بكاء ودموع وإغماء

1

عز الدين الكومي:

ما أروع ما قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، واصفا حال الأمة التي تخلت عن رسالتها وانشغلت بالتفاهات التى لاينبنى عليها عمل: إن العقول الكليلة لا تعرف إلا القضايا التافهة، لها تهيج، وبها تنفعل، وعليها تصالح وتخاصم!! فمثلا عندما نري شبابنا يبكي بحرقة لأجل خسارة مباراة في كرة القدم، ولا يبكي لأجل الدماء التي سالت وتسيل في كل يوم في سورية والعراق واليمن وليبيا، وقبل ذلك ضياع فلسطين، لاشك أنه شباب عابث انحرفت بوصلة توجهاته عن الهدف!!

هذا الشباب الذي يهتف بكل قوة وحماس وعصبية، واقفا بالساعات ليشاهد مباراة لكرة القدم، وقبلها يقف بالساعات ليحصل على تذكرة دخول، وقبلها يتابع استديوهات التحليل ليتعرف على تشكيلة الفريقين!!

حتى نسي هؤلاء أن معركتنا الحقيقة التي ينبغي أن نكرس حياتنا لها هي معركة الهوية والحرية التي يحاول أعداؤنا طمسها بكل قوة عبر هذه التفاهات !!

وإني لأتعجب كيف يحلو لهؤلاء الشباب أن يشاهدوا مباريات كرة القدم بعد مذبحة بورسعيد، ومذبحة رابعة، والنهضة، ومسجد الفتح، ورمسيس، والقائد إبراهيم، ومذبحة الدفاع الجوي وغيرها من المذابح ضد الشباب الطامح للحرية والعيش الكريم !!

وكم حاولت الأنظمة الدكتاتورية استخدام الرياضة للتغطية على فضائحها، وهزائمها، وفشلها، وهم يضحكون علينا ويلهوننا ويستخفون بنا!!

إلى هذا الشباب العابث: كيف تتابع مباريات كرة القدم وأنت تري شبابا مثلك سقطوا شهداء، وغيرهم غيبتهم غياهب السجون والمعتقلات بقضايا ملفقة !!

لقد تسببت كرة القدم في تغييب قطاع كبير من شبابنا عن واقعهم، والاهتمام بقضاياهم والانفعال بمشكلاتهم، حيث أصبحوا غارقين في تشجيع الأندية الرياضية، وتحولت الكرة بالنسبة لهم إلى طموح، فقتلت فيهم الطموح الحقيقي نحو التفوق والريادة، بل جعلوا اللاعبين قدوة ومُثلا عليا لهم، فصارت أسمي أمانيهم أن يكونوا لاعبين إلى جوارهم، وإن ضعفت بهم الأمنيات والآمال صارت أسماها أن يحصلوا على توقيعاتهم أو صورهم للذكري والفخر بين أقرانهم!! واستغلت الأنظمة الفاسدة كرة القدم؛ فسلطت عليها الأضواء، واشتهر لاعبيها بين أبناء الأمة، وصاروا مادة للإعلام بشتى وسائله، وأضحوا نجوما للمجتمع يشار إليهم بالبنان يتحدثون في كل شيء !!

وكم أدى التشجيع المجنون لكرة القدم إلى القطيعة بين المسلمين، وإثارة النعرات القومية والوطنية فيما بينهم، مثلما حدث بين مصر والجزائر بسبب مباراة بينهما عام 2010، حتى وقعت القطيعة بين الدولتين وصارت بينهما حرب إعلامية طاحنة، وانحطاط أخلاقي وصل إلى حد القذف، والتلاسن والتراشق بين الدولتين، وتبادل الاتهامات حتى وصل الأمر بأحد مقدمى البرامج الرياضية المصرية القول: بأن الجزائر بلد عاهرات والشعب الجزائرى لقيط!!

وهذه المبارة التى أقيمت على أرض الشقيقة السودان كأرض محايدة، وقام إعلام الدولتين بالتغزل فى الشقيقة السودان، فبينما وصف الإعلام الجزائرى عمق العلاقات بين بلد النيل وبلد المليون شهيد،قام الإعلام المصرى بالعزف على العمق الاستراتيجى للبلدين، عندما كان هناك عمق، وأرسلت كل بلد بوفود شعبية ورسمية لحضور هذه الموقعة الكروية،وأقيمت المبارة تحت شمس أم درمان المحرقة،والتى كانت فرصة لعلاج نقص فيتامين (د) الذى يسبب الكساح،انتهت المبارة بفوز الجزائريومها، ولم تسلم الشقيقة السودان من النقد، وكل طرف اتهمها بأنها كانت تميل للطرف الآخر، وماذا تصنع السودان فى هذه الحالة، سواء أقيمت المبارة فى أم درمان أو أم روابة لكن من شاهد المبارة ظن أن الفريق المصرى يلعب فى كسلا أو فشلا!!

وذكرت تقارير صحفية أن العقيد معمر القذافى عرض الوساطة بين البلدين، كما أن دولة الكيان الصهيونى عرضت بدورها التوسط بين البلدين!!

وكانت هناك حملات إعلامية منظمة، من أجل تشويه صورة الجزائر وسمعته وخلق عداوة وهمية مع مصر لحشد الجماهير وراء جمال مبارك، ومنحه الشرعية في وراثة الحكم!!

وعلى المستوي المحلي الداخلي انتشر التعصب المذموم بين الأقاليم والمحافظات في الوطن الواحد بسبب تعصب كل إقليم أو محافظة لفرقها الرياضية، وانتشرت بين أبناء الوطن مشاعر الحقد والكراهية، والنبذ والعنصرية والعداء، وأقرب مثال علي هذا ما وقع في مدينة بورسعيد بسبب مباراة كرة قدم بين فريقي المصري، والأهلي، والتي راح ضحيتها مئات القتلى واالجرحى!!

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل، أن الكراهية والقطعية وصلت إلي داخل البيت الواحد، بين الزوج وزوجه، وبين الأبناء بعضهم البعض!!

ولذلك رأينا الكثير من الشباب بنين وبنات، يبكون وينتحبون ويحزنون، بسبب هزيمة نادي الزمالك من صن داونز الجنوب إفريقى، ومن كثرة البكاء والعويل واللطم تشعر، كما لوكنت فى إحدى حسينيات الشيعة فى يوم عاشواء، أو أنك فى أحد سرادقات العزاء والكل يعانق الكل ،وأحيانا هناك معانقات مختلطة!!

حتى أن رئيس الزمالك والمعروف ببلطجته وأنه أحد داعمي النظام الانقلابي، وأحد مدبري موقعة الجمل راح يبرر هزيمة فريقه قائلا: أقسم بالله اتغلبنا بالسحر، والحكم خد عشرة ألاف دولار رشوه وعلي الطلاق من بيتي!!

والطريف أنه يفسح لهذا الرويبضة مساحات واسعة علي شاشات التلفزة اتقاءً لشره، ولسانه السليط،والسيديهات التى بحوزته، هؤلاء الذين رفعوا شعارالرياضة فن وذوق وأخلاق!!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...