نجاح مظاهرات “السترات الصفراء” بفرنسا يرعب عصابة الانقلاب

كتب ـ محمد آدم:
أمران أقلقا السيسي وسلطة الانقلاب هذا الأسبوع ما انعكس على تصعيد عمليات الاعتقال والتضييق على المعارضين وإصدار أحكام جماعية بالسجن والإعدام لعلها تردع المصريين وأنصار جماعة الإخوان تحديدًا عن استكمال ثورة يناير.
(الأول): نجاح مظاهرات “السترات الصفراء” في فرنسا وتحقيقها انتصارًا كاسحًا في إخضاع الرئيس “ماكرون” وتراجعه عن رفع أسعار الوقود ورفعه رواتب الموظفين، ما وضع نظام السيسي الانقلابي في مأزق وقلق من خروج الشعب ضده احتجاجًا على رفع الأسعار المتتالي، بل والاستعداد مبكرًا لذكرى ثورة يناير خشية انعكاس “السترات الصفراء” عليها، واعتقال من يرتديها ولو على فيس بوك ومنع بيعها، ما يؤكد أنه يدرك بقاء روح ثورة يناير واستمرارها وأنه ما زال يخاف منها ويخشاها وأن جذوتها ما زالت مستمرة وستعود من جديد لا محالة.
(الثاني): تأكيد تقرير لـ”معهد واشنطن” ي مصر، أن ثلث الشعب المصري لا يزال يميل إلى جماعة “الإخوان المسلمين” دون تراجع رغم الحملات الإعلامية والأمنية الواسعة، وتوقع أن تكون الشريحة المؤيدة بصورة حقيقية أكبر وأوسع؛ ما يعني أن كل ما يقوله الانقلاب عن “عنف وإرهاب” الجماعة “أكاذيب”، والاحكام والإجراءات العسكرية والسياسية التي تُتخذ ضد قادتها وانصارها “باطلة” شعبيًّا.
هذه التطورات أكدت أن هناك قلقًا شديدًا من انعكاس مظاهرات باريس التي يطلق عليها “الربيع الأوروبي” على مصر وأن يتحرك المصريون غضبًا علي رفع الأسعار، خاصةً أن هناك موجة جديدة من رفع الأسعار بعد رفع سعر الدولار الجمركي وتنفيذ مرحلة جديدة من تعليمات صندوق النقد الدولي برفع الأسعار في يونية المقبل ستكون صادمة للمصريين في ظل ثبات الرواتب، والانقلاب يرغب في ان تمر بسلام كما مرت سابقتها بدعاوى استيعاب المصريين لما يسمى “الإصلاح”، بينما السبب الحقيقي هو القمع.
 المصريون أكثر الشعوب معاناة اقتصاديًّا
وزاد من هذه المخاوف حديث صحيفة “وول ستريت جورنال “عن الضغط على الطبقة الوسطى في مصر، وأن المصريين هم أكثر من يعانون من الصعوبات الاقتصادية، مقارنةً بدول الربيع العربي الأخرى، ناهيك عن فرنسا التي قالت السترات الصفراء انهم تظاهروا لعدم قدرتهم على السفر للخارج وتبديل سياراتهم (!)، بينما لا يجد كثير من المصريين قوت يومهم ولا يركبون سيارات خاصة أصلاً ولم يخرج غالبيتهم خارج مصر!
حيث يقول تقرير “وول ستريت جورنال” إنه “في مصر وأماكن أخرى من الشرق الأوسط، هناك موجة من التقشف تزيد من صعوبات المعيشة لكثير من الناس”، ويصنع التقرير مقارنة بين الاقتصاد المصري واقتصادات عدد من دول الربيع العربي التي تشهد استقرارًا نسبيًّا، ويخلص إلى أن المصريين هم أكثر من يعانون من الصعوبات الاقتصادية، مقارنةً بتلك الدول.
