سعودية والابن مولود قبل أبيه. بقلم محمد عوض

1

محمد عوض
من علماء الأزهر الشريف

تُرى أَيختلف اثنان في صِغر الولد عن أبيه؟!
أينطتح عنزان في أن الجزء أكبر من الكل؟!
أَيَطلُبُ كائنٌ من كان دليلا على كون الواحد أقلَّ من الاثنين؟!
هذا هراء لأنها أمور بديهية ثابتة يدركها كل أحد، وهذا هو العقل الذي يفارق به الإنسانُ البهائمَ، قال أبو الطيب:
وليس يصح في الأفهام شيء… إذا احتاج النهار إلى دليل
ومع ذلك ابتليت الأمم في قديم تاريخها وحديثه بشراذم من بني جلدتها تولوا مقاليد أمورها بالقهر ابتداء، ثم تمكنوا من رقاب هذه الشعوب واستعبادها وامتطاء ظهورها من خلال تزييف وعيها واللعب بأدمغتها لعب الأطفال بالدُمَى، كان هذا دأبهم المتواصل الذي يمارسه اللاحق وكأنه ورثه بحذافيره عن السابق على ما بينهم من قرون: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} 52 – 53 الذاريات.
وكانت رسالات الله – تعالى- لهؤلاء “المتألهين الأفاكين” بالمرصاد، تكشف للجماهير الغافلة المُستغَفَلة خداع تلك “الأرباب” المزعومة: (وسائلهم وأدواتهم في هذا الخداع، كيفية انطلائه على الناس، منهجية التعامل معه لإبطاله وإظهار بهتانه، كيفية تعاملهم الإجرامي مع من اكتشفوا زورهم…الخ). قال جل ثناؤه: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} 44 المؤمنون.
شيئ من التاريخ
وكان الصراع بين “الرسالات” وبين “الأفاكين” صراعا طويلا ودمويا، انتهى في بعض مراحله إلى قيامهم بـ”تحريف” كتب الله الفاضحة لإفكهم، وحشوها بالأكاذيب والخرافة، وخرجوا على الجماهير يقولون هذا من عند الله!! ونظر الله “إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب”، لتتدارك رحمة الله البشرية بالكتاب الخاتم، متكفلا سبحانه بحفظه وألا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وفيه بَيَّن تعالى فيما بَيَّن للإنسانية كلها – فضلا عن أمة القرآن- صورا وصفحات من “التاريخ الأسود” لتزييف البديهيات والثوابت التي لا تحتاج في إثباتها لأدنى نظر أو فكر، وكان مثل السَّوْءِ في ذلك كله “أهل الكتاب” هودا ونصارى.
ومن هنا كانت “أمة القرآن” أكثر الأمم وعيا بـ”مكر الليل والنهار” الذي يمكره بها الماكرون ويخادعها بها المخادعون، لأنها صاحبة كتاب حفَل بعصارة تجارب البشرية في هذا المضمار: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} 55 الأنعام.
نعم حين أقرأ قرآني لا يمكن أن يستخفني أو يحقر عقلي أو يستهزئ بي “أفاك” حين يريدني أن أصدق أن الواحد أكبر من الاثنين، أو أن الولد أكبر من أبيه، أو أن الجزء أكبر من الكل…،
أحس بك الآن تُسائل: وهل يمكن أن يصل الاستخفاف بعقول الناس هذا المستوى من الإسفاف؟ وهل يستجيب عقلاء لأفكار تقوم على هكذا أسس أو جنون؟!
حنانيك.. فكم خَضَعَت – ولا تزال – لهذا الجنون أعناق أمم تملأ الأرض طولا وعرضا، وكم تأسست على أساطيره دول وحضارات، فاليهودية والنصرانية تجاوزت كل منطق وكل تاريخ قالت للأتباع: إن الولد أسبق في الوجود من أبيه فقالوا: وهو كذلك الولد أكبر من أبيه!!!
