ليهنأ شعبنا بالغلاء والبلاء

بقلم: عامر شماخ

 

ما إن انتهيت من ختام الصلاة حتى صافحنى متسائلاً: «وبعدين يا أستاذنا؟!؟!»
– ماذا تقصد؟
– الحالة التى صرنا إليها، والغلاء الذى أكل الأخضر واليابس، والأمراض التى زارت كل بيت، والمسلمون الذين يُقتّلون فى كل مكان.
– ألست واحدًا يا «……» ممن خرجوا يوم 30 يونيه، وقد خاصمتنى قبلها وأعرضت عن نصائحى لك؟
– قلت لك كثيرًا إنها غلطة، وقد ندمت عليها..
– والدماء التى سالت يا أخى؟!، والأعراض التى انتهكت؟!، والوطن الذى خُرّب؟.. لقد جئت الآن تشكو لأن الضرر أصابك فى معاشك. أليس كذلك؟
– أسألك: ماذا أنتم فاعلون إزاء ما يحدث؟، الناس لا تجد ما يقتاتون به، وأعزة القوم لا يجدون من ينقذهم من مواقف الذلة..
– تقول أنتم؟!، وماذا عنك يا «……»؟!

يا أخى ليس للأمر مخرج، إلا أن يكون مخرج الديان، السميع العليم؛ لأن كل ما يجرى -والله- إن هو إلا جزاء بما كسبت أيدى الناس؛ ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون. ألا ترى أن الضنك عام لم يخصص به أحد؟، ألا ترى أن العقاب أنواع وآيات؛ فهذا ابتلى بالفقر، وذاك ابتلى بالمرض، والثالث بالعقوق، والرابع بالطلاق… إلخ؟. إن ذلك دليل على أننا قرية أرسل الله إليها العذاب، ولا مفر أمامنا سوى التضرع إلى الله، والاستكانة إليه، فلا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، ولا كاشف للضر سواه… وهو رحيم بعباده الضعفاء، الأوابين التائبين، المنادين فى الظلمات؛ يسبحونه، ويستغفرونه، ويمجدونه، ويرجون رحمته ويخافون عذابه.. أما غير ذلك فلتهنأ يا «……» وليهنأ شعبنا الكريم بهذا الغلاء والبلاء، وبالطبع سوف يهنأ الجميع معكم، فإن عذاب الله إن جرى على قوم لم يستشن {$ّاتَّقٍوا فٌتًنّةْ لاَّ تٍصٌيبّنَّ پَّذٌينّ ظّلّمٍوا مٌنكٍمً خّاصَّةْ $ّاعًلّمٍوا أّنَّ پلَّهّ شّدٌيدٍ پًعٌقّابٌ} [الأنفال: 25]، أما الصالحون فإن الله مولاهم، يرزقهم الصبر على المصيبة، ويضاعف لهم الأجر، ويقبضهم على الإيمان، وأما الآخرون فيعذبهم بما كسبت أيديهم، وعنده يومًا سوف يجتمع الخصوم، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم..

يا صديقى!! إن قطاعًا كبيرًا من هذا الشعب -الذين يشكون الآن مر الشكوى- قد اقترفوا الكبائر فى حق الأطهار؛ من أجل تمكين العسكر، وهم يعلمون صلاح الأولين وفساد الآخرين، ألم تسمع بالذى أشعل النار فى بيوت الإخوان؟، ألم تسمع بالذى كان يسلم الفتيات لزبانية الشرطة؟، ألم تسمع بالذى أبلغ عن جاره المسلم الذى لم يتخل عنه فى ضائقة من قبل؟.. وهؤلاء جميعًا خرجوا من أجل صلاح البلاد والعباد، وضحوا بأنفسهم وأموالهم لرفعة الوطن والدين، فهل يكون هذا جزاؤهم؟، وهل يقبل القوى الجبار بمثل هذه المظالم ومساوئ الأخلاق؟

يا «……» أصدقك القول: إن هذه المصائب، والغلاء والبلاء، والربا والزنى وما تراه من كوارث قد حلّت بنا لن تنتهى الآن، وسوف تزيد، وسيزيد معها معاناة الناس، ولسوف يزداد القهر، ويعم الظلم ويطول البلاء؛ لأنى لازلت أجد فى هذا الشعب مجرمين، مستكبرين، ينكرون الحقائق، ويدافعون عن الباطل، وينهون عن المعروف… أراهم رأى العين، وأتحاور معهم؛ فكأن الله وضع على أعينهم غشاوة؛ بمثل هؤلاء سوف يزداد الحال سوءًا، وسوف تستفحل الفتنة، ويفتقد الأمن، ويقل الطعام، ويزيد الجوع، وتتدهور صحة الخلق، فينحصرون بين جهل أعمى عقولهم، وفقر ومرض ومجاعة وبلاء.. وما ظلمهم الله، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون..

إن الراشد يا صديقى قلما يقع فى الخطأ، وإن وقع -وهو آدمى- فإنه يستدرك، والاستدراك يعنى الاعتراف بالخطأ، والندم على فعله، ورد المظالم لأصحابها إن كانت لهم حقوق، ويزيد النجباء بالتضحية فى سبيل هذا الطريق القويم.. وحتى الآن لم أرَ أحدًا من هؤلاء فعل ذلك.. إنما رأيت ألسنة طوالا سلّت على الإخوان فى سنة حكمهم، واتهموهم اتهامات كاذبة لا أصل لها، ثم لا تجد لهم الآن أثرًا، ولا تسمع لهم صوتًا، أما الألسنة فقد قطعت، وحتى ما اقترفوه من جرائم فى حق الآخرين فلا يعترفون بها، بل ها يضحون من أجل إحقاق الحق ونصرة أهل الطريق القويم.

يا صديقى!! لقد سبقتنا أمم، وشعوب طاف بها ما طاف بنا، فمنها راشد، ومنها زائغ، فأما الراشدون فهم من عرفوا الحق فالتزموه، فأنجاهم الله من العذاب، وبدل حالهم حسنًا، وأما الزائغون فقد كتبوا على أنفسهم شقاء الدنيا وعذاب الآخرة.. وبين الفريقين شعرة دقيقة، وشتان بين مآل كليهما.. أعاذنا الله من فعال قوم لا يفقهون.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...