أخلاقيات هامة لبناء الأمة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله
وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
إن أهم مقومات بناء الأمم ، أن يتوفر لدى أبنائها ،مجموعة من القيم والأخلاق الحسنة ، التي يجب ان
يلتزم بهم الجميع ، حكاما ومحكومين ، قادة وجنودا ،رجالا ونساءا ، صغارا وكبارا ، والأخلاق الحسنة
عند المسلم فوق أنها تبني الأمة فهي طاعة لله وطريق للفلاح يوم القيامة ، ولذلك كانت هي
محور الدعوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ إنما بُعثت لأتمم مكارم الاخلاق ] رواه البيهقي وصححه الألباني .
وعن أبي الدرداء رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء ] رواه الترمذي وصححه الألباني .
عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [ ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ] رواه الترمذي وصححه الألباني
ومن الأخلاق الهامة لبناء الأمة :

1 – انضباط الرعية في المراقبة لله
* لن يستطيع الحاكم بأي حال أن يراقب التزام جميع الناس بحدود الشرع ، أوبأحكام القوانين ، في كل الأوقات ، ولذلك أكّد الإسلام أن الأصل هو الخوف من الله ، قال تعالى [ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) ] سورة البقرة ، وقال سبحانه [وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) ] سورة الكهف
* والمثال الرائع في هذا الأمر هو القصة المشهورة في هذا الأمر ، حينما سمع عمر بن الخطاب امرأةً تقول لابنتها امزجي اللبن بالماء ، قالت البنت التقية ولكن عمر نهي عن ذلك ، فقالت المرأة ولكن عمر لا يرانا ، فقالت البنت القولة المملوءة إيمانا وتقي ، إن كان أمير المؤمنين يرانا فرب أمير المؤمنين يرانا .
* عن عبد الله بن دينار قال: خرجت مع ابن عمر إلى مكة فعرسنا، فانحدر علينا راع من جبل، فقال له ابن عمر: أراع أنت ، قال نعم. قال: بعني شاة من الغنم ، قال: إني مملوك. قال: قل لسيدك أكلها الذئب. قال: فأين الله عز وجل – قال ابن عمر: فأين الله، ثم بكى، واشتراه فأعتقه ( تاريخ الإسلام للذهبي ص 163 ) .
* وعموم الرعية لا تتعدي حدود الله طاعة له وخوفا منه ، لأنهم يعلمون أنهم إذا افلتوا من عقاب الدنيا فلن يفلتوا من عقاب الآخرة وشتان بين العقابين ، ولأنهم يؤمنون بقول الله سبحانه ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) سورة البقرة . ويؤمنون بقول النبي صلى الله عليه وسلم ] لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا ] قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم قال [ أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها [ سنن ابن ماجه وصححه الألباني
* ولهذا كانت المرأة تقول لزوجها : اتق الله فينا ولا تطعمنا حراما فإننا نصبر علي الجوع في الدنيا ولا نصبر علي النار يوم القيامة .
* إن القانون مهما كان فاعلا والحاكم مهما كان يقظا ، لن يستطيع أن يضبط حركة الناس إذا غاب الإيمان ، ولذا اهتم التشريع الإسلامي بتزكية القلوب وربطها بالله في كل أمور الحياة ، وكان نتاج هذه التربية الإيمانية أن الرجل أو المرأة كان إذا ألمّ أحدهم بمعصية يأتي ليُنفّذ فيه حكم الله ولو كان علي حساب حياته أو فضيحته علي الملأ ، كما حدث في قصة ماعز والغامدية
لقد توقّد الإيمان في قلب كل من هذين التائبين لدرجة أن ردهما النبى صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة ولكنهما أصرّا علي التخلص من آثار هذا الجُرم ليتوب الله عليهما ويُلاحظ هنا أيضا أن الحاكم ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ لم يتعجل الحكم أو العقوبة علي الجاني رغم اعترافه ولكنه أعطاه أكثر من فرصة للتراجع وذلك لدفع أي شبهة ظلم .
* وقد يكون إنسان ما ، لبقا ًمجادلا ً ذا لسان فصيح أو ذا قدرة علي قلب الحقائق ، فيحذّره النبى صلى الله عليه وسلم من ذلك ، لأن هذا طريق التهلكة ، فقد يفرح ويتمتع بذلك قليلا ولكن سرعان ما يفقد ذلك فيكون حسرة وذلّا في الدنيا ، وعذابا وجحيما في الآخرة .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ]إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها [ رواه البخاري

