بعد إلغاء التعليم التجريبي.. حلال عليكم مصر “ابلعوها” …لكن لا تأخذوننا رهائن

وبمناسبة إلغاء التعليم التجريبي.. من أجل سبوبة الجيش (المدارس الدولية) ..فقد كتبت بعد افتتاحها بأيام قليلة

مقالا بعنوان : حلال عليكم مصر “ابلعوها” …لكن لا تأخذوننا رهائن

يقف اللواء ببذته العسكرية ، يفتتح مدارس دولية، تبدأ أسعار السنة الواحدة فيها بمرحلة الروضة (التعليم ما قبل المدرسة) ما يزيد عن عشرين ألف جنيه، وتصل في مراحل دراسية عليا لأكثر من 40 ألف جنيه، إنها مدارس بدر الدولية ، الإستثمار الجديد للجيش ، والتي ستعود أرباحها بالطبع على ميزانية القوات المسلحة، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بخزينة الدولة،

للعلم ..ميزانية الجيش سرية بالكامل لا يعرف عنها أحد شيئا، توضع كرقم واحد في ميزانية مصر،

العجيب في الأمر، أن الدولة منذ اكثر من عامين دراسيين وهي تتعنت في منح الرخص للمدارس الخاصة، دون إبداء أسباب ، ثم عُرف السبب وبطل العجب ،حين تابع المصريون مراسم افتتاح الجيش لمدارسه الخاصة، وإعلانها البداية ، لاقتحامه بقوة مجال الإستثمار في التعليم.

أما الطريف: أن المدارس تقدم للطلبة المصريين تعليما بريطانيا وأمريكيا،

نفس هذا اللواء سيخرج في مساء نفس اليوم، بذات البدلة العسكرية ، هو أو أحد المتحدثين عنه ليكلم الشعب المصري عن الوطنية وحب مصر وضرورة تحمل ارتفاع الأسعار وشظف العيش وصعوبة الحياة، وعن المؤامرة الأمريكية البريطانية المهلبية على البلاد.

اللواء الذي يتقاضى راتبا فلكيا يتجاوز عشرات الألوف شهريا ، وأضعاف هذا في بعض الأحيان، وحظى بزيادات لراتبه ومعاشه بعد التقاعد أكثر من 6 مرات خلال 3 سنوات هم عمر الإنقلاب،

ومع المميزات الإضافية ، كالعلاج المجاني الفاخر في مستشفيات خاصة تابعة للجيش ، والسكن في منازل راقية في كمبوندات، وسيارات تمنح بالمجان وتتجدد باستمرار ، يعمل عليها سائق بالسخرة ،خريج أرقى الكليات ،غير العسكرية بطبيعة الحال ، قد يكون مهندسا أو طبيبا أو معلما ،لكن مهمته أثناء تجنيده الإجباري في الجيش ،هي قيادة سيارة سيادة اللواء ، أوتوصيل ابنائه للمدارس أو ربما حمل الخضار للمدام ،

ومع خدمات الدولة جميعها التي تقدم للسادة الضباط بالمجان ، من وسائل انتقال لتعليم لعلاج لسكن ، يبقى راتبه “خالصا مخلصا” لمصروفاته الشخصية هو وأسرته.

-لا يقف الأمر عند الراتب الضخم والسكن الراقي والعلاج الفاخر والنوادي الترفيهية ، بالإضافة إلى الشاليهات والأراضي والأفدنة الزارعية في أفضل مناطق مصر ، والتي تمنح له بأبخس الاثمان وسدادها على عشرات السنين، وأحيانا بدون ثمن ،

لكن أيضا لواءات الجيش وضباطه الكبار لهم أرباحهم الخاصة من مشاريع الجيش، وهي بالمناسبة معفية من كافة الضرائب والرسوم ،مع مياه وكهرباء بالمجان ، وتتمتع بالطبع بكل الصلاحيات ، تتولى الأعمال الحكومية بالأمر المباشر، بلا حاجة لمناقصات أو عروض ، وتطيح بمنافسيها وتقصيهم تماما، بالإضافة طبعا للعمالة الرخيصة ،والتي تشبه إلى حد كبير العمل بالسخرة كما كان بأزمنة العبودية القديمة، فالتجنيد في مصر إجباري على كل الشباب ، وبدلا من تعليمهم فنون القتال والحرب تصبح مهمة المجند أيا كان تعليمه الجامعي ، هو أن يقف في محطة بنزين أو سوبر ماركت أو محل جزارة أو نادي أفراح تابع للجيش، أو ربما يعمل سائق او خادم في مزارع السادة اللواءات ،

مشاريع الجيش المصري اقتحمت كل المجالات ، أي سبوبة “بلغة المصريين” تدر أموالا ، نجد الجيش “راشق” فيها ، بدء من رصف الطرق وبناء الكباري والأنفاق وتنفيذ المشاريع السكنية ، إلى التجارة والصناعة ، ومزارع الفاكهة والخضار ، والمزارع السمكية ، إلى توزيع وبيع السلع الغذائية ، ومحلات جزارة ، والمخابز ،وتوكيلات السيارات ، ومحطات البنزين ،والقرى السياحية والشاليهات ، ومصانع الكحك والبسكوت ، وصالات أفراح ، والنوادي الصحيةو الكوافيرات،

كما يمتلك الجيش المئات من الفنادق والمستشفيات ومصانع التعليب ، ولديه عشرات الآلاف من العاملين فيما لايقل عن 26 مصنعا تقوم بتصنيع السلع الإستهلاكية مثل الثلاجات والتلفزيونات والحواسيب بالإضافة إلى تصنيع عربات القطار للسكك الحديد وأيضا سيارات الإطفاء.

