الأزهر بين الأمس واليوم

مجدي مغيرة :
ينبع حبنا للأزهر ، واحترامنا لعلمائه ، وحرصنا على بقاء رسالته من أسباب كثيرة منها التاريخي ومنها المعاصر .

فالأزهر كان وما زال هو حامل رسالة الإسلام العلمية دون إفراط أو تفريط ، وكان هو الحمى الذي لجأ إليه المصريون لرفع الظلم عنهم ، وهو من رفع راية الجهاد ضد الحملة الفرنسية ، وهو الذي تخرَّجَ منه مئات من كبار العلماء  وآلاف من الدعاة المتميزين من أمثال الشيخ محمد أبو زهرة  والشيخ عبد الحليم محمود والشيخ جاد الحق والشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي وغيرهم من كبار العلماء الذين أناروا عقول المسلمين بفكرهم واجتهادهم وجرأتهم في قول كلمة الحق .

لكن في مقابلة كل هذه الأعمال العظيمة قام الأزهر – للأسف الشديد – بأدوار سيئة ضد الدعوة الإسلامية وضد بعض الجماعات العاملة للإسلام .

فلا ننسى فتاويهم ضد المجاهدين في فلسطين ، وإباحتهم لبناء جدار عازل من الحديد الصلب تحت الأرض يعرف الصغير قبل الكبير أن هدفه إنما هو حصار أهل غزة وتجويعهم بقصد إخضاعهم لمخططات الصهاينة المحتلين لفلسطين .

ولا ننسى علماء الأزهر الذين يحاضرون في الأندية المشبوهة التابعة للماسونية.

أما في بعد الانقلاب ، فحدث ولا حرج

فقد وجدنا بعضهم منهم من يشكك في حجاب المرأة المسلمة ، بل وتجرأ البعض منهم وادعى أن السيسي ووزير داخليته رسولان لمصر مثل موسى وهارون ، ولم نجد أحدا يحاسب مثل هذا الدعي على قوله .

وفي الوقت الذي يهاجم فيه الأزهر الإخوان المسلمين  بعد الانقلاب العسكري عليهم ، ويتهمونهم بما ليس فيهم ، لم نسمع لأحدهم صوتا حينما استضافت فضائيات الانقلاب من يدعي الألوهية ، ومن يدعي النبوة ، ومن يدعي المهدية ، ولم نجد أحدا منهم تجرأ على نقد الحاكم الذي أطلق في الفضائيات وجوها كالحة تشكك في الأحاديث النبوية مثل صحيح البخاري ، بل تشكك أيضا في القرآن الكريم بأسلوبٍ ملتوٍ .

نسي هؤلاء وهم في غمرة الحديث عن أدعياء الفتوى ، وعن المتشددين الذين يشوهون صورة الإسلام في أعين أتباعه وفي أعين العالم  ، أنهم مَن تسبَّبَ في ظهورهم حينما تخلوا عن رسالتهم ، واقتصر دورهم على قول ما يرضي الحاكم أو على الأقل تجنبوا ما يغضبه.

ووجدنا من علماء الأزهر ودعاته من يحرم الزواج ممن ينتسب إلى الإخوان المسلمين ، ويحثون المصريين المتزوجين من أحد أعضاء الإخوان بالطلاق منهم ، فالزوج يطلِّقُ زوجته الإخوانية ، والزوجة تطلب الطلاق من زوجها الإخواني ، وقد كانت الفضائيات المصرية هي المنصات التي يطلقون من خلالها مثل تلك الفتاوى الآثمة .

فهل هذا هو دور الأزهر ؟ وهل هذه هي رسالته ؟  وهل هذا هو البلاغ الذي كلفهم الله تعالى به ؟ وهل هذه هي الأمانة التي أمرهم الله تعالى ببيانها ؟

وهل يظن القائمون على الأزهر أنهم بذلك يخدمون الدين ؟ أو أنهم بذلك ينجون من أذى الظالمين ؟ أو أنهم بذلك يحافظون على دنياهم ومناصبهم وكراسيهم ؟

قال الله تعالى في الآية رقم ( 174 ) من سورة البقرة : ” إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”

قال الفخر الرازي :” فالآية وإن نزلت في اليهود لكنها عامة في حق كل من كتم شيئًا من باب الدين يجب إظهاره فتصلح لأن يتمسك بها القاطعون بوعيد أصحاب الكبائر والله أعلم” .

وقال أيضا : ” علماء الأصول قالوا: العقاب هو المضرة الخالصة المقرونة بالإهانة فقوله: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله وَلاَ يُزَكّيهِمْ} إشارة إلى الإهانة والاستخفاف، وقوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إشارة إلى المضرة ،وقدم الإهانة على المضرة تنبيهًا على أن الإهانة أشق وأصعب” .

ومما ورد في هذه الآية في تفسير “روح البيان” : “اعلم أن في هذه الآيات وعيدا عظيما لكل من يكتم الحق لغرض فاسد دنيويٍ فليحذروا ( أي العلماء ) أن يكتموا الحق وهم يعلمون .

وإنما يكتمونه عن الملوك والأمراء والوزراء وأرباب الدنيا إما خوفا من اتضاع مرتبتهم ونقصان قدرهم عندهم ، وإما طموحا إلى إحسانهم ، أو لأنهم شركاؤهم في بعض أحوالهم من حب الدنيا وجمعها والحرص في طلبها أو طلب مناصبها وحب رياستها ، أو بالتنعم في المأكول والمشروب والملبوس والمركوب والمسكن والأواني وآلات البيت والأمتعة والزينة في كل شيء والخدم والخيول وغير ذلك، فعند ذلك يداهنون ويأكلون ثمنا قليلا ، ولا يأكلون إلا نار الحرص والشهوة والحسد التي تطلع على الأفئدة وتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب……. وإنما قال ما يأكلون في بطونهم إلا النار؛ لأن فسادهم كان في باطل فكان عذابهم في البطون، وإنما لا يكلمهم الله يوم القيامة لأنهم كتموا كلام الله في الدنيا ولا تكلموه بالصدق فكان جزاء سيئةٍ سيئة مثلها ، وإنما لا يزكيهم لأن تزكية النفس للإنسان مقدرة من الإيمان والأعمال الصالحة بصدق النية من تهذيب الأخلاق بآداب الشرع فأولئك المداهنون من العلماء هم الذين اشتروا حب الدنيا بهدى إظهار الحق وآثروا الخلق على الحق والمداهنة على أفضل الجهاد” .

نستطيع أن نقول الآن أن الأزهر يقف على مفترق الطرق ، فإما أن يجهر بكلمة الحق ويتحمل تبعاتها لتبقى له المكانة المرموقة في نفوس المصريين ، وإما أن ينبطح أمام إرادة الحاكم الظالم الذي لا يريد خيرا بالدين، وعندها نعلن وفاة الأزهر الذي عجز عن الحفاظ على رسالته ، وخان أمانته .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...