وائل قنديل يكتب : مع إسرائيل ذلك أفضل جداً

19_08_16_11_51_ew

 

وائل قنديل :
في اللحظة التي كان فيها اللاعب المصري، السلفي، يسقط، بمهارةٍ شديدة، منهزماً، بامتياز، أمام اللاعب الصهيوني، كان عبد الفتاح السيسي يلقي خطاباً طويلاً، جوهره وموضوعه الأساس: أنه مع إسرائيل حتى النهاية، فذلك أفضل جدا.

تشعر وأنت تعيد مشاهدة دراما الانهزام المصري أمام الصهيوني في الألعاب الأوليمبية أن هذه اللقطة مصنوعةٌ بعناية فائقة، وكأن اللاعب ذا اللحية الكثيفة يؤدي مهمة”وطنيةً” جليلة، حسب التعريف السلفي الانقلابي للوطنية، أو أنهم قالوا له “اذهب وانهزم” خدمة لوطنك، الذي هو شخص عبد الفتاح السيسي.

مفردات الصورة التلفزيونية للاعب تحمل الرسالة التي يروّجها نظام عبد الفتاح السيسي: لا قِبَلٓ لنا بمواجهة إسرائيل، ولا نريد.. وأن في الاستسلام والانسحاق الطوعي أمامها النجاة، وأن في التطبيع، إلى درجة التلاحم معها، السلامة، وأن اللعب معها لم يعد عاراً يلوّث الكرامة الوطنية، والقيم الإنسانية، وأن هذا هو النوع الوحيد المسموح به من السلفيين، وأصحاب اللحى، ممن بهرولون لمصافحة تسيبي ليفني، بينما يقبع الآخرون، أمثال حسام أبو البخاري وحازم أبو إسماعيل، في أقبية السجن والتعذيب.

سيقول لك أحدهم إن اللاعب المصري رفض مصافحة الإسرائيلي، وهذا بالضبط جوهر تفكير سلفية التطبيع والانقلابات التي يمثلها ياسر برهامي، ومن على شاكلته، ممن كانوا يحرّمون تهنئة المسيحيين بأعيادهم، لكنهم، في الوقت ذاته، لا يمانعون في التواصل الحميم مع الصهاينة. وقد نُشِر أن اللاعب سلفي، على طريقة شيخٍ من الطريقة “المدخلية”، تحتفظ الذاكرة له بموقف شائن، في أثناء العدوان الصهيوني على لبنان 2006، إذ كان يدعو الله في خطبه أن تنهزم المقاومة اللبنانية، وتخرج من المعركة مكسورةً مدحورةً، اتساقاً مع موقف رسمي عربي، كان مع العدوان الصهيوني، لاعتباراتٍ طائفيةٍ مقيتة، ضد المقاومة اللبنانية التي يمثلها حزب الله، عندما كان حزبا مقاوما، لا مليشيا مذهبية متعصبة.

سيقولون إن اللاعب المصري خاض المباراة مرغماً مكرهاً، ولم يكن يستطيع الامتناع والانسحاب، بدليل أنه رفض أن يصافح، وهدا قفزٌ مثيرٌ للضحك على جوهر الموضوع، وكأن المصاحبة في الحلبة حلال، بينما المصافحة حرام، أو كأن اللاعب المصري لم يكن بمقدوره أن ينسحب، من البداية، بداعي الإصابة أو الإعياء، مثلاً، إن كان حقا في داخله يرفض السقوط في عار التطبيع الرياضي، كما فعلت، بكل النبل والشموخ والاتساق مع الذات، اللاعبة السعودية، التي أوقعتها القرعة مع إسرائيلية، فانسحبت.

بالعودة إلى مضمون خطاب السيسي، في اليوم نفسه، تجد نفساً ساداتياً، ينتمي بالكلية إلى أحاديث الرخاء الذي لن يتأتى إلا بالامتزاج بالمشروع الإسرائيلي، إذ تكلم السيسي، بكل السخط والاشمئزاز، من الربيع العربي، محملاً ثورة يناير المسؤولية عن خرابٍ هو فاعله ومنفذه، كما كان السادات يتكلم عن الحرب ضد العدو، باعتبارها خطيئة، والمقاومة بوصفها جريمة وتهورا وانتحارا.

وبالكيفية ذاتها، ذهب السيسي إلى الحديث عن ضرورات رفع الدعم، وتعاطي وصفات صندوق النقد، والسباحة في مستنقعات القروض والديون، والعمل على كل ما يقرّبه من إسرائيل، ويجعله في ركابها، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بالتوازي مع التوسع في قمع الداخل، والإمعان بالفتك والتنكيل بكل من يرفض أو يعترض، أو يشكّك في حكمة “كبير العائلة المصرية”.

هي اللوثة ذاتها التي أصابت السادات، في خريف حكمه، فتحوّل إلى فرعونٍ باطش، مزهواً بالحصانة الإسرائيلية، أو كما قلت قبل عامين “لا تختلف أجواء القاهرة هذه الأيام عن أجواء سبتمبر 1981، إذ تتلاحق ضربات نظامٍ يتحرك عشوائياً كثور هائج في مدينةٍ من الزجاج، يقتل ويسجن ويصادر حياة الجميع، كي يستقر في السلطة محاطاً بمجموعةٍ من السفاحين، يمارسون أحط أنواع العنصرية تجاه من يعترض على فاشيتهم غير المسبوقة”.

يقول لنا التاريخ إن الطغاة الذين يصنعهم لنا أعداؤنا، لهم فترة صلاحية محدّدة للاستخدام، يجري خلالها استعمالهم في تنفيذ مهام معينة، وبعدها يكون التخلص منهم، إذ يصيرون عبئاً، أو تصبح كلفة استمرارهم أعلى بكثير من فواتير استبدالهم.. وفي مصر الآن، يوشك مشروع التخريب الاستراتيجي أن يبلغ منتهاه، ولم يعد في قوس التنازلات منزع.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...