هل بلع العسكر الاقتصاد في “كروشهم” أم اكتفوا بـ3%؟

“الجيش لا يملك سوى 3% فقط من الاقتصاد المصري”، لا يمل ولا يكل السفيه قائد الانقلاب من ترديد أكاذيبه ليل نهار، بل إن المصيبة الكبرى أن يكون هو نفسه صدق تلك الأكاذيب التي اخترعها ولا تكاد تنطلي على عقل طفل صغير يلعق مصاصة تحت بلكونة في أحد شوارع القاهرة، ومثل عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، فإن السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي هو أحدث هدية من العسكر للمصريين.

ولم تكن الجرائم المروعة التي قام بها العسكر في مصر، منذ انقلاب 30 يونيو على الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، سوى بعض الجرائم التي يقوم بها الجيش ضد المصريين، وبوضوح فإن الجيش الذي يجب أن يكون واجبه الأساسي حماية مصر من جميع الأعداء، يتهم بالاستفادة من المليارات من الدولارات بسبب الهيمنة الاقتصادية التي لا يستطيع كثير من الناس تفهمها.

ويعيش الكثير من قادة الجيش في مستوى رفاهية عالية مستغلين اقتصاد البلاد، بينما يعيش عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر أو فوقه بقليل.

 

أسرار اللعبة

رغم أن الدعم المالي الخليجي لقادة الانقلاب، منذ اعتقال الرئيس مرسي، بلغ أكثر من 33 مليار دولار، حسب مراقبين، لا تزال مصر تعاني اقتصاديا على المستويين الرسمي والشعبي، وتساءل خبراء عن مصادر إنفاق هذا الدعم وعدم شعور المصريين به.

وقد وصل تدخل الجيش المصري في المجال الاقتصادي إلى مستويات غير مسبوقة، تصاعدت وتيرتها تدريجياً في أواخر عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ثم أخذت تتسارع مع تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة شئون الحكم في البلاد، حتى وصلت إلى أعلى مستوياتها في عهد السفيه السيسي، بعد الانقلاب العسكري الذي نفذه ضد الرئيس المنتخب ديمقراطياً، محمد مرسي.

في مؤسسة للجيش، تعد الأسرار هي أساس اللعبة: فميزانية الجيش لا تخضع للتدقيق ولا تخضع للضريبة، وتتراوح تقديرات مؤسسة الجيش لنفوذها الاقتصادي بنحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني ولكنها تصل في الحقيقة إلى 40%.

ومن خلال الاستماع إلى السفيه السيسي فإن هذا الرقم هو أقرب إلى 1.5%، وإذا كانت نسبة 1.5 في المائة صحيحة، فإن الميزانية ستتراوح ما بين 20 إلى 30 مليار جنيه مصري (1.66 مليار دولار – 2.77 مليار دولار)، استنادا إلى إجمالي الناتج المحلي للعام 2015-2016.

ومع ذلك، خلال تلك السنة، تعاقدت مصر مع ألمانيا لشراء أربع غواصات هجومية، وتفيد التقارير بأن ثمن اثنتين فقط منها أكثر بقليل من مليار دولار، وهو ما يفند ادعاءات السفيه السيسي، الذي يزعم أنه من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد لا بد أن يضمن سيطرة القوات المسلحة على الاقتصاد، وذلك من أجل الحصول على دعمها السياسي ومكافأتها على ما يعتقد بعمق أنها كفاءة لا مثيل لها.

وعلى الرغم من أن السفيه السيسي هو المسئول عن تدمير الاقتصاد، فقد أوضح أن القادة السابقين، الذين يفتقرون إلى الشجاعة قد فشلوا في إجراء الإصلاحات الضرورية، وهم من يجب أن يلقى عليهم اللوم، ومع استمرار الانهيار الاقتصادي، بلغ معدل التضخم 30.9% للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود، ولكن إذا كان المسئول رقم واحد وراء الجرائم الاقتصادية في مصر هو السفيه السيسي، فإن المشتبه الثاني هو الجيش.

 

رشوة العسكر

يدرك السفيه السيسي تماما عواقب ما فعله خلال السنوات الماضية بمنظومة الاقتصاد, ويدرك كذلك أثر إجراءاته على ملايين المصريين، لكنه يعلم تماما أن الدعم المالي لجنرالاته عامل مهم من عوامل استمراره في الحكم ولو كلفه رضاء الناس، السفيه السيسي زاد من المجالات الاقتصادية المحتكرة من قبل الجيش فدخل به مجال صناعة الأدوية والاتجار في المستلزمات الطبية وجعله كفيلا لمجال العقارات يبني المشروعات بنفسه أو يكفل شركات العقارات المدنية ليتربح من السمسرة.

من جانبه، أكد الباحث المتخصص في الشئون العسكرية، عبد المعز الشرقاوي، أن السفيه السيسي نجح خلال السنوات الخمس الماضية في توجيه الجيش إلى سياسة المصالح المتبادلة، فهو فعل كل شيء من أجل الحصول على ولاء الجيش له، وربط مصير بعضهما ببعض.

ويضيف الشرقاوي في تصريحات صحفية، أن السيسي قدم أيضا للجيش الكثير من المكاسب الاقتصادية، بدءا من تحصين ميزانيته في دستور 2014، بما يضمن عدم مراقبتها، مثلما كان الوضع في عهد مبارك، وهو ما كان يمثل خلافا كبيرا بين الجيش والإخوان في الجمعية التأسيسية التي أعدت دستور 2012، وأخيرا تسليم الجيش مفاتيح الاقتصاد المصري بكل مشتملاته، حتى أصبح اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية العسكرية، هو رئيس الحكومة الفعلي في مصر، بعد أن أصبحت بيده مفاتيح كل مجالات الاقتصاد.

ويرى الشرقاوي أن “هدف السيسي ومعه المجلس العسكري من وراء ذلك هو إيصال رسالة للجيش، خاصة قياداته، بأن مكاسبهم في ظل وجوده أفضل وأحسن؛ لأن هذه المشروعات ذات التكلفة الاقتصادية المحدودة ذات مكاسب مالية كبيرة، وهذه المكاسب يتم ترجمتها إلى بدلات ومكافآت للقيادات، وبالتالي هذا يجعل دفاعهم عن مصالحهم ومكاسبهم ليس له حد، وعلى حساب كل شيء”.

ولم ينف الشرقاوي أن السفيه السيسي “استغل انغماس الجيش في المشروعات الاقتصادية لدعمه في الانتخابات الرئاسية، بل إنه زاد على ذلك بأن جعل الجيش هو نفسه المرشح في الانتخابات، وأن السيسي يمثله فقط، وبالتالي فهو بهذا المنطق ضمن دعما غير محدود له في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية، وأصبحت المشروعات التي يقوم بها الجيش جزءا من الحملة الانتخابية له؛ باعتباره صاحب الإنجاز الأصلي”.

ونشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرا للكاتب عمرو خليفة، يقول فيه “إنه في الوقت الذي يستنزف فيه الكثيرون في الجيش المصري اقتصاد البلد، فإن الملايين من المصريين يعانون من الفقر”، مشيرا إلى أن هذا الجيش هو لخدمة الجيش وليس للشعب”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...