من المسلمات في الفهم وقت إدارة الصراع حُسن التعاطي مع السنن الإلهية . لماذا ؟
لأنها كونية وثابتة وربانية ونحن جزء من الخلق يجري علينا من السنن ما يجري على بقية المخلوقات. والمخالفة للسنن خروج عن الحق الأصيل بل ودعوة لرفض الحق دون أن يعي الإنسان وهذا انحراف في التصور . والسير مع السنن عبادة لله وفيه ضمانات لصحة وسلامة الطريق في أننا على طريق الحق نسير وأننا منتصرون ومؤيدون بإذن الله تعالى وكل المخلوقات تبارك خطواتنا وكأن الحق سبحانه قد أخضع الكون كله لنصرة أولياءه قال تعالى : “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا” .
انظر إلى الفرس يغوص في الرمال وقت الهجرة حتى لا يلحق سراقة برسول الله ، وإلى القمر ينشق معجزة وتأييدا لرسول الله ، والعصا تتحول إلى ثعبان في زمن موسى عليه السلام .
ومن السنن الثابتة أن انتصار الحق ثابت لا مجال للتشكيك فيه لأنه وعد الله قال تعالى : “كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي” وقوله تعالى :
“إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”
وأن النصر لا ينزل إلا الفئة المستضعفة قليلة العدد والعدة فتاريخ السير يشهد على ذلك وأشار لذلك الكتاب الخالد “وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ” . ويوم خالف المسلمون هذه السنة وتباهوا بعددهم يوم حنين كان الدرس قاسيا وبليغا قال تعالى : “وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ”
ومن الأمور التي نغفل عنها أننا بشر نخطأ ونصيب وخير الخطاءين التوابون، وصفات التوابون أنهم رجاعون يتلاومون ويراجعون مواقفهم للوصول للأصوب ، فلم يعد للغة التبرير مكانا بيننا كذلك لا يجب أن نعتبر الخطأ شماعة نلتف حولها نندب حظنا ويهاجم بعضنا بعضا .
والتعاطي مع الخطأ وفق أدبيات المراجعة من خلال آليات شورية ثابتة نتعبد لله بها . أقول ذلك لأن فريق منا دائما ما يذكرنا بالخطأ ويدندن حوله في أوقات كثيرة ويجلس متلاوما ومأنبا ومعاتبا وهذه بضاعة القاعدين الذين لا يملكون إلا الكلام المر .
وسأروي لك بعضا من النماذج تتأمل فيها دون تعليق :
الأول : خروج النبي ص في غزوة أحد وقبوله لرأي الشباب رغما المحاولات لإثنائه عن ذلك ولقد رأى رؤيا وعلم نتائج المعركة ورغم ذلك سار في الطريق
الثاني : في غزوة مؤتة أن رسول الله ص سمى القائد جعفر ابن أبي طالب وسمى القادة بعده ان استشهد
الثالث : مشهد الأخاديد في قصة أصحاب الأخدود فلقد ألقى بالناس في النار وهم مقبلون غير مدبرين ولم يتأخر أحد ولما تأخرت المرأة في نهاية المطاف وهي تحمل طفلها أنطق الله الطفل بمعجزة وقال لأمه “اثبتي يا أماه فإنك على الحق” .فلم يقل أحد أن أصحاب الأخدود قد رموا بأنفسهم لأخطاء في المواقف ، فعجل الله بمعجزة الطفل حتى لا ينحرف الناس في تصورهم وبذلك قطع الطريق على أصحاب القيل والقال في مثل هذه المواقف الشديدة والعصيبة .
وهذه تضحيات تمثل الضريبة الغالية لما هو قادم بعدها من النصر والفتح والتمكين وهذا ما نرجوه من الله تعالى في محنتنا أن يمن علينا بفتح قريب بعد هذه التضحيات الغالية التي نحتسبها عنده سبحانه
“وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ”