بئر الخيانة.. المحكمة الدستورية راقصة على موائد العسكر

قد يُفاجأ الكثيرون أن المحكمة الدستورية، وهى أعلى محكمة فى مصر، ليست جزءًا طبيعيًا من القضاء المصري، بمعنى أنها ليست محكمة مُشكَّلة بالشكل الطبيعي التي تتشكل بها المحاكم فى منظومة القضاء المصري، بل كانت أشبه بلجنة شكلها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ووضعها فوق القضاء، وقد أكد ذلك محكمة النقض عام 1974، والجمعية العمومية الطارئة لنادي القضاة، والجمعية العمومية لمجلس الدولة، ثم مؤتمر نادى القضاة عام 1979، ثم مؤتمر العدالة الأول 1986.

ويرى بعض المراقبين أنه كان ينبغي حل المحكمة الدستورية العليا، أقوى ذراع للعسكر بعد تولي الرئيس محمد مرسي الحكم في انتخابات 2012، إذ أن الأعراف الدولية تقول بتعطيل المحكمة الدستورية في مرحلة التأسيس للدستور.

وأصدرت “العليا”، اليوم السبت، حكمًا بعدم الاعتداد بجميع الأحكام السابق صدورها من مجلس الدولة ومحكمة الأمور المستعجلة ضد التفريط في جزيرتي «تيران وصنافير» المصريتين، في سابقة هي الأولى من نوعها لصالح خيانة العسكر!.

ويعني الحكم بشكل مباشر استمرار تطبيق اتفاقية الخيانة التى أبرمت فى 8 أبريل 2016، ووقع عليها قائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسى فى 29 ديسمبر 2016، وصدق عليها برلمان الدم فى 14 يونيو 2017، ونشرت فى الجريدة الرسمية فى 17 أغسطس 2017 لتدخل حيز التنفيذ.

ويعود المصريون بالذاكرة بضع سنوات إلى اليوم الذي سعت فيه “العليا” لتعطيل دستور 2012، وحاولت في الجلسة الانقلابية التي عقدتها بتاريخ 2 ديسمبر 2012، تعطيل الدستور وسحب صلاحيات الرئيس مرسي بشكل كامل، وإعادة المجلس العسكري للحكم، لكن الحكومة في ذلك الوقت نجحت في إفشال المؤامرة، حيث عمدت لتسليم الرئيس مرسي نص الدستور قبل اجتماع المحكمة، وبذلك لم تعد قرارات المحكمة ذات قيمة.

ويقول أحد المراقبين: “محكمة الخيانة العليا المسماة بالدستورية في وطننا المنكوب مصر، أقرت بيع الجزر للسعودية واجهة الصهاينة، هل نذكر حين حصّن الرئيس مرسي- فك الله أسره- اللجنة التأسيسية من الحل ضد أحكام الدستورية، وخرجت طائفة الثائر البغل بقيادة حمدين والبرادعي وغيرهما، وقالوا القضاء وأحكام القضاء ومرسي عايز يبقى إله”.

راقصة العسكر!

من جانبه أكد الدكتور محمد محسوب، وزير الشئون القانونية أثناء حكم الرئيس محمد مرسي، أن المجلس العسكري استخدم المحكمة الدستورية العليا للتآمر على الجمعية التأسيسية التي كُلفت بوضع دستور عام 2012، وقال إنه رغم كل الضغوط التي تعرضت لها اللجنة أثناء عملها، استطاعت أن تخرج بدستور حصل فيه العسكر والمحكمة الدستورية على امتيازات أقل بكثير من تلك التي كانت تمنحهم إياها الدساتير القديمة، على حساب حقوق الشعب.

وأوضح محسوب أن دستور 2012 لم يكن به “عسكرة” كسابقيه، مشيرا إلى أن هذا الدستور حدد ميزانية القوات المسلحة، واشترط في أحد بنوده أن تناقش أمام لجنة خاصة في البرلمان، على عكس ما كان معمولا به بالسابق، حيث كانت ميزانية القوات المسلحة مفتوحة وسرية، كما عمل الدستور على تقييد مشاركة القوات المسلحة في العمل السياسي.

وفسر محسوب الحرب التي شنتها المحكمة الدستورية العليا ضد دستور 2012، بأن جوهر التحول الديمقراطي هو تحول دستوري، سيعمل على توزيع الثروة التي يسيطر عليها 5% فقط من الشعب المصري بشكل عادل بين مكونات الشعب، ولذلك وقفت الدستورية العليا- ومن خلفها العسكر- الذين تضرهم ديمقراطية وعدالة دستور ثورة يناير.

توحش المحكمة

يقول السياسي حاتم عزام: “كنت قد أعددت مشروع قانون لتعديل قانون المحكمة الدستورية العليا بالبرلمان، بعد أن أقررنا مشروع قانون انتخابات الرئاسة، حتى نضمن استقلاليتها وعدم تبعيتها لرئيس الدولة كى لا يؤسس للاستبداد باسم القضاء، وأن تكون ضمن منظومة القضاء الطبيعي فى مصر”.

مضيفا: “لكنني نُصحت من كثيرين وزملاء بالبرلمان أثق فى رأيهم ووطنيتهم ألا أفتح هذه المعركة حاليا، وأن يكون هذا التعديل المقترح الذي أعددته لقانون تشكيل وعمل المحكمة الدستورية ضمن قانون موحد لإصلاح السلطة القضائية، والذي تعطل بعدها ولم يصدر، وبالتالي لم يصدر تعديلى المقترح.. وأنا هنا أعتذر لكم إن كنت قد أخطأت باستجابتي لهذه النصيحة”.

وفي مفاجأة، دافع أحد كبار خبراء القانون الدستوري في جامعة هارفارد الأمريكية العريقة، عن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي، وأعلنت الدستورية الحرب عليه في 2012، واعتبر أنه كان المنقذ وقتها للديمقراطية الوليدة، ونفى أن تمثل هذه الخطوة أي توجه نحو الديكتاتورية.

وأكد البروفيسور الأمريكي نوا فيلدمان، أستاذ القانون الدستوري والدولي في جامعة هارفارد الأمريكية، أنه منذ سقوط حكم مبارك وصعود الإخوان المسلمين للسلطة؛ حاولت المحكمة الدستورية بشتى الطرق تقييد الحكومة، مدعية في البداية بأن الدافع هو الاستجابة لنبض الشارع، ولكنها سرعان ما انحدرت إلى شراكة مع المجلس العسكري مناهضة للديمقراطية.

وأضاف أن جهود المحكمة المناهضة للديمقراطية توجت عندما تمكنت من حل البرلمان المنتخب شعبيًّا، لتخرج بعدها أحد قضاة المحكمة الدستورية – تهاني الجبالي- وتعترف في حوار صحفي أن المحكمة كانت تساند المجلس العسكري طوال الوقت، وكانت أحكامها معدة مسبقًا ضد البرلمان منذ لحظة بدء الانتخابات.

وأكد فليدمان أن لديه سببًا جيدًا للاعتقاد بأن المحكمة الدستورية كانت تستعد لحل الجمعية التأسيسية تمامًا كما فعلت مع البرلمان المنتخب، مشيرًا إلى أن ذلك كان سيكون خطوة أخرى في طريق إبطال الانتخابات الرئاسية وإعلان انقلاب دستوري ضد مرسي كان سيسبق انقلاب 30 يونيو 2013.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...