سهام الصديق

مجدي مغيرة :

لا تأتي معاناتنا فقط  من الانقلابيين وأعوانهم ، ولا من حكام الدول الإقليمية الساعين إلى الحفاظ على كراسيهم ، ولا من العالم الغربي ومصالحه وسعيه الدائب لبقاء حضارته هي المهيمنة على مفاصل حياة كل البشر ، إنما تأتي معاناتنا أيضا من فريق منا له نفس أهدافنا ، ويحمل عين همومنا ، ويسعى لما نسعى جميعا إليه ، لكنه للأسف إن رمى سهما إلى الخصوم ، رمى مقابلها عشرا إلى رفاقه يطعنهم بها وهو معتقد أنه بذلك ينصر فكرته ويؤيد دعوته .

ما من حدث يحدث هنا أو هناك ، إلا ودارت المقارنات الظالمة بين أصحابه في بلدهم وبين موقف الإخوان في مصر ، ودائما تخرج المقارنة بدليل جديد على غباء الإخوان وفشلهم وعجزهم وتحجرهم .

وما من موقف يتم اتخاذه ، أو تصريح يعبر عن رأي ، أو بيان يبين حقا ويظهر باطلا ، إلا وجدتهم يصفونه بالسذاجة ، ويتهمون من يدافع عنه بالساذج  وهم طبعا الأذكياء ، أو المتحجر وهم طبعا المرنون ، أو المحافظ  وهو طبعا المنفتحون ،

أو من سكان الريف البعيدين عن الحقائق ، وهم طبعا من سكان المدن المطلعين على الحقائق كاملة مكملة ،أو يفضل المجاملة ويخشى من قول الحق  وهم الشجعان الذين لا يخشون في الله لومة لائم ،أو تعود ألا يقرأ ما تحت الكلمات ولا يستنبط ما بين السطور ، وهم وحدهم من يفهمون ما بين أيدي السطور، وما خلفها وما بين ذلك ، أو غيرها من الألفاظ والعبارات التي خرجت عن حدود الأدب ، وتجاوزت الأعراف ، وداست على كل حقوق المسلم على أخيه المسلم .

وكلما سمعت أحدهم يتكلم أو يكتب ساءلتُ نفسي : تُرَى لو وجهنا له تلك الاتهامات ماذا سيكون رد فعله ؟ هل يقبل من أحد أن يخاطبه بذلك ؟ هل يقبل من أحد أن يتهمه في عقله أو في شخصيته أو في ذكائه أو في أخلاقه ؟ هل يقبل من أحد أن يتهمه بالحرص على المناصب والكراسي ؟ هل يقبل من أحد أن يُنَحِّيه عن العمل إذا بلغ سنا معينا لكنه مازال قادرا على العطاء بدرجة قد تفوق الصغير سنا ؟ هل يقبل من أحد أن يزيحه عن مسؤوليات رأى إخوانه أنه جدير بها ؟ هل يقبل من أحد أن يكسر اللوائح والقوانين بحجة أنها تعطل العمل  وتقيده ؟ وإذا نحينا اللوائح والقوانين ، فما هي المعايير التي سيتعامل الجميع من خلالها ؟ وإذا أراد أحد أن يخرق تلك المعايير الجديدة فماذا سيكون قوله في ذلك ؟

إنني أرى أن ما يحدث إنما هو نتاج صدمة الانقلاب ، وقسوة إجراءاته التي جعلت الكثيرين يعيدون حساباتهم ، ويراجعون منطلقاتهم ، وهو أمر في ذاته جيد ومطلوب ، لكن غير الجيد هي بعض ردود الأفعال التي نسيت توجيه القرآن الكريم في مثل هذه المواقف إذ قال المولى عز وجل في سورة الإسراء:” وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)” ، قال الطبري في تفسيره :” التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة ” ، وقال الشيخ محمد راتب النابلسي ” المعنى الثاني: في المجادلة، في المناقشة لا تقل كلاماً قاسياً، ليس الهدف أن تنتصر على هذا الإنسان، الهدف أن تأخذ بيده، لا تجرحه، لا تحقره، لا تُسَفِّه رأيه، لا تستعلِ عليه، تواضع لمن تُعَلِّم، إذا ناقشت أو جادلت فلا تقل: هذا الكلام كذب، إنك بهذا جرحت خصمك وحطمته ! قل له: تعال يا أخي لنفكر معاً في هذا الذي قلته، لنبحث له عن برهان، عن دليل، أين الدليل ؟ ألا تعتقد معي أن هذه الفكرة أصوب من هذه ؟ جادلهم بالتي هي أحسن، إذا أمرت بالمعروف فليكن أمرك بمعروف” .

هذا إن كان الصواب فعلا معك ، أما إن كان رأيا تراه ، وغيرك يرى غير ما ترى ، فلامجال لأن تعتبر رأيك هو الحق الذي لاحق غيره ، وتعتبر الآخر هو الباطل الذي لا باطل بعده .

تحضرني قصة الملك الذي خرج للصيد ، ومعه صقره المفضل ، وتاه الملك في الصحراء ، وعجز عن العودة إلى أصحابه ، وظل كذلك حتى اشتد به العطش ، وظل يبحث عن الماء حتى وجد أخيرا نبع ماء ، فلما ملأ كوبه منه ليروي عطشه ؛ إذا بالصقر يضرب الكوب بجناحه ، فيقع على الأرض ويندلق منه الماء ، ولما كرر الملك ملء الكوب ، وكرر الصقر إراقة الماء ؛ أخرج الملك سيفه ؛ وقطع به رأس الصقر ، ثم انحنى ليملأ الكوب من النبع ، فإذا به يرى ثعبانا في الماء قد نفث فيه سمه الناقع ، حينئذ أدرك الملك أن الصقر كان يسعى لنجاته ، وأنه بسوء ظنه وانشغاله بكربه قد قتل الصقر الذي سعى لإنقاذه …. فهل لنا أن نتأنى ، وهل لنا أن نصبر على إخواننا ، وهل لنا أن نحسن الظن بهم، وهل لنا أن نستعيد تلاحمنا ، وأن نتفرغ لمقاومة الظلم الواقع علينا جميعا ؟

ظني بالله تعالى أنه سيؤلف القلوب ، ويطمئن النفوس ، وسيفرج الكروب ، وسيأتينا بالفرج من حيث لا نحتسب .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...