2 – التنافس في فعل الخيرات
* ومن الأخلاق الأساسية والمظاهر المطلوبة في المجتمع المسلم ، الذي يريد أن يبني أمته هو الحرص علي مرضاة الله والتنافس في ذلك ، وعدم الانشغال والانغماس في مظاهر الدنيا ، قال تعالي ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) سورة المؤمنون .
* عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي [ سل فقلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك قلت هو ذاك قال فأعني على نفسك بكثرة السجود ] رواه مسلم
* وحديث الفقراء وأهل الدثور خير دليل علي ذلك وكذلك حديث وافدة النساء .
* إن مجتمعا كل همه مرضاة الله ، جاعلا الدنيا في يده وليس في قلبه ، لن يكون فيه أبدا أحقاد ولن تحدث فيه شحناء أو بغضاء أو منازعات ، ولن يبغِ أحد علي أحد ، ولن نشكوا من كثرة القضايا ، وسيكون كل همّنا هو إعمار الدنيا وبنائها طاعة لله ، وليس غلا أو طمعا أو استكبارا .
* لقد غرق كثير من الناس في التنافس في مظاهر الدنيا ، وانشغل آخرون بجمعها بأي وسيلة فخلطوا الحلال بالحرام ، فما بقي الحلال ولا نفع الحرام جمع الحرام على الحلال ليكثره دخل الحرام على الحلال فبعثره

