عملية إسقاط النجم الساطع

بقلم: وائل قنديل
عاد عبد الفتاح السيسي من باريس منتشيا بدفء لقائه بالرئيس الفرنسي، ماكرون، الذي قرّر أن يضحي بموضوع حقوق الإنسان، استثماراً في زيارة الضيف صاحب السجل المتخم بالانتهاكات التي يزعم ساكن الأليزيه أنه ضدها.
ماكرون صاحب نظرية في الحكم المدني تقول “إذا نشب خلاف بين رئيس الجمهورية وقائد أركان الجيش، فليرحل الأخير”، ويبدو أن السيسي المنبهر بالرئيس الفرنسي الشاب، كما عبرت عن ذلك صوره وهو يضحك في هستيريا، عاد مسكونا بالقاعدة الماكرونية، فكان أول قراراته عزل رئيس أركانه، صهره الفريق محمود حجازي، من دون مقدماتٍ يمكن أن نفهم منها طبيعة الخلاف الذي أفضى إلى العزل.
تصلح صفحة المتحدث العسكري المصري في “فيسبوك” لمحاولة التعرّف على ملامح الصورة، ولو كنت من متابعي هذه الصفحة، بدقة، طوال الأشهر الماضية، لوجدت أن رئيس أركان الجيش المصري كان أكثر بروزاً، وأكثر حصولاً على الأضواء، في تغطيات الصفحة، بحيث كان يبدو كأنه الرجل الأول، وليس وزير الدفاع، المحصّن دستورياً ضد العزل.
تجد ذلك في كمية الأخبار المنشورة، وتجده في نوعيتها، وتلمسه كذلك في جودة الصور المنشورة ونقائها، بالنظر إلى الاستخدام المفرط في عمليات الفلترة الفنية التي تظهر رئيس الأركان أكثر لمعاناً من وزير الدفاع.
يلفت النظر، كذلك، أن الأخبار المنشورة عن رئيس الأركان تبيّن، إلى حد كبير، أنه المعني، قبل وزير الدفاع، باللقاءات الأكبر والأهم على صعيد العلاقات العسكرية الدولية، وبالأخص الأميركية والأوروبية، فهو النجم البارز في استقبالات ومباحثات “النجم الساطع”، مع القيادات العسكرية الأميركية، على مستوى قيادة المنطقة المركزية الأميركية، والبنتاغون، بحيث كان يبدو وكأنه العنصر الأهم في تحديد مسار علاقات القاهرة وواشنطن عسكرياً، ما يجعل قرار إبعاده، فور عودته من الولايات المتحدة، أمراً مثيراً وملفتاً.
ولو عدت إلى الوراء، على بعد أكثر من ست سنوات، ستكتشف أن اللواء محمود حجازي، قائد المنطقة المركزية، إبّان ثورة يناير 2011 إلى جانب اللواء محمد العصار، الذي كان يوصف بأنه مهندس العلاقات العسكرية مع واشنطن في ذلك الوقت، ومعهما اللواء عبد الفتاح السيسي، مدير المخابرات الحربية، كانوا يشكلون أضلاع المثلث الأهم في هيراركية الحكم العسكري، بقيادة المشير حسين طنطاوي، والفريق سامي عنان، مع ملاحظة أن ثلاثي اللواءات كان الأكثر اقتراباً من أحداث الحراك الثوري اليومي، وتفاعلات الشارع، ومعادلات العلاقة الملتبسة بين الجيش والشعب.
ومبكراً للغاية، عقب عزل حسني مبارك، كان الحوار بين المؤسسة العسكرية والقوى السياسية والحركات الثورية يتم عبر هؤلاء الثلاثة، بما جعلهم الأقرب إلى معترك الحياة السياسية، وكانت الإطلالة الأولى للمجلس العسكري، عبر القنوات التلفزيونية الخاصة، تشمل العصار وحجازي، فيما بقي السيسي في موقعه مسؤولا عن ضبط إيقاع الميادين والشوارع الهادرة بالغضب، وراوياً حكاية العلاقة بين الجيش والثورة، في كل اللقاءات الضيقة المغلقة التي كان يدعو لها المجلس العسكرية شخصيات سياسية وإعلامية وثورية، في الشهرين التاليين لخلع مبارك من السلطة. وكنت شاهداً على واحد من هذه اللقاءات، امتد نحو سبع ساعات، وكان الانطباع الذي خرج به المدعوون، وكانوا ثلاثة، بالإضافة إلى كاتب هذه السطور، أن الجنرالات الثلاثة هم الأكثر تأثيراً في المجلس العسكري الحاكم، من ناحية إدارة العلاقة بين الجيش والشارع، والأقرب فهما للمزاج السياسي العام، وبالتالي الأقدر على التعاطي معه.
وحين تم تعيين عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع، تم تصعيد صهره حجازي مديراً للمخابرات الحربية، خلفاً له، ثم جاءت لحظة انقلاب 2013، وهيمنة السيسي على السلطة، فكان أن أزاح اللواء محمد العصار، بتعيينه وزيراً للإنتاج الحربي، فيما تم إبعاد محمود حجازي من المخابرات الحربية، وتعيينه رئيساً للأركان، حتى أتت اللحظة المناسبة للتخلص منه نهائيا، وإنزاله من رئاسة الأركان، إلى مجرد مستشار في قصر الاتحادية، كما جرى مع وزير الداخلية السابق، محمد إبراهيم،  شريك السيسي في الانقلاب على الرئيس المنتخب، والذي أقيل وعين مستشاراً أمنياً لرئيس الوزراء. ومنذ ذلك الوقت، ابتلعه النسيان، فلم يعد يسمع عنه أحد.
هل سيختلف مصير رئيس الأركان المعزول عن وزير الداخلية السابق؟ هذا سؤال ستجيب عن الأيام.
x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...