لماذا “إسرائيل” ليست مشكلة، والإخوان مشكلة؟!

بقلم الكاتب الفلسطيني: ساري عرابي

(1)
“في محادثة واسعة وشاملة، اعترف الأمير محمد بن سلمان أيضا بحق اليهود في أرضهم”، مجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية هي التي وضعت ذلك السطر عنوانا فرعيا لمحاورتها مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

على الأقل هذا هو الانطباع الذي خرج به جيفري جولدبيرغ محاور الأمير محمد بن سلمان، وارتضته هيئة تحرير المجلة عنوانا لتلك المحادثة.

لم نعد بحاجة طبعا للاعتذار المسبق بالقول، إن المجلة وحدها المسؤولة عن عناوينها، أو استنتاجاتها من محاورتها مع الأمير، بل نحن الآن، نسلم أن هذا المعنى هو الذي قصده الأمير حرفيّا، سواء من قوله: “أعتقد عموما أن كل شعب، في أي مكان، له الحق في العيش في بلده المسالم. أعتقد أن الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق في امتلاك أرضهم الخاصة”، أو من مجرد انطباع هيئة تحرير المجلة، التي على الأغلب بَنَتْ استنتاجاتها من جملة محاورتها مع الأمير المنشورة وغير المنشورة.

لماذا علينا أن نسلّم بأن هذا هو المعنى الذي قصده الأمير، أي أنّ قبول الأمير لـ”إسرائيل” لا يتعلق فحسب بحكم الأمر الواقع، وموازين القوى، وممكنات العرب، وما يفرضه النظام الدولي، إنما يتبنى بالإضافة إلى ذلك الرواية الاستعمارية الصهيونية التي تدعي حقا تاريخيا لليهود في فلسطين؟!

لماذا نسلّم بذلك، دون أي تقييد، بأن هذا هو قول المجلة واستنتاجها؟! ببساطة لأن الإعلام السعودي الذي يتبع الأمير، ويتولى مهمة الترويج للأمير، وإعادة صياغة أقواله ومواقفه بما يناسب السعوديين والعرب، هذا الإعلام قد تبنى تماما وحرفيا نص المجلة المرقوم في العنوان الفرعي المشار إليه أعلاه!

صحيفة “سبق” السعودية، المقربة من الأمير وسياساته، نشرت في مفتتح خبر صاغه الصحفي محمد حضاض، ما يلي: “أجاب سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الحوار الذي أجرته معه مجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية، عن حق الشعب اليهودي في أن يكون له دولة قومية في جزء من موطن أجداده”، دون أيّ محاولة لإعادة تقديم إجابة الأمير بما ينفي عنوان المجلة واستنتاجها. والطرافة هنا من جانبين.

أولا، أن الصياغة الإعلامية السعودية خطيرة لأنها اختارت لا العنوان الفرعي المشار إليه في “ذا أتلانتيك”، وإنما صيغة السؤال في نصّ المحاورة.

وطالما أنّها لم تقيّد النص بتعقيب أو استدراك منها على فهم المجلة الأمريكية، فإنّها لا تتبنى الرواية الاستعمارية الصهيونية عن الحقّ التاريخي لليهود في فلسطين فحسب، ولكنها بالإضافة إلى ذلك، تجعلنا نحن الفلسطينيين ضيوفًا عند الصهاينة، يمنّ علينا الصهاينة بجزء من “أرض أجدادهم” كي نعيش عليه، تفضلاً منهم، ونقيم عليه دولتنا، كرمًا منهم!

ثانيًا، أن الخبر الذي جعلته صحيفة “سبق” موضوعا لتصريحات الأمير هذه، وضعت له هذا العنوان “كيف علّق الأمير محمد بن سلمان عن مخاوفه على المسجد الأقصى؟”.

وكان الأمير قد صاغ مخاوفه على النحو التالي: “أؤكد أن لدينا مخاوف دينية حول مصير المسجد الأقصى في القدس، وحول حقوق الشعب الفلسطيني”.

المشكلة أن الأمير كان قد سلّم بالرواية الاستعمارية الصهيونية بخصوص فلسطين، وهي رواية تشمل القدس وتشمل المسجد الأقصى، وهذا بالضرورة يمسّ الرواية الإسلامية بخصوص المسجد الأقصى!

(علينا أن نتذكر الآن كل المثقفين العرب الذين خرجوا علينا في السنوات الأخير للتشكيك في الرواية الإسلامية حول المسجد الأقصى ووجوده في فلسطين).

جيفري جولدبيرغ، كان متنبها للجانب الفريد في تصريحات الأمير محمد بن سلمان، وما يميّزه عن غيره من الحكام العرب الذي قبلوا بوجود “إسرائيل”.

فعبّر عن ذلك بما نقله عن دنيس روس المبعوث الأمريكي السابق للسلام في الشرق الأوسط، حينما قال: “إن القادة المعتدلين العرب وإن اعترفوا بالوجود الواقعي لإسرائيل، فإنّهم لم يتحدثوا أبدا عن الحقّ اليهودي في أرض الأجداد واعتبروا ذلك دائما خطا أحمر”.

(2)

نحن إذن إزاء حالة غير مسبوقة لدى الحكام العرب، لا تكتفي بالتخلي عن فلسطين تحت مبررات الممكنات وموازين القوى، وإنما تضيف إلى ذلك تبنيها الرواية الاستعمارية الصهيونية، وطالما أنّها تبنّت الرواية الاستعمارية الصهيونية، فإنّها لا ترى في “إسرائيل” أيّ قدر من الشرّ.

