحمده تعالى على ما خلقنا ورزقنا وربَّانا وهدانا
وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وأنزل إلينا القرآن الكريم هدى ورحمة
وهداية إلى طريق الحق والخير ، فنحمدك اللهم أعظم الحمد على ما هديتنا إليه من إيمان صادق ونبى بالحكمة ناطق ، هديت به الأمة وكشفت به الغمة ومحوت به الظلمة ،
 قد جاءكم من الله نور وكتاب منير يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم  وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفى الله من خلقه وحبيبه وخليله نزل عليه القرآن بحقائقه فوضح الطريق وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتبعها إلا كل منيب سالك ، اللهم ارض عن آلِ بيته الكرام الأخيار الأطهار وعن أصحابه رهبان الليل وفرسان النهار وارض اللهم عن كل من نهج نهج النبى  إلى يوم القرار …
أما بعد ,,,
فيا أيها الأحباب لقاؤنا مع موقف جليل من السنة المطهرة ، وعنوان لقائنا
سؤال وجواب من سنة سيد الأحباب
نقف مع سؤال وجواب من سنة النبى  لنتعلم ونأخذ زادا نسأل الله أن ينفعنا به فى ديننا ودنيانا وآخرتنا ، أخرج الإمام مسلم  فى صحيحه وسنده عن أنس بن مالك  أن رجلاً سأل رسول الله  فقال : (( يا رسول الله متى الساعة ؟ ، فقال النبى  : ماذا أعددت لها ؟ ، فقال الرجل : ما أعددت لها كثير صومٍ ولا صلاةٍ غير أنى أحب الله ورسوله ، فقال الحبيب  : أنت مع من أحببت ))
يقول أنس  : ( فو الله ما فرحنا بشىء كفرحنا يومئذ بقول النبى : أنت مع من أحببت )
يقول أنس فأنا أحب أبو بكر وعمر وأتمنى أن أُحشر معهم .
نقف مع هذا الحديث من خلال نقاط رئيسية :
1ـ هذا الجانب المهم من جوانب السنة النبوية السؤال والجواب فى سنة الحبيب  .
2ـ كيف سئل النبى وكيف أجاب .
3ـ عبر وعظات نسأل الله أن ينفعنا بها .
سنة الحبيب  هى التفسير العملى للقرآن والدليل على ذلك ما يحفظه كلٌ منا أن السيدة عائشة رضى الله عنها لما سئلت عن خلق النبى  قالت : كان خلقه القرآن .
إذن فالنبى بسنته كان تفسيراً عملياً للقرآن وكما يقول العلماء كان  قرآناً يمشى بين الناس فمن أراد أن يرى الإسلام خير الرؤية ومن أراد التطبيق العملى لهذا الدين فليدرس سنة النبى الأمين ، هنا ستجيب السنة عن كل ما يجرى فى قلبك وذهنك ، ستجيب السنة عن كل ما تحتاجه فى دينك ودنياك وآخرتك ويكفينا أن يقول النبى فى الحديث الصحيح : (( ما تركت شيئا يقربكم من الجنة إلا ودللتكم عليه ، وما تركت شئ يقربكم من النار إلا وحذرتكم منه )) فالنبى  ترك فى سنته العملية والقولية والخلقية ما يجعلنا نرى الإسلام فى وضوحه وكماله وروعته وكان فى جوانب السنة المطهرة جانب مهم هو السؤال والجواب ، فلقد سئل النبى  من الناس وأجاب وسأل النبى الناس وأجابوا ، إذن فالسؤال والجواب فى سنة النبى  ركن هام من السنة ينبغى أن يلتفت إليه المسلمون وهو سؤال تعليمى تربوى يأتى من فم الحبيب  ولذلك نعلم أن السؤال والجواب فى السنة إما أن النبى سأل وأجاب الناس وعقب النبى وإما أن النبى سُئِل من الناس فأجاب وحديثنا فى يومنا هذا من الشق الثانى ( أن يُسأل النبى فيجيب ) وإنا نقف مع مدرسة الحبيب المصطفى ومع المنهج التربوى الرائع فى بناء الأمة وكشف الغمة عنها والأخذ بيدها إلى ما يحب الله ويرضى .
النبى معلم  ، النبى مربى ، النبى قائد ، النبى أب رحيم يجلس ويتحرك ويقابل الناس ويسمع ويجيب وإذا بالسائل يدخل عليه ويسأل النبى أمام الناس : يا رسول الله متى الساعة ، سؤال وجه إليه  والسؤال لا محل له من الإعراب ، سؤال غير مطلوب لأن الساعة فى الحقيقة فى علم من ؟ ، فى علم الله ، ولكن انظر إلى أدب النبى وحلم النبى وعلم النبى لم ينهر السائل ولم يقل له سؤالك لا مكان له ولم يقل له اخرج من المسجد حتى تتعلم كيف تسأل وإنما أجاب النبى إجابة تعلم الدعاة إلى يوم القيامة وتعلم المربين فى المدارس والمعاهد والجامعات كيف تجيب على من يريد أن يتعلم حتى ولو سأل سؤالاً لا محل له وأنت معى انه سؤال لا محل له كما قلت الساعة فى علم الله وتقرأون معى اختصاص ربنا بهذه الغيبية حيث يقول ربنا  إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام …  لذلك رأى أحد العلماء الصالحين رسول الله فيما يرى النائم وسأله : يا رسول الله هل اقتربت الساعة حتى أعظم الاستعداد ؟ فأشار إليه رسول الله فى الرؤيا بأصابعه الخمس ، واستيقظ الرجل لا يدرى ما الخمس ، خمس ساعات أم خمس اشهر أم خمس سنوات ، وذهب إلى محمد بن سيرين فقال له : إن النبى لا يخبرك بالغيب ولكن يخبرك بأن سؤالك قد أجيب عنه فى الحديث : خمس من الغيب لا يعلمه إلا الله وقرأ الآية .
إذن متى تقوم الساعة ؟ هى فى علم الله وقال الله تعالى  يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله 
إذن فالسؤال الموجه إلى رسول الله  سؤال لا محل له ولكن انظر إلى الإجابة التربوية ، قال النبى للرجل : وماذا أعددت لها ، قال العلماء : هذه إجابة الرحيم وإجابة الحكيم .
هذه إجابة الرحيم لأن النبى لم ينهر السائل ولم يوقفه بين يدى الناس موقفاً صعبا وإنما كان رحيما رؤوفا
 فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك  واسمع إلى الحديث الآخر عند الإمام مسلم  (( أسلم رجل وجلس مع النبى  وفى هذه الجلسة حتى أقيمت الصلاة لم يتعلم الرجل فى الجلسة كثيراً لأن الوقت ضئيل بين الأذان والإقامة ، لكن لاحظ أن كل من يعطس من أصحاب رسول الله  يشمته رسول الله يقول له : يرحمك الله وتعلمها الرجل وقام إلى الصلاة ووقف فى الصف وهو لا يعرف شيئاً فعطس من بجانبه فقال له : يرحمك الله ، يقول الرجل فوجدت من حولى فى الصلاة يرمقوننى بأبصارهم فلم يسكت وإنما ازداد فى الكلام وقال : واثكلى أمى لماذا تخوفوننى ؟ فأزاد الكلام قال : فوجدت أصحاب رسول الله يضربون على أفخاذهم إشارة إلى أن اسكت فسكت ، فلما انتهت الصلاة نادانى رسول الله فبأبى هو وأمى ما رأيت معلماً أرحم منه ولا أكرم منه ، فوالله ما عنفنى ولا سبنى وإنما قال : يا أخا الإسلام إن الصلاة ذكر وتسبيح ليس فيها شىء من كلام الناس ، اللهم صل على سيد الناس الرحيم الكريم الودود .
بهذا وجدنا رسول الله هنا يعلم كل المربين ، يعلم الأب فى بيته والمدرس فى المدرسة والشيخ فى مسجده والأستاذ فى الجامعة وصاحب المهنة فى مصنعه ، كل هؤلاء عليهم أن يتعلموا رحمة النبى ويسيروا على نهج هذه المدرسة الفاضلة فى الأخلاق ، فى الحلم الذى يقول عنه النبى لأم المؤمنين عائشة : يا عائشة ما كان الرفق فى شيئ إلا زانه وما نزع من شئ إلا نقصه وشانه ، فقال أيضاً : يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق فى الأمر كله ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف ، فأجاب النبى إجابة الرحيم ثم أجاب النبى إجابة الحكيم ، وإجابة الحكيم معناها أن تحول السؤال الفارغ إلى سؤال له مضمون وأن تلفت نظر من سأل سؤالاً لا مضمون له إلى الحقيقة التى يجب أن ينتبه إليها ، يسأل الرجل عن الساعة وذلك فى علم الله ، يحول النبى السؤال إلى مضمون كامل فيقول النبى : وماذا أعددت لها ؟ هذا هو محل السؤال وهذا هو محل العمل وهذا هو ما يجب أن ينتبه إليه الجميع .
