خطوات تتبعها خطوات

1

مجدي مغيرة

باسم العمل لإعادة مجد العرب اعتنقنا مبدأ القومية العربية ، وباعتناقنا لهذا المبدأ احتقرنا الأعراق المسلمة غير العربية كالأتراك والأكراد والفرس ، وهم أيضا بادلونا نفس المشاعر والأحاسيس .

وباسم الحفاظ على النقاء العرقي عند العرب وعند الفرس وعند الأتراك تم اضطهاد الأكراد ، وقد كانت في دول المغرب العربي محاولات شبيهة لإيقاع العداوة بين العرب والأمازيغ ، وكانت نتيجة كل ذلك هو إقامة حواجز نفسية بين مختلف الأعراق المسلمة ، ونشر الكراهية والبغضاء في نفوسهم تجاه بعضهم البعض ؛ ترتب عليها صراعٌ مرير سُفكت فيه الدماء ، وأُهدِرت من أجله الطاقات ، وبُددت بسببه الثروات .

وفي الوقت الذي كان الجميع في صراع مع الجميع ، كان الجميع لا يثق إلا بمن أشعلوا تلك الفتن ، يشتري منهم السلاح ، ويستعين بهم في حربه ضد أخيه ، ويدخر ثرواته في بنوكهم ، ويستثمر أمواله في مصانعهم وشركاتهم ومؤسساتهم وأراضيهم ، وينظر إلى منظومتهم الحضارية – رغم مشاكلها – على أنها النموذج المحتذى الذي لا يجوز لأحد مخالفته ولو كان فيه خروج واضح على أحكام الإسلام .

وبعد أن وصل المؤمنون بفكرة القومية العربية إلى أغلب الدول العربية ذات الثقل ، وتحت شعار “أمة واحدة ذات رسالة خالدة” بدأ الصراع بين العرب بعضهم البعض بحجة أن هذا الطرف أو ذاك قد خان العروبة ، أو خان قضيتها التي كان الجميع يتمسح بها وهي قضية فلسطين ، وصار كل من له مطمع في بلد الآخر يعلن – كاذبا – أمام الجميع أن الطريق إلى القدس يمر من بلدة كذا ، فالقدس عند هؤلاء الحكام ستار لتحقيق أطماعهم ، بينما تبكي القدس على تآمر هؤلاء جميعهم عليها .

وقسَّم الأشاوسُ البلادَ العربية إلى بلاد ثورية تقدمية تسعى لتحرير باقي بلاد العرب ، وبلاد رجعية متخلفة تريد إعادة الناس إلى الماضي ، وبهذا بدأ صراع طاحن بين الكتلتين : كتلة الدول ذات الحكم الجمهوري ، وكتلة الدول ذات الحكم الملكي ، خسر فيه العرب خسائر كثيرة يتضاءل أمامها ما خسروه أمام دويلة إسرائيل ، ولم يقتصر الصراع على ذلك ، بل رأينا الجمهوريات تتصارع فيما بينها مثلما رأينا بين العراق وسوريا ، وبين ليبيا وأغلب الدول العربية .

وبينما كان كل طرف يتهم الآخر بالعمالة لأمريكا وإسرائيل ليبرر عداءه له ، كان الجميع – في الخفاء – يطلب ود إسرائيل ، بل ويضطهد في بلده كل من يمثل خطرا عليها ، وخصوصا الإخوان المسلمين .

وبعد أن تفرق العرب ، وبعد أن صار الانتماء إلى العروبة سُبَّة في الجبين ، تحول الصراع إلى داخل كل دولة على حدة .

ففي دولة يشتعل فيها الصراع بين العرقيات ، وفي أخرى يشتعل فيها الصراع بين الطوائف ، وفي ثالثة يشتعل فيها الصراع بين الأديان ، وقد رأينا في مصر كيف تم التخطيط لخلق حرب أهلية بين المصريين – رغم وحدة عرقهم ودينهم ولغتهم ومذهبهم – بعد الانقلاب العسكري المشؤوم ، وكيف تم توظيف كل شيء لتحقيق هذا الهدف الملعون بما في ذلك الفن حيث غنى أحدهم أغنية “احنا شعب وانتو شعب لينا رب وليكو رب” مخاطبا بذلك الكتلة التي عارضت الانقلاب العسكري ، بل وشمتوا في قتلاهم ودمائهم المسفوكة بأغنية “تسلم الأيادي” .

هي إذن خطوات يتبع بعضها بعضا ، كلما تفكك جزء ؛ انصب الاهتمام على تجزئة المجزء وتقسيم المقسم .

كانت قضية فلسطين في بدايتها قضية إسلامية يدافع عنها خليفة المسلمين ويقف جميع المسلمين في أنحاء العالم وراءه ، ويعمل العالم كله ألف حساب لردة فعلهم .

ثم صارت قضية عربية تخص العرب فقط دون الآخرين ، ثم صارت قضية فلسطينية ، ثم قرروا أن منظمة التحرير الفلسطينية التي تم تدجينها هي المتحدث الوحيد باسم القضية ، ويعلن العرب أنهم يرضون بما يرضاه الفلسطينيون لأنفسهم تحت قيادة منظمتهم .

ثم انقسم الفلسطينيون بين من استسلم لمخططات اليهود وهم الذين تعترف بهم كل دول العالم و تنهال عليهم المعونات من كل أنحاء الدنيا ، وبين من يريد استرداد الأرض من النهر إلى البحر ، ولا يعترف بهم أحد ، ولا تأتيهم معونة ، بل ويوضعون على لوائح الإرهاب العالمية ، وتضيق عليهم كثير من الدول العربية .

ثم أخيرا تحول العدو الإسرائيلي إلى صديق تُقدم له الخدمات ، وتحول الفلسطيني الذي يسعى إلى تحرير أرضه إلى عدو تُكالُ له الاتهامات ، وما كان يحدث في الخفاء ، صرنا نراه في العلن ، فقد رأينا كيف وقفت دول عربية بجانب إسرائيل في حربها ضد أهل غزة بدلا من وقوفها مع أهل غزة ضد إسرائيل .

لقد حذرنا القرآن الكريم من النزاع والفشل ؛

فقال تعالى : ” وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا” الآية 46 من سورة الأنفال ، وقال أيضا : ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ” الآية 103 من آل عمران ،

وقال أيضا :” إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” الآية 92 من سورة الأنبياء .

فهل نقف مع أنفسنا وقفة جادة نراجع فيها أنفسنا ، ونعيد حساباتنا ، ونتعرف على مواقع أقدامنا لنعرف عدونا من صديقنا ، وندرك ما يضرنا وما ينفعنا ؟

هل آن لنا أن نزيح العوائق التي تقف عقبة كؤودا أمام نهضتنا واسترداد عزنا ومجدنا ؟

هل آن لنا أن نفيق من غفلتنا قبل فوات الأوان ، حتى لاتزداد حسرتنا إذا عرفنا الحقيقة بعد فوات الأوان .

إن الحل يكمن في تمسكنا بديننا ، وعودتنا لوحدتنا ، وهوان الموت على نفوسنا .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...