3 – العفّة ـ الأمانة ـ التناصح ـ المروءة
هذه الأمور من الأخلاق والمظاهر المطلوبة في المجتمع المسلم ، بل في أي مجتمع ، حتى يحيى آمنا سالما ، وكم يخسر المجتمع بسبب غياب هذه الأمور ، ولذلك حرّم الإسلام السرقة والاحتكار والتطلع علي عورات الغير ، وحرّم الزنا وأمر بغض البصر ، وأوجب النصيحة والتواصي بالحق والصبر ، ودعا إلي التسامح والتراحم والتواصل .
وقد وردت آثار كثيرة تبين التزام الناس بهذا الهدي .
ففي العفة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ثلاثة لا ترى أعينهم النار يوم القيامة : عين بكت من خشية الله و عين حرست في سبيل الله و عين غضّت عن محارم الله ] صححه الألباني وروي الترمذي قريبا منه .
* جلس موسى بن إسحاق قاضى الرى والأهواز فى القرن الثالث الهجرى ينظر فى قضايا الناس، وكان بين المتقاضين امرأة ادعت على زوجها أن عليه خمسمائة دينار مهراً لها، فأنكر الزوج أن لها فى ذمته شيئاً، فقال القاضى هات شهودك، فقال: قد أحضرتهم ، فاستدعى القاضى أحدهم وقال له: انظر إلى الزوجة لتشير إليها فى شهادتك، فقام الشاهد وقال للزوجة: قومى، فقال الزوج: ماذا تريدون منها فقيل له لا بد أن ينظر الشاهد إلى امرأتك وهى مسفرة لتصح عنده معرفته بها، فكره الرجل أن تضطر زوجته إلى الكشف عن وجهها للشهود أمام الناس، فصاح إنى أشهد القاضى أن لزوجتى فى ذمتى هذا المهر الذى تدعيه ولا تسفر عن وجهها، فلما سمعت الزوجة ذلك أكبرت فى رجلها أن يضن بوجهها على رؤية الشهود وأنه يصونها من أعين الناس!! فصاحت تقول للقاضى إنى أشهدك على أنى قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه فى الدنيا والآخرة!!، فقال القاضى لمن حوله اكتبوا هذا فى مكارم الأخلاق ( من كتاب تربية الأولد في الإسلام ج 2 ص 521 ) .
وفي التناصح : غدا رجل إلى السوق ليشتري منها دابّة ، وغدا مولى له فوقف في ناحية السوق ، فجعلت الدواب تمر عليه ، فمر به فرس فأعجبه ، فقال لمولاه : انطلق فاشتر ذلك الفرس ، فانطلق مولاه ، فأعطى صاحبه به ثلاثمائة درهم ، وجاء به وبصاحبه إلي سيده لينفذه الثمن ، فقال الرجل : فرسك خير من ثلاثمائة درهم أتبيعه بأربعمائة درهم ، قال صاحب الفرس ذلك إليك ، فقال الرجل : فرسك خير من أربعمائة درهم أتبيعه بخمسمائة درهم ، حتى بلغ سبعمائة درهم أو ثمانمائة ، فاشتراه بذلك فقيل له في ذلك، فقال ” بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم ” .
وعن جرير البجلي ، أنه كان إذا أقام سلعة بصر عيوبها ثم خيره ، فقال : إن شئت فخذ ، وإن شئت فاترك ، فقيل له : يرحمك الله إنك إذا فعلت هذا لم ينفذ لك البيع ، فقال : ( إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لأهل الإسلام ) المعجم الكبير للطبراني .
وفي الأمانة والوفاء : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال ائتني بالشهداء أشهدهم فقال كفى بالله شهيدا قال فأتني بالكفيل قال كفى بالله كفيلا قال صدقت فدفعها إليه إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زجج موضعها ثم أتى بها إلى البحر فقال اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي بك وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بك وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني أستودعكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا فلما نشرها وجد المال والصحيفة ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه قال هل كنت بعثت إلي بشيء قال أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه قال فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بالألف الدينار راشدا ( رواه البخاري ) .
* لما نظر عمر رضى الله عنه إلى الخمس من غنائم القادسية قال إن قوما أدوا هذا لأمناء ، فقال له علي بن أبي طالب: إنك عففت فعفت رعيتك ، ولو رتعت لرتعت (البداية والنهاية ج 7 ص 78 ) .
وفي المروءة : حج جعفر بن خالد بن يحيى مرة مع الرشيد فلما كانوا بالمدينة قال لرجل من أصحابه: انظر جارية أشتريها تكون فائقة في الجمال والغناء والدعابة ، ففتش الرجل فوجد جارية على النعت فطلب سيدها فيها مالا كثيرا على أن يراها جعفر، فذهب جعفر إلى منزل سيدها فلما رآها أعجب بها، فلما غنته أعجبته أكثر، فساومه صاحبها فيها ، فقال له جعفر: قد أحضرنا مالا فإن أعجبك وإلا زدناك، فقال لها سيدها: إني كنت في نعمة وكنت عندي في غاية السرور، وإنه قد انقبض علي حالي ، وإني قد أحببت أن أبيعك لهذا الملك، لكي تكوني عنده كما كنت عندي ، فقالت له الجارية: والله يا سيدي لو ملكت منك كما ملكت مني لم أبعك بالدنيا وما فيها، وأين ما كنت عاهدتني أن لا تبيعني ولا تأكل من ثمني ، فقال سيدها لجعفر وأصحابه: أشهدكم أنها حرة لوجه الله ، وأني قد تزوجتها ، فلما قال ذلك نهض جعفر وقام أصحابه وأمروا الحمال أن يحمل المال ، فقال جعفر: والله لا يتبعني، وقال للرجل: قد ملكتك هذا المال فأنفقه على أهلك، وذهب وتركه ( البداية والنهاية ج 10 ص 211 ) .

برامج عملية
1 – فتش في أعمالك ومعاملاتك وأخلاقك ، وتخلص من كل ما يغضب الله .
2 – أقم نفسك وبيتك وأولادك علي شرع الله ، فابتعد عن كل مظاهر الأخلاق الفاسدة ، وتحكم في جهاز التليفزيون وشبكة الإنترنت وغير ذلك وخذ منها ما يفيد ، وألزم بناتك وزوجتك بالزي الإسلامي
3 – تنافس في الخيرات واجعل كل همك مرضات الله .
4 ـ ابتعد عن البدع ، ومحدثات الأمور ، والمخالفات الشرعية في الأفراح والمآتم والأعياد والمناسبات

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...