عندما يأتى طالب ويسأل : متى الامتحان ؟ أقول له لا تشغل نفسك بمتى الامتحان ولكن هل ذاكرت واستعددت للامتحان ؟ حتى إذا جاءك الامتحان غدا أو بعد غد تكون على استعداد كامل .
الرسول يحول سؤال الرجل إلى مضمون كامل : ماذا أعددت لها ؟ سؤال يجب أن نقف أمامه طويلا ، سؤال يجب أن نتواصى به مع أنفسنا ومع بعضنا البعض ، سل نفسك فى كل يوم عدة مرات ، قل لنفسك ماذا أعددت للقاء الله ؟ قل لنفسك : لو قابلت ربى فى هذه اللحظة فهل لدى إجابة أجيب بها على أسئلة الملكين فى القبر ؟ هل معى زاد فى هذه الرحلة الطويلة لتكون رحلة موفقة سعيدة ؟ هذا هو السؤال الذى يجب أن نسأله أنفسنا جميعا كل يوم وينبغى أن يتواصى به بعضنا البعض فإذا قابل أحدنا أخاه سأله ماذا أعددت لها ؟ فيذكر بعضنا البعض لينتبه إلى الحقيقة التى يجب أن تكون نصب أعيننا جميعاً فلا نسهو عنها ، انظر إلى أصحاب رسول الله يجلس ثلاثة منهم يتذاكرون القيامة ويُذَكِّرُ بعضهم بعضا هذه الساعة فيقول أولهم : أنا أكثركم ذكراً للموت واستعداداً للقاء الله ، قالوا : ولم ؟ ، قال : لأنى إذا جاء الصباح فلا انتظر المساء وإذا جاء المساء فلا انتظر الصباح أجهز نفسى فى أقرب فرصة ، وقال الثانى : إنى أعظم منك استعداداً إنى إذا أكلت الطعام لا انتظر هضمه ولا تصريفه ، وقال الثالث : أنا اكثر منكما إنى إذا أخذت النفس لا انتظر خروجه .
هكذا كان استعدادهم وكان يقينهم وكان تواصيهم بهذا الأمر بعضهم مع بعض ، من هنا معاشر الإخوة لابد أن نكون مع هذه الحقيقة وأن نعمل لها ، قال  : (( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله ))
ماذا أعددت لها ؟ وقفة جليلة نرى قائدنا وحبيبنا يعطينا القدوة فيها يقف بين يدى الله حتى تتورم منه الأقدام يبكى ويرجو ويسأل ربه ويأتى بلال يؤذن لصلاة الفجر ويخبر النبى بالفجر فيجد النبى واقفاً قد تورمت قدماه فيقول : يا رسول الله لم هذا التعب ؟ وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فيقول : يا بلال أفلا أكون عبداً شكورا ؟ ، واسمعوا إلى أم المؤمنين عائشة تبين لنا القدوة فى استعداد النبى للقيامة ولقاء الله تقول : بات عندى رسول الله حتى مس جلده جلدى ثم قال يا ابنة أبى بكر ذرينى أتعبد لربى فقلت يا رسول الله إنى أحب قربك ولكنى أؤثر هواك فقم إلى ربك ، قالت : فقام إلى قربة ماء فتوضأ ولم يكثر من صب الماء ثم وقف بين يدى ربه حتى بلل لحيته وبكى حتى بلل موضع سجوده فاقتربت لأسمع بماذا يناجى ربه فسمعته يقول : يا ربى أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك سجد لك سوادى وآمن بك فؤادى وهذه يدى وما جنيت بها على نفسى فاغفر الذنب العظيم فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم ، وقالت : وسمعته فى تهجد آخر يقول :
(( اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد  حق والساعة حق )) ، ثم يقول  : (( اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت )) .
هكذا كان النبى يُعِد هكذا كان النبى يستعد هكذا كان قدوتنا يعلمنا كيف يجمع الزاد ليوم المعاد ثم نرى أصحابه رضوان الله عليهم ونرى أهل بيته وهم يحسنون الاستعداد ليوم القيامة .
اسمحوا لى أن أنتقل بحضراتكم الآن إلى مكة المكرمة لنشاهد بالبصيرة لا بالبصر هذا المشهد الجليل لواحد من آل بيت رسول الله  ورضى عنهم أجمعين يحكيه مؤرخ الإسلام الأصمعى يقول ( دخلت الكعبة فى ليلة مظلمة واقتربت منها فإذا بى أجد شاباً فى جوف الليل يتعلق بالكعبة ويدعو ويبكى ، شاب فى مقتبل العمر يترك اللهو ويترك اللغو يترك ما فيه الشباب ويخرج فى جوف الليل للقاء ربه فأسأل الله أن يجعل شبابنا جميعاً كذلك ، يقول الأصمعى فاقتربت وقد اقترب الفجر وأضحى يرسل بعض أشعته إلى الكعبة وسمعت الشاب يناجى ربه ويقول يا رب إن لم اكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل لأن تنزل بى يا ربى ، أنت القائل ورحمتى وسعت كل شئ وأنا شئ من الأشياء فارحمنى يا رب إن أكن أذنبت وأنا العبد الجاهل الفقير فاغفر فأنت الغنى الكريم ، قال : فعجبت وخرجت واقتربت من هذا الشاب انظر فى وجهه لأنه صالح تقى ، قال : فلما نظرت إليه وتحققت منه إذا هو على زين العابدين بن الحسين رضى الله عن آل بيت رسول الله فقلت يا ابن رسول الله لم تبك هذا البكاء وأنت من آل بيت النبى ؟ فقال : يا رجل ألم تقرأ وتدرى  فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى جهنم خالدون  سلم يا رب سلم ، فيقول على زين العابدين فلا يجئ الناس بعمل ونأتى بأنسابنا إنما لابد من العمل مع الأنساب ومع شفاعة سيد الأحباب ، هكذا كان استعدادهم فإذا جئت إلى نماذج من عهد الراشدين وجدت أبا الحسن على  يقف فى الليل يبكى يرجو ربه يخاف عذابه يسأل نفسه : ماذا أعددت للقيامة وهو خليفة يحكم ثلاثة أرباع الكرة الأرضية والدنيا قد حكمت له وأرادت أن تغره ، يقول الواصف يقوم بين يدى ربه وبعد أن انهى الصلاة بكى وأخذ يخاطب الدنيا كأنها أمامه ويقول يا دنيا غرى غيرى أإلىَّ تزينتى أم فىَّ رغبتى أشهدك إنى طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها يا دنيا شأنك حقير وأمرك إلى الزوال يصير كتب عليك ألا تدومى لأحد ولا يدوم لك أحد .
ماذا أعددت لها ؟ ثم انظر إلى أبى بكر وهو يعالج سكرات الموت ، السيدة عائشة بجانبه رأت أباها يسلم روحه إلى بارئها وهو فى سكرات الموت فتمثلت ببيت شعر تستدل به أن الخلافة لا تنفع ولا الأموال تنفع ولا الدنيا كلها تنفع ، تقول :
تالله لا يغنى الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فأفاق أبو بكر وقال لها : لا تقولى هكذا ولكن قولى ما هو أفضل  وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد 
قالوا يا خليفة رسول الله ندعو لك طبيباً ؟ فيقول : قد نظر إلىَّ الطبيب ، قالوا : فماذا قال لك ؟ ، قال : إنى فعال لما أريد ، يا أم المؤمنين عائشة ، يا بنت أبى بكر ، قالت : نعم يا أبى ، قال : إذا أنا متُّ ففى بيتى بعض أغراض لبيت المال فأعيدوها لبيت المال ثم احسبوا مرتبى الذى أخذته من بيت المال أثناء الخلافة فأعيدوه إلى بيت المال إنى أريد أن يكون حكمى للمسلمين حسبةً لوجه الله ، ولما توفى وأعادت عائشة أغراض بيت المال بكى عمر طويلاً وقال : يرحم الله أبو بكر لقد أتعب من جاء بعده ، ونقول : ورحم الله عمر لقد أتعب من جاء بعده حينما طُعن والدم ينزف وضعوا رأسه على فخذ ابنه عبد الله ، فأفاق عمر وقال يا عبد الله بن عمر ضع خد أبيك على الأرض ، يا ويل عمر إن لم يغفر له ربه ، ويبكى فيقول سيدنا عبد الله بن عباس : وكان جالساً لا تبك يا أمير المؤمنين فوالله لقد فتح الله بك الفتوح وفرق بك بين الحق الباطل وأعز بك دين الله ، شهادة من حبر الأمة وترجمان القرآن ، فيسمعه عمر فيمسك بيد ابن عباس ويقول أتشهد لى بهذا عند الله ؟ …. ليس المهم أن تشهد لى بها فى الدنيا ولكن المهم يوم القيامة ، ثم يبكى عمر ويقول : اللهم إنى أسألك أن أخرج من الدنيا كفافاً لا بى ولا علىَّ … ماذا أعددت لها ؟
ثم انطلق إلى من خلف الراشدين ، من التابعين واستعدادهم ليوم القيامة نرى نتائج عظيمة ، نرى الإمام عبد الواحد بن زيد  العالم التقى النقى الطاهر العلم كان إذا جلس للوعظ أبكى الجميع وتكاد القلوب تتفطر من وعظه ، كان إذا قام الليل بكى طويلاً وكان يعظ نفسه فيقول : يا عبد الواحد ماذا تقول لربك غداً إذا قال لك اهتدى الناس بوعظك فماذا فعلت لنفسك ؟ وحينما جاءته الوفاة وبكت ابنته وقالت : وا غمَّاه عليك يا أبى ، قال : لا تبكى يا بنيه لا غم على أبيك يا بنيتى ، كيف يأتى الغم إلى أبيك وقد ختم القرآن فى هذه الحجرة التى يموت فيها خمسة آلاف ختمة … ماذا أعددت لها ؟
يا ابن آدم :
تأمل فى الوجود بعين فكر ترى الدنيا الدنيئة كالخيال
وأن من عليها سوف يفنى ويبقى وجه ربك ذو الجلال
ابن آدم :
ولى فى فناء الخلق أكبر عبرة لمن كان فى بحر الحقيقة راقٍ
شخوص وأشكال تروح وتغتدى فتفنى جميعا والمهيمن باق
كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم واليه ترجعون … يا ابن آدم …
يا من بدنياه انشغل وغره طول الأمل
الـمـوت يـأتى بغـتـة والقـبر صندوق الـعـمـل
غدا توفى النفوس ما كسبت ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وان أساءوا فبئس ما صنعوا
ولهذا استعد الصالحون وقدموا لنا النماذج الطيبة ، هذا هو الإمام الشافعى الإمام المجاهد لما حضرته الوفاة ودخل عليه تلميذه الربيع وسأله : كيف تجدك اليوم يا إمام ؟ ، قال : أجدنى عن الدنيا راحلاً وللإخوان مفارقاً وعلى ربى قادماً ولا أدرى أروحى صائرة إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ، ثم انشد فيقول :
ولما قسى قلبى وضاقت مذاهبى جعلت الرجا ربى لعفوك سلما
تعاظمنى ذنبـى فلمـا قرنتـه بعفوك ربى كان عفوك أعظما
هكذا اعدوا واستعدوا
فقال فيهم القائل :
رجـالٌ أقامـوا للإلـه نفوســهـم فكسا وجوههـم الوسـيـمـة نـورا
نـالـوا بـذلك فـرحـةً وسـعـادة وسعـوا فأصبح سعيهـم مشـكـورا
قـامـوا يـنـادون الإلـه بـأدمـعٍ تـجـرى فتحكـى لـؤلـؤ منثـورا
تعبـوا قليـلا فى رضـا محبوبهـم فـأراحـهـم يـوم اللـقـاء كثيـرا
ستروا وجوههم بأستار الدجى لـيـلاً فـأضـحـت فى النـهـار بـدورا
عملوا بما علموا وجادوا بالذى وجدوا فـأصـبـح حـظـهـم مـوفـورا
هكذا علمنا النبى أن نسأل أنفسنا … ماذا أعددت لها . 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...