وبدلاً من تهدئة المصريين أشعلت تصريحات غبية لمسئولي الانقلاب غضب الشعب حين تحدث وزراء منهم وزير البترول عن أن سعر البنزين في فرنسا 30 جنيهًا للتر وفي الأردن 27 وفي أمريكا 12 جنيهًا في محاولة لإقناع الشعب بالزيادة الثالثة المقبلة في الأسعار منتصف العام القادم 2019!.
ودفعت مظاهرات السترات الصفراء سلطة الانقلاب للتخبط؛ حيث سعت في بدايتها الي تعنيف الشعب الفرنسي؛ لأنه تظاهر والحديث عن أن الفرنسيين لم يصبروا مثل المصريين، رغم أن صمت المصريين بسبب القمع لا الرضا وغير مسموح لهم بالتظاهر أصلاً وإلا أطلقت قوات الانقلاب عليهم النار.
ولاحقًا حين أدركت سلطة الانقلاب خطورة المظاهرات، خاصةً بعدما أرغمت الرئيس “ماكرون” على التراجع وإلغاء زيادات الاسعار، بدلاً من قمعه مظاهرات شعبه ورفضه التنازل عن رفع أسعار الوقود، انتشرت حالة من الغضب والانتقادات يقودها إعلام الانقلاب بتكليفات رسمية ضد ثورة الشعب الفرنسي علي الرئيس الفرنسي لقبوله التراجع أمام الشعب!!.
ولتشوية انتفاضة باريس زعم الانقلاب في البداية عبر تقارير موجهة من المخابرات نشرتها “المصري اليوم” أن “التنظيم السري للإخوان بأوروبا” هو المسئول عن مظاهرات باريس، في محاولة غبية أخرى لتخويف الشعب من التظاهر ضد رفع الأسعار حال اندلاع هذه المظاهرات.
وكان ما نشرته صحف مصرية موالية للنظام عن دور للإخوان المسلمين في مظاهرات باريس يحتاج إلى تحليل سياسي ونفسي، فهم وإن أرادوا تشويه سمعة الإخوان وتحريض الحكومات الأوربية ضدهم فإن الكلام يتضمن معنى آخر، وهو اليقين الدفين في العقل الباطن باستمرار وجود الإخوان وقدرتهم على الحشد والحركة وهي القدرة التي تخطت الحدود المحلية إلى العالمية.
فظهر عمرو أديب يتباكى في حلقة سابقة على ضرب الشرطة الفرنسية المتظاهرين، ليقنع المشاهدين أن ضرب وقتل الشرطة المصرية للمتظاهرين أمر عادي، وسخر من صمت العالم على ضرب متظاهري باريس، بينما انتقدوا قمع متظاهري مصر، ولكنه عاد في حلقة لاحقة ليبدي انزعاجه من مظاهرات باريس بزعم أن “الشعب المصري أكثر فهمًا من الشعب الفرنسي”، في إشارة منه إلى تحمل المصريين للإجراءات الاقتصادية الصعبة التي اتخذتها سلطة الانقلاب!!.
وأظهر الانقلاب رعبه حين قال “أديب” أيضًا أن الدول لم تعد تحتمل مظاهرات وانتقد متظاهري مصر مقارنة بمتظاهري باريس، قائلاً ردًّا على البرادعي الذي أشاد بعد قتل أحد في باريس: “أحرقنا متاحف ومباحث أمن الدولة”!.
ووجه حديثه للمصريين قائلاً: إن “سعر لتر البنزين في فرنسا يبلغ 30 جنيهًا مصريّصا”، ليمهد للرفع القادم في مصر وينقل رسالة ضمنية للمشاهدين أن السعر لا يزال أرخص من باريس!! رغم الفارق المهول بين رواتب المصريين الحد الأدنى (1200 جنيه) ورواتب الفرنسيين (1200 يورو) أي حوالي 25 ألف جنيه شهريًّا بما يعادل رواتب المصريين 2000%!.
