وائل قنديل :
خلال أربع وعشرين ساعة، فقط، سحب نظام عبد الفتاح السيسي من احتياطيه من الفاشية كميات غير مسبوقة، مقارنة بمعدلات القمع والإجرام، التي عرفت عنه، في الفترة السابقة.
تندفع شاحنة الاستبداد، بكل جنون، لتأخذ في طريقها شاباً بسيطاً، في إحدى قرى الوجه البحري، تقتله الشرطة، عياناً بياناً، وتصطاد شباباً من مقاهي وسط القاهرة، جلهم من الناشطين السياسيين، خرجوا للتو من أقبية الحبس الاحتياطي، بينهم معتقل التيشيرت الذي دخل المعتقل طفلاً، وخرج شاباً محطماً، بحاجة لجراحة عاجلة في المفصل.
وبعد ساعات، تداهم السلطات مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، وتغلقه، بالشمع الأحمر، في اللحظة ذاتها كان عبد الفتاح السيسي، يظهر أنيابه ومخالبه، معلناً في ندوة تثقيفية للقوات المسلحة، أنه لا مكان في مصر لأصحاب الفكر السياسي والديني، الذي يخالف تلمود الجنرال.
بكلمات واضحة قال السيسي “أي شخص ينتمي لأي تيار سياسي أو ديني أو طائفي معلش يستريح شوية، ولو اكتشفنا شخص بالنوع ده هنبعده، ليس فقط من الجيش والشرطة بل من الدولة المصرية ككل، لأنه يركز على خدمة مصالحه وانتماءاته”.
في هذه النقطة، تحديداً، يبدو السيسي وكأنه ينقل حرفياً من تراث العقيدة الصهيونية، فيما يخص منهج “الترانسفير” القائم على سياسات الاقتلاع والإبعاد والترحيل والتهجير القسري، لكل “الأغيار” بمعيار تلمود العنصرية والإقصاء، في سبيل ترحيل أهل فلسطين وتوطين اليهود مكانهم.
في ذلك يحتفظ أرشيف الحركة الصهيونية بكلمات مؤسسها تيودور هرتزل الذي قال قبل نحو 122 عاماً”سنحاول طرد المعدمين -العرب- خارج الحدود بتدبير عمل لهم هناك، وفي نفس الوقت سنمنعهم من العمل في بلدنا”.
قلت سابقاً، إنك لو رجعت إلى ثلاثينيات القرن الماضي، فستكتشف أن مؤسس الفاشية، بإيطاليا، الزعيم موسوليني، ليس أكثر من عازف بيانو، مقارنة برموز فاشية السيسي، إذ كان تعبير القائد الإيطالي عن فاشيته أكثر تهذيباً حين قال “الكل في الدولة، ولا قيمة لشيء إنساني أو روحي خارج الدولة، فالفاشية شمولية، والدولة الفاشية تشمل جميع القيم وتوحدها، وهي التي تؤوّل هذه القيم وتفسرها، إنها تعيد صياغة حياة الشعب كلها”.
يتفوق السيسي على موسوليني عندما يذهب بالفاشية إلى ما هو أبعد، حيث دولته لا تشمل جميع القيم وتوحدها، وإنما تحرق وتبيد وتقتلع كل قيمة، وكل فكر، لا يوافق أفكار وقيم الزعيم، ومَن حوله من وحوش آدمية، من نوعية ذلك الـ”طارق حجي” وهذا “البكري” ومن لف لفهما في الدعوة إلى محرقة لكل معارضي دولة السيسي، وقيمها وقوانينها، المستمدة مما سمّاه أستاذ الفلسفة إمام عبد الفتاح إمام، في كتابه”الطاغية”ديمقراطية “التحسس”، بمعنى أن القائد الزعيم الملهم يتحسس “مطالب الجماهير”، ويصدر بها قرارات وقوانين. ولما كان الشعب دائماً على حق، فإن الزعيم المعبر عن إرادة الشعب هو أيضا دائما على حق.
وعلى إيقاع هذه الأصوات الموغلة في دمويتها، تدور عملية ارتهان الشعب في حضّانات الخوف، من خلال مداعبة غرائز الوطنية الزائفة، واستثارة مناطق الرعب، فيعلن السيسي، لأول مرة، عن خطوات للإقصاء والتطهير داخل المؤسسة العسكرية، لكي يحمي الشعب من”أهل الشر ومخططات تدمير الدولة” إلى آخر هذه القائمة من حواديت الرعب التي لا يمل من استعمالها لمداراة فشله وتعثره وبلادته.
يستخدم السيسي هذا المناخ المعبأ بغبار الفاشية المتصاعد، للتغطية على جريمة نظام أصابه السعار، راح يصادر ممتلكات معارضيه وأموالهم، ثم يشرع في إجراءات نفيهم وإبعادهم، بحجة حماية الوطن من خطر التدمير، وحماية المواطن من الإرهاب، في تطابق كامل مع ما تقوم به سلطات الاحتلال الصهيوني وصولاً إلى “الأسرلة الكاملة” لفلسطين، من خلال مشروع تغيير”ديموغرافي” يمضي بسرعته القصوى.
في هذه الأجواء، طرحت سؤلاً على أصدقائي المتابعين عن مصير محمد أبو تريكة، جوهرة مصر الإنسانية والرياضية، التي صنفها نظام السيسي كياناً إرهابياً: ماذا تفعل لو كنت مكان أبو تريكة:
تعود لمصر فوراً، أم تستقر بالخارج نهائياً، أم تنتظر على شاطئ الغربة الإجبارية لبعض الوقت؟!
أوافيكم بالنتيجة لاحقاً.