مع اقتراب ذكرى ثورة الخامس العشرين من يناير بدأت تتعالى أصوات (الاصطفافيين) التي تنادي بضرورة توحيد القوى الثورية، لإسقاط النظام الانقلابي، وهذا شيئ جيد ولا يمكن لعاقل أن يعارضه أو يرفضه، فمُنَى الثوار أن تتوحد صفوفهم وتجتمع علي كلمة سواء، لمواجهة الثورة المضادة، واستبداد وقمع العسكر، وكسر الانقلاب، وإنقاذ البلاد من العصابة الانقلابية، وإعادة المسار الديمقراطي!
لكن إذا كنا نتحدث عن دعوات الاصطفاف، فهل يعنى ذلك أن الاصطفاف سيكون مع من شارك في إراقة دماء الأبرياء ورضي به، ودعم النظام الانقلابي، أو من الذين لا مبدأ لهم سوى المصلحة، ولما شعر بأن النظام الانقلابي يركله، ولم يأخذ حظه من كيكة الانقلاب عاد ليتمسح بالثورة والثوار، وينادي بضرورة الاصطفاف!
كما يلاحظ أن بعض (الاصطفافيين) الذين يتحدثون عن الاصطفاف صباح مساء، دون أدنى إشارة إلى الشرعية، بمفهومها الشامل، وإعادة الاعتبار لاختيارات الشعب، التي أهدرتها دبابة العسكر، هؤلاء الاصطفاف معهم مرفوض ومردود؛ لأنّ هذا ليس اصطفافا، لكنه انتهازية ثورية مرفوضة!
وإلى المنادين بضرورة الاصطفاف: فالثوار فى الشارع لم يبرحوه منذ الانقلاب العسكري، ولم يعترفوا بالنظام الانقلابي، ولم يقبلوا بالأمر الواقع، كما أرادت لهم كاترين آشتون، ولم يتوقفوا عن التضحيات من أجل تحقيق مبادئ ثورة يناير في العيش والحرية والكرامة الإنسانية، والديمقراطية!
أمّا الاصطفاف على أرضية نشطاء السبوبة، أو تغريدات البرادعي، مع التجاهل التام للمطالب الحقيقية للثورة والثوار، فهذا خيانة لدماء الشهداء والثورة!
فكيف لهؤلاء (الاصطفافيين) الذين يسوون بين الرئيس المنتخب، الذي جاء بإرادة شعبية حرة ونزيهة، وبين نظام المخلوع المغتصب للسلطة، والذي زوّر إرادة الشعب لعقود، امتدادا لجرائم العسكر، منذ انقلاب يوليو1952 فى حق الشعب، ويقولون أنهم أزاحوا نظامين فى أقل من سنتين!
ولكن من يريد الاصطفاف على مبادئ ثورة يناير، فمرحبا به، والشارع مفتوح على مصراعيه، وليس حكرا على أحد، ولكن اصطفاف الحناجر، و منصات الفيس بوك، أو عن طريق من يقدمون أنفسهم على أنهم الطرف الثالث، فهم ليسوا إخوانا وليسوا عسكرا بزعم أن الفريقين أفسدوا الحياة السياسية، أو على أساس العودة إلى ما قبل يناير2011 دون نظر للأوزان النسبية وغيرها من هذه الأطروحات التي يقصد منها الالتفاف وليس الاصطفاف، فهذا أيضا مضيعة للوقت؛ لأن هؤلاء فى حالة نجاح الاصطفاف الثوري المزعوم على أكتاف الإخوان، سوف يتفقون فيما بينهم، على شيء واحد فقط، هو إقصاء الإخوان، الذين باعوهم فى محمد محمود، وباعوا شباب النصارى فى ماسبيرو، وغيرها من المماحكات، فضلا عن الحديث عن شكل الدولة، والحديث عن مدنية الدولة، والفاشية الدينية من الذين يتاجرون بالدين على حد زعمهم!
وأين كان الاصطفافيون، بعد أن تمت تبرئة أركان نظام مبارك، وعودتهم إلى الواجهة، من خلال برلمان العسكر، والحكومات الانقلابية المتعاقبة؟
ثم كيف يكون هناك اصطفاف، مع من قبلوا بالتعايش مع العسكر، حفاظاً على مدنية الدولة المزعومة، والتي هي في حقيقتها علمانية لا دينية، والتي انتهى بها الأمر إلى دولة عسكرية تكمم أفواه الجميع، وحولت البلاد لسجن كبير، لأن البديل فى نظر هؤلاء هو الإسلام الذي يكنون له كل حقد وكراهية، لأنهم فقط يريدون أن يحكموا بمفردهم، وإن فشلوا ولم يتمكنوا من تحقيق مآربهم، فلا مانع لديهم أن تحكمهم وتتحكم فيهم بيادة العسكر ودبابة العسكر!
ومن يتابع الدعوات الاصطفافية عن كثب فسيرى أن الاصطفاف يقوم على مقومات أساسية عند (الاصطفافيين)، وهى لا حديث عن شرعية الرئيس المنتخب لا من قريب ولا من بعيد، وأمثلهم طريقة من يتحدث عن ثورة يناير، ويطالب باصطفاف كل شركاء الثورة، من الذين أيدوا النظام الانقلابي، وباركوا القتل وسفك الدماء!
ومنهم من يريد الاصطفاف مع البرادعي الذي قال : أن المبعوث الأوربي برناردينو ليون، هو الذي خطط للانقلاب والإطاحة بالرئيس الشرعي محمد مرسي، وأنه وقع على ذلك ، ولكن ما حدث بعد ذلك كان تماما عكس ما وقّع عليه، فقد وقّعت على انتخابات رئاسية مبكرة، وعلى خروج مشرف للرئيس مرسي، وللوصول لنهج شامل تكون جماعة الإخوان المسلمين والإسلاميون جزءا منه! وقّعت على الخطة التي وضعها بالفعل برناردينو ليون، ولكن بعد ذلك، كل هذا تم إلقاؤه من النافذة، وبدأ العنف، بحيث لم يعد هناك مكان لشخص مثلي، وليس هناك مجال سياسي! كما اعترف بأنه كان يتجول ويتسكع في أوروبا، لإقناع الأوربيين بضرورة الإطاحة بالرئيس المنتخب ، كما قبل بتعينه مِن العسكر نائباً لعدلي منصور، والذي كان من بين المسؤولين عن مجازر العسكر، ولكنه استقال بعد مجزرة رابعة ! فهل بعد أن اعترف بجريمة الخيانة العظمى، والتي يعاقب عليها القانون بالإعدام بأي وجه تقبلون بالاصطفاف مع هذه النفايات التي يتم تدويرها الآن!
فهذا الفريق من (الاصطفافيين) والذي لا يرى غضاضة في الاصطفاف مع البرادعي والتسامح معه، طالما كتب بعض التغريدات، التي يتبرأ فيها من النظام الانقلابي، فهو مسؤول عن كل الدماء التي سالت، وله كفل منها مثله مثل قادة العسكر!
كما أن هناك فريقا اصطفافيًّا آخر، يصف أحمد ماهر بالبطل ويخلع عليه شارات البطولة، وكأنه ليس هو الذي قاد مظاهرة بالملابس الداخلية فى عهد الرئيس مرسي، وقاد مظاهرة بحزم البرسيم ونثرها أمام منزل الرئيس مرسي، وهو الذي أيد هو وحركته فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة المسلحة، كما أيد قتل وحرق الآلاف من المعتصمين السلميين!