وفي تفسيرات غبية أخرى لإعلاميي الانقلاب وزعت أجهزة الانقلاب الإعلامية ورقة تعليمات موحدة نقلها عمرو أديب ومعتز عبد الفتاح تزعم أن: 15% من الفرنسيين يعيشون تحت خط الفقر كنوع من الإسقاط على مصر وأن الفرنسيين أحوالهم مثل المصريين، برغم أن أكثر من 27% من المصريين تحت خط الفقر، ومعدل الفقر بين فرنسا ومصر لا وجه للمقارنة به.
وزاد قلق الانقلاب حين بدأ النشطاء المصريون على مواقع التواصل يطرحون هاشتاج طوفان الغلاء في مصر ليقولوا: “اليوم باريس وغدا القاهرة”، و”نقدر نعمل زيهم طبعا” ما دفع الانقلاب للترصد لأي حديث عن مظاهرات أو مجرد ارتداء السترات الصفراء ولو للاستعراض وتخويف الانقلاب عبر “فيسبوك” كما حدث مع المحامي محمد رمضان الذي تم اعتقاله لأنه ارتدى هذه السترة وجرى تلفيق 3 تهم له.
وحديث القاضي وليد شرابي عن أن ثورة أصحاب السترات الصفراء في فرنسا وبلجيكا تبشر مصر بصباح قادم لأصحاب ثورة الرايات الصفراء، وأن الشعب سيغلق برلمان الانقلاب بالبراز، بحسب هيثم خليل، دفع سلطة الانقلاب لتحريك إعلامها لتشوية مظاهرات باريس وانتقاد الشعب الفرنسي؛ لأنه لم يصبر على رئيسه كما يصبر المصريون على السيسي!؟
هناك بالتالي رعب واضح من قبل سلطة الانقلاب بشأن مظاهرات باريس خاصة بعدما اتسعت وتطورت وزادت أعداد المشاركين فيها وتطورها بمطالبتها بإسقاط الرئيس الفرنسي؛ لأنه رفع أسعار الوقود؛ ما انعكس على مظاهر رعب في تعليقات “السوشيال ميديا” المحسوبة على الانقلاب وصحف وفضائيات الانقلاب والسياسيين والبرلمانيين الموالين.
وهناك سبب آخر لقلق الانقلاب من مظاهرات فرنسا واحتمالات انعكاسها على سقوط الرئيس الفرنسي أو استقالته؛ إذ إن فرنسا في عهده هي أحد أبرز ممولي سلطة الانقلاب بأسلحة قمع المتظاهرين وبرامج التجسس على المصريين؛ حيث باعت برامج تجسس لمصر وأخرى للإمارات أهدتها للسلطة الانقلاب، وقبضت باريس ثمن صمتها على جرائم الانقلاب في صورة صفقات سلاح ضخمة لا تحتاج مصر بعضها.
الخلاصة أنه برغم أن سلطة الانقلاب لا تدع مجالاً أو قطاعًا مؤثرًا في الفضاء العام إلا وتعمل على إخضاعه وإطلاق معاول السيطرة الأمنية عليه، وقمعها وقتلها المعارضين وتكديس السجون بهم وشراء أكثر الأسلحة القمعية وعربات ومدرعات وجيش وشرطة، إلا أن الخوف والقلق الدائم من ثورة قادمة يدفع الانقلاب لمزيد من القلق الذي يظهر في تصرفاته الحمقاء.
بيد أن كافة المؤشرات تؤكد أن ثورة يناير سوف تستكمل فصولها وتطيح بهذه السلطة المسخ طال الزمن أو قصر؛ لأنها سلطة لا تعمل لصالح الشعب وإنما لصالح فئة محددة من أصحاب النفوذ وجنرالات الانقلاب والنفعيين، كما أنها لا تتعلم من أخطاء الماضي بل وتعيد تكرار ومضاعفة نفس الأخطاء؛ ما يجعل مرجل البخار يغلي بصورة أسرع ويقترب من الانفجار.
x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...