ليس هذا فقط ما يملكه الجيش داخل امبراطوريته الاقتصادية الضخمة فقد قام الجيش في العشر سنوات الأخيرة من حكم المخلوع “حسني مبارك” بالسيطرة علي العديد من الشركات الحكومية التي تم خصخصتها أو تعاون مع مالكيها الجدد.

أما المصانع التي بنيت أساسا بغرض تصنيع السلاح لم تعد مهمتها كذلك ،

مصنع “54 الحربي” علي سبيل المثال والذي يتم التمويه عن إسمه بإستخدام إسم بديل هو “شركة المعادي للصناعات الهندسية” لم يعد ينتج بنادق قتالية أو مدافع رشاشة بل بات “ينتج سكاكين مطبخ وشوك ومشارط ومقصات” .

و مصنع آخر هو “مصنع 63 الحربي” أو “حلوان للصناعات غير الحديدية” لم يعد لديه أي طلبات شراء خراطيش أسلحة فإتجه المصنع إلي صناعة الكابلات وحنفيات بلاستيكية لري الحدائق وأكواب الشاي البلاستيكية. أما مصنع رقم 100 أو “أبو زعبل” فلم يعد ينتج الديناميت وقذائف الدبابات فقط بل أصبح ينتج الأسمدة ومستحضرات التجميل بينما لم يكتف “مصنع رقم 360” أو شركة “حلوان للأجهزة المعدنية” بصناعة أغطية الألغام بل بدأ في تصنيع الثلاجات والتكييفات.

أضف لكل ما سبق ، وهو الأهم والأخطر ، هو سيطرة الجيش على موارد وكنوز وخيرات مصر بالكامل، بدء من أراضيها سواء على السواحل أو الحدود أو في الصحراء -لا يمكن ابدا الحصول على قطعة أرض سوى بإذن من الجيش- إلى إدارة المناجم والمحاجر وحقول الغاز وآبار البترول ،ثروات طبيعية تمتلكها مصر، ولا نعلم عنها شيئا ، ولا كيف يتم توزيع أموالها وأرباحها، وما يدخل منها ميزانية الدولة المصرية أو ما يدخل منها ميزانية دولة الجيش الشقيقة.

ولأن كل شيء يتعلق بأموال الجيش يعتبره الجنرالات سرا من أسرار الأمن القومي ، محظور تداوله ، فلا نعلم بالضبط حجم تلك الإمبراطورية المهولة، إلا أن بعض الدراسات التي وضعت قبل ثورة يناير قدرت ما يسيطر عليه الجيش المصري بأكثر من 60% من إقتصاد مصر.

أما الآن ، فلم نعد نعرف بالضبط كم يبلغ، خاصة بعد إستيلاء الجيش شبه الكامل على مؤسسات الدولة، واختتمت منذ أيام قليلة بالسيطرة على منظومة الخبز والتموين ، وضمها لوزارة الإنتاج الحربي بل وإسناد مهمة شراء واستيراد المعدات والمستلزمات الطبية والأدوية(بالأمر المباشر) للجيش بدلا من وزارة الصحة وهيئات الدواء،

سياسات عجيبة اتبعها الجيش وجنرالاته منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 وإلى الآن ، لا يمكننا وصفها ، سوى بأنها عملية ابتلاع كامل وحرفي لكل شيء على أرض مصر،

ابتلاع لحكم مصر وخيرات مصر وموارد مصر ، والأدهى والأمر أنهم يستخدمون السلاح الذي تشتريه الدولة المصرية من ميزانيتها وليست ميزانية الجيش، أي أنه من أموالي وأموالك وأموال كل مواطن يعيش على أرض مصر وخارجها وتستنزفه الدولة منه بالضرائب والجبايات ، يستخدمونه في الدفاع عن مصالحهم الشخصية البحتة ، وإقتصادهم الذي التهم كل شيء.

قد يوافق الشعب المصري على أن تسرقونه وتسرقوا أمواله وثرواته ،لتنتفخ كروشكم وتتضخم ثرواتكم ، لكنه لن يقبل ابدا أن يكون عبدا لكم ، ولا بأن تستبيحوا دمائه وأعراضه، أو تصادروا حرياته ، وتلقون بخيرة شبابه وصفوة ابنائه في غيابات السجون إذا اعترض على سياسات حكمكم الفاشلة ،و التي جعلت من مصر في 60 عاما -هي فترة حكمكم المشئوم- أكثر دول العالم بؤسا وجهلا وفسادا وأمراضا وحوادثا،
بل وفقدت معه مصر ،دورها القيادي والحضاري وثقلها السياسي في المنطقة ، بعد أن كانت تتزعم أمتها العربية والإسلامية،

ابلعوا الدولة وخيرات الدولة وثروات الدولة، ابلعوها كلها ، لكن لا تأخذوننا معها رهائن.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...