فهي في النهاية تدافع عن “أرض الأجداد” وترسّخ “تاريخ الأجداد”، فأين هو الشرّ بالنسبة للأمير محمد بن سلمان؟

يتلخص الشر لدى الأمير في ثلاث قوى، هي إيران، وجماعة الإخوان المسلمين، والجماعات “السنّية الإرهابية”، أمّا “إسرائيل” فليست من هذا المثلث كما هو واضح، وطالما أن الشرق الأوسط ينقسم بحسب الأمير إلى محورين.

الأول مثلّث الشر الذي تشكّله القوى الثلاث سالفة الذكر، فهذا بالضرورة يعني أن “إسرائيل” جزء من المحور المقابل الذي يضمّ السعودية أيضًا، لكن يبقى السؤال، إن كانت إيران في حالة توسّع إقليمي يخيف السعودية، وكانت الجماعات “السنية الإرهابية” قد نفّذت عمليات داخل السعودية، فما مشكلة الأمير مع الإخوان المسلمين؟!

تحدّث الأمير عن مشكلتين في الإخوان المسلمين، الأولى سعيها لإقامة إمبراطورية إسلامية، وهي في سبيل هذا المسعى –بحسب الأمير- “تُضلّل” المسلمين حينما تجعل واجبهم منوطا بإقامة هذه الإمبراطورية وكذلك كرامتهم.

أما مشكلتها الثانية فهي استخدامها النظام الديمقراطي لإقامة خلافة ظلّ في كل مكان، ثم لإقامة إمبراطورية حقيقية.

بصرف النظر عن المغالطات في كلام الأمير، فقد اعترف في المقابلة نفسها أن الإسلام اضطر للقتال في بعض الأماكن في العالم لنشر رسالته حينما مُنِعَ من نشرها بالكلمة والموعظة الحسنة.

لكنه يقول إننا لا نحتاج للقتال الآن لنشر رسالة الإسلام.

حسنًا هذه مغالطة، فالتاريخ، وطبائع الصراع فيه، لا تلغي إمكان، أو ضرورة، وجود قوّة عظمى للمسلمين، تحميهم، والأمير يقرّ بأنّ هذا قد حصل فعلا، فما المشكلة في تكراره؟!

من ناحية، يبيع الأمير للغرب الخوف من قيام إمبراطورية إسلامية، إنّه بشكل مباشر يقول للغربيين، نحن الذين نمنع قيام قوّة محترمة للمسلمين، إن قيام أي قوة محترمة للمسلمين من شأنها أن تهدّد هيمنتكم على العالم، ومن هذه الجهة يربط الأمير بين إيران والإخوان المسلمين والجماعات “السنّية الإرهابية”.

وكأنّه يقول لهم بكلمة أخرى، نحن أصحاب دور وظيفي ونحميكم من كل هؤلاء ومن مشاريعهم المستقبلية، إنّكم إن تخليتم عنّا ستدفعون أنتم الثمن، إنني أذهب إلى أكثر مما ذهب إليه أسلافي، لن أبقي مجالا لهذه الجماعات، وسأجتثها من جذورها!

من ناحية أخرى، يحذّر الأمير من التأسيس لديمقراطيات عربية، بأن الديمقراطية في العالم العربي، ستأتي للغرب بإمبراطورية إسلامية، هكذا يخوّف الأمير الغربيين، ويعرض عليهم خدامته في منع أيّ صعود إسلامي.

والمهم المباشر بالنسبة للأمير أن نموذج الحكم الديمقراطي يُنازِع نموذج الحكم المطلق الذي لولاه لم يصل الأمير للحكم، ولولاه أساسا ما كان أميرا.

والخلاصة، أن الأمير يَعِدُ عالمنا العربي بالاستبداد المطلق، فالديمقراطية مخيفة له، ومحاربتها مما يبيعه للغرب لضمان دعمه في الحكم، وكذلك الذي يشتري حكمه برضا الغرب ودغدغة مخاوفه (الخوف من إمبراطورية إسلامية) ودغدغة شهواته (الاعتراف بحق اليهود في فلسطين) لا يمكنه أن يبني التنمية الموعودة، لأنّ كل شيء منوط برضا الغربيين!

بطبيعة الحال، هذه ليست أفكارا خاصة بالأمير، فهو لم يُعرَف من قبل بامتلاك تصورات فكرية حول أيّ من الموضوعات التي يطرحها الآن، ولا حتى في بداية حكمه، إنما هي أفكار تمليها ضرورات التحالف مع بوابات القرار الأمريكي، وهي ضرورات تستدعي مستشارين على مقاس تلك البوابات.

باختصار، يبيع الأمير الغرب التخويف من “إمبراطورية الإخوان المسلمين المحتملة”، ويبيعهم “دعم الحقّ اليهودي في فلسطين”، ويقول لهم: نحن نفعل لكم ما تريدون، فلا تتخلّوا عنّا، نحن الذين لا نحمي مصالحكم الراهنة فحسب بل نحمي مستقبلكم أيضا، وإنّكم لن تجدوا من يفعل لكم هذا مثلي، لا بين أسلافي ولا فيمن يأتي من بعدي!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...