وحدهم “أهل القرآن” هم الذين رفضوا هذا الجنون حين دعوا إليه: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} 135 البقرة. فقالت يهود: إن إبراهيم كان يهوديا، وقالت النصارى: لا بل كان نصرانيا، فنزل القرآن يستهزئ بحماقتهم، ويحاكمهم إلى العقل والتاريخ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} 65 آل عمران.
والمعنى: كيف تدعون أيها اليهود يهوديته وقد كان زمنه قبل أن تنزل التوراة على موسى بأحقاب؟ وكيف تدعون أيها النصارى نصرانيته، وإنما حدثت النصرانية بعد زمنه بدهور؟ كيف يتقدم الولد على الوالد؟! ولهذا قال تعالى: {أفلا تعقلون}. أفلا تعقلون أن السابق لا يمكن أن يتبع اللاحق؟.
حين تعلم إمكانية وصول هكذا سخف إلى حد مستوى عقائد الناس ودينهم يَهُونُ عليك اللعب برؤوسهم فيما دون ذلك، باعتبار أن المصائب يخفف بعضها بعضا، وأن “.. بعض الشر أهون من بعض”.
حضرتني هذه الخواطر وأنا أرى في جهة ذهول العقلاء من المصريين مما يحدث في بلادهم من استخفاف وازدراء عقولهم، ومن ينقاد للإفك والتزييف على الضفة الأخرى. وكان آخر ذلك _ ولن يكون الأخير _ مهزلة القول بـ”سعودية تيران وصنافير” ومن ثم تسليمها لأهلها! وذلك تغطية لصفقة باطلة فاسدة حَدَّدَ البائعَ والمشتريَ والسلعةَ والثمنَ _ في لحظة نادرة من المهنية والصدق _ عنوانُ “المصري اليوم” _ قبل التليفون _:” جزيرتان ودكتوراه لـ”سلمان” والمليارات لـ”مصر”.
– يا ناس! يا عالم! كيف تكون الجزيرتان سعودتين، والمملكة عمرها أصغر من عمر الخريطة التي كانت خلف “العاقدَيْن” في “مجلس العقد”؟ أليس من مهمة تلك الخريطة إبراز حدود مصر للضيوف؟ أو ليست الحدود على تلك الخارطة العتيقة تمتد من الإسكندرية شمالا، حتى حلايب وشلاتين جنوبا، ومن السلوم غربا، حتى جزيرة تيران، وصنافير شرقا”؟! يصرخ العقلاء.
– “السيسي” قال: “والله سألت جميع الناس، وجميع الوثائق التى حصلت عليها تجعلنى أقول إن هذا الحق للسعودية” “استشرت كل مؤسسات الدولة والمتخصصين حول جزيرتى “تيران وصنافير” والكل قال سعودية” “والدتى علمتنى ما أطمعش فى اللى فى إيد غيرى، وكانت بتدعيلى: اللى رزق الناس هيرزقك، واللى عطى الناس يعطيك”. إذا سعودية كان الولد أكبر من أبيه أم أبوه هو الأكبر….. طالما قال “السيسي”! يجيب الببغاوات.
يراد بنا إذا أن نلغي عقولنا وأن نصدق هذه الترهات.. حتى لو رفضها من هو بحجم رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة المصرية الأسبق قبل أن يغير كلامه في أقل من 24 ساعة.
يريدون أن يسكت الناس عن بيع أرض ما زال تلاميذ الإبتدائي يطالعون على خريطتهم أنها من أهم المعالم السياحية المصرية كما تستخدمان كمراكز للصيد. هيهات هيهات.
ابطشوا ما يحلو لكم البطش .. سنستعلي – إن شاء الله – على زيفكم .. وسنهدي قومنا سواء الصراط .. وسنهتف ما بقينا: الواحد أصغر من الاثنين, والابن أصغر من أبيه.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...