عامر شماخ يكتب : الحرية والعدالة.. من رحم الثورة إلى مقبرة العسكر

1

 

بقلم: عامر شماخ

كان من ثمرات ثورة 25 يناير بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، إطلاق يدها فى الدعوة والعمل العام، بعد حظر استمر ما يقرب من ستين عامًا. ولما كان الإخوان هم أكبر الفصائل الدعوية والسياسية على الساحة، فقد شرعوا عقب الثورة مباشرة فى التفاعل السياسى والمجتمعى.. بدأت الجماعة، فى كل ربوع مصر، فى إشهار مقