هل يبقى الحال على ما هو عليه؟!

هو واحدٌ من المهمومين بأمر البلاد والعباد، الموالين للشرعية، الواعين لما يُحاك للوطن والدين، متابع جيد للأحداث؛ كبيرها وصغيرها، وهذا ما يسبب له التوتر والغضب حتى صارت صفة لصيقة بشخصه، وتبع ذلك -مؤخرًا- يأس من التغيير، واستبعاد أن تحدث انفراجة أو إصلاح على الساحة السياسية، وقد واجهنى ذات يوم محتدًا:

– سوف يبقى الحال على ما هو عليه، يحكمنا العسكر ويقتلوننا، ويجعلوننا فى مؤخرة الأمم عشرات السنين، بل ربما عاشت أجيال وماتت وهم على ذلك..

– قلت: هذا لن يكون، وحكمك على الأمور وأنت على تلك الحال من الكآبة غير سليم؛ فلتتحرر أولاً من هذا اليأس، ثم قس الأمور بأماراتها..

– هو: وما تلك الأمارات، وقد سيطروا على البلد سيطرة تامة، وأخضعوا الكبير والصغير، واستولوا على الفتيل والقطمير، ولا صوت يعلو صوتهم، وليس فى المحروسة قوة باستطاعتها مواجهتهم..

– قلت: ما أسهل أن تستولى عصابة من ثلاثة أو أربعة أفراد على شارع أو شارعين يسكنهما مئات الأشخاص، وقد يفرضون عليهم حظر التجوال، وقد يستولون على جميع ما يملكون، ولا تستبعد أن يهتكوا الأعراض ويرتكبوا المحرمات، فهل هذا يعنى أن الحال سيبقى على ما هو عليه؟!

يا أخى! مصر الآن تخضع لعملية سطو مسلح، تقوم بها عصابة كبيرة مقارنة بالعصابة التى استولت على شارع أو شارعين، ومحال أن تستمر هذه العملية أكثر مما مضى؛ لأسباب عديدة على رأسها القانون الأزلى للكون، وهو أن الزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث فى الأرض؛ أى يعمرها ويسعد أهلها ويستمر جل الوقت، والأيام دول؛ فيوم للباطل وألف يوم للحق، وتعلم أيضًا أن دوام الحال من المحال (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) [البقرة: 251].

هو: هذه كلها أمنيات وأحلام لا تمت للواقع بشىء..

قلت: بل هى الواقع نفسه، وهذا دينٌ ومعتقد، وهو صدق، أما الأمنيات والأحلام فهى أقوالك أنت وأفعالك؛ من العجلة واليأس، والانصراف عن الجهاد، والرغبة فى القعود والدَعة بعيدًا عن الهموم و«وجع القلب»؛ فلا تظن يا صديقى أن هذا الخصم سيسلم بسهولة، أو أنه سوف يرتدع من أول هزيمة -وما أكثر هزائمه التى قد تغيب عنك لظروفك النفسية- بل سوف يصبر على باطله كثيرًا، وسيحاول إلحاق أكبر الضرر بك وبمن معك، وفى سبيل ذلك سوف يدوس على الدين والأخلاق، ويدمر الأعراف والقيم، وسوف يبثون اليأس فى قلبك وقلوب أمثالك من التغيير، وهذا جزء من المعركة؛ فلتحذر يا صديقى ما يبيت لنا، ولتفق من عزلتك التى صنعتها حول ذاتك..

– هو: ما المطلوب إذًا؟

قلت: مطلوب أن تكلف نفسك بشىء يفتّ فى عضد القوم، ويُلقى فى قلوبهم الرعب، ويقنطهم من البقاء، وكلٌ على قدر طاقته، والجهاد أرضه واسعة؛ منه جهاد اللسان والكلمة، ونشر الوعى، وبث الأمل فى النفوس، وتسفيه الباطل وأهله، والأهم: طول النفس، ولا يكون ذلك إلا بحسن اليقين فى الله، والثقة فى نصره، فإنه يربط على القلوب، ويمنحك الثبات والقوة، ويجعلك مشعل هداية للباحثين عن الحق، أو نجمًا هاديًا للضالين طريقه، وما أكثرهم، لا أن تكون معول هدم فى بناء الحق، ولتعلم أن هذا البناء الخالد لن ينهدم؛ فقد قيد الله له من يشيدون صروحه، وخير لك أن تلحق بهم؛ فلا تكن من المخلفين..

هو: ما لى أراك متفائلاً رغم عتامة الصورة؟

قلت: من كان يؤمن أنه على الحق فلا يحق له أن ييأس، وكيف ييأس والله معه، ومن كان الله معهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون؛ ولأنى نظرت فى كتاب الله وفى سير الرسل وسيرة المصطفى الخاتم وتاريخ أصحابه وأتباعه، فما وجدت إلا أن الله يحق الحق بكلماته ويذهب كيد المجرمين، وما رأيت سوى صورة الباطل المدحور فى نهاية كل معركة له مع الحق، ورأيت أهل الحق دومًا هم الأعزاء الأكرمين.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...