المؤامرة ليست قدرا

مجدي مغيرة :

كثيرا ما يرتبط اسم المؤامرة بمعنىً قدريٍّ ، أي ما رسمه المتآمرون سيحدث بالضرورة ، ولا مجال لرده أو صده .

وأكثر من ارتبط اسمه بالمؤامرات في عالمنا العربي هم اليهود من خلال جمعيتهم السرية الشهيرة المعروفة باسم “الماسونية” التي تهدف إلى تحقيق آمال اليهود في السيطرة على العالم ، وتهدف أيضا إلى تحقيق حلمهم القديم بالعودة إلى القدس وإقامة “هيكل سليمان” مكان المسجد الأقصى ، وأن تضم دولتهم الأراضي الواقعة ما بين النيل إلى الفرات .

كذلك ارتبط اسم المؤامرة بمخططات الحضارة الغربية الهادفة إلى السيطرة على عالمنا العربي والإسلامي ، إما بطريق مباشر بالاحتلال الذي أسموه زورا باسم “الاستعمار” ، وإما بطريق غير مباشر من خلال حكام وزعماء وقادة ينحدرون من نسل العرب والمسلمين ، ويحملون ملامحهم ، ويتَسَمُّون بأسمائهم ، لكنهم يبطنون الولاء للغرب ، كما وصفهم الحديث الشريف بأنهم “قومٌ من جِلدتِنا ، ويتكلمون بألسنتِنا” ، يستنون بغير سنة النبي ، ويهتدون بغير هديه ( أي يحتكمون إلى قيم ومبادئ وشرائع وقوانين ودساتير قد استمدوها من الشرق ومن الغرب ، وهجروا الإسلام ، ولم يأخذوا منه سوى مظاهره التي لاتسمن من جوع ، ولا تؤَمِّنُ من خوف ) .

لكن ما غاب  عن أذهان الكثيرين أن المؤامرات والمخططات التي تهدف إلى القضاء على الإسلام ، وإلى نهب خيرات بلاده إنما هو أمر طبيعي حذرنا منه القرآن الكريم ، وأخبرنا أن تلك المخططات ستبوء بالفشل إذا واجهناها ونحن مستمسكون بحبل الله ، وملتزمون بالسنن الكونية التي وضعها الله تبارك وتعالى لبناء الدول والحضارات والمجتمعات الإنسانية .

فقد أخبرنا القرآن الكريم عن مخططات الكفار لهدم الإسلام من خلال القضاء على أتباعه ؛ فقال في الآية رقم (36 ) من سورة الأنفال : ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ” ،

وقال أيضا في الآية ( 217 ) من سورة البقرة :” وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ” ،

كما قال عن اليهود تحديدا في الآية رقم ( 64 ) من سورة المائدة :”  كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” .

وعندما تنجح المؤامرات ، فإن نجاحها لا يعود غالبا إلى دقة تخطيط الأعداء ، بقدر ما يعود إلى ضعفنا وتخاذلنا ، وتنازعنا ، وغفلتنا عن سنن الله تعالى التي لا تحابي أحدا ولو كان مؤمنا .

ومثلما أخبرنا التاريخ المعاصر بنجاح بعض مؤامرات العدو ضدنا بسبب ضعفنا أو بسبب تنازعنا وخيانة البعض منا ، فقد أخبرنا كذلك أن هناك خطط ومؤامرات أفشلها المخلصون من أبناء أمتنا حينما أخذوا بالأسباب ، ثم توكلوا على رب الأرباب ، وسأذكر منها أمثلة مما عرفه الناس أوغاب عن أذهان بعضهم :

فعندما احتل الإنجليز مصر كان من مخططاتهم في مطلع القرن العشرين الميلادي فصل جزء كبير من غرب مصر ومعه جزء من شرق ليبيا لإقامة دولة تهدف إلى تحقيق مصالحهم ، لكن وعي بعض الضباط المصريين الذين كانوا يخدمون في تلك المنطقة أفشل هذا المسعى ، كما ورد في الكتاب صغير الحجم كبير المعنى والقيمة لمؤلفه الصاغ ( الرائد) محمود لبيب بعنوان ” حماة السلوم” .
كذلك سعى بعض مغامري النصارى في مصر إلى تحقيق حلم رأوه قريب المنال بوجود الاحتلال الغربي وربيبته إسرائيل في قلب المنطقة ، فرسموا خططا لتحقيق هذا الهدف بتحويل مصر عام 2000 ميلادية إلى دولة قبطية لغة وديانة ، وها نحن في عام 2017م نرى كيف فشل هؤلاء في مخططهم أيضا بفضل الله أولا ، ثم بفضل بعض الأخفياء المخلصين الذين أفسدوا على النصارى مؤامرتهم ، ولعل الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قد أشار إلى شيء من هذا المخطط في كتابه القيم “قذائف الحق” .
كما رأينا أن خطط دولة إسرائيل كانت تقضي بتحطيم الشعب الفلسطيني ، وتحويله إلى شعب خادم لليهود ، قد نسي قضيته ، ورضي بالفتات الذي يلقيه إليهم اليهود مقابل العمل في مصانعهم وبيوتهم ، لكن ظهرت المقاومة الفلسطينية التي أفسدت عليهم مؤامراتهم ، وكان آخر تجليات تلك المقاومة ظهور حركة حماس التي أشعلت النار تحت أقدمهم ، ومازالت تنتقل من نصر إلى نصر حتى تصل إلى مبتغاها بإذن الله باسترداد القدس ، وتحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر .
وأخيرا ها نحن نرى تركيا التي أرادوا أن يسلخوها من دينها وحضارتها ومجدها، وأن يجعلوا منها مسخا تابعا لهم ، لكن أراد الله تعالى غير ذلك ، وظهرت الحركة الإسلامية التي صبرت وصابرت ورابطت حتى وصلت أخيرا إلى حكم البلاد ، وحققت نجاحات زادت من شعبيتها والتفاف الأتراك حولها .

من الخطأ أن تعتقد أن مؤامرات الأعداء يمكن أن تنتهي أو تهمد ، ومن الخطأ أن تعتقد أن مؤامرات الأعداء ستنجح لامحالة ، ومن الخطأ أن تعتقد أننا عاجزون عن مواجهة تلك المؤامرات ولا نملك ردها ولا صدها ، بل من الصواب أن تقف في وجه تلك المؤامرات ، وأن تفسد عليهم تلك المخططات ، وأن تثق في الله أولا ، ثم في نفسك وأمتك ثانيا ، وأن تقبل من الله تعالى العرض الذي عرضه عليك حين قال سبحانه وتعالى في سورة الصف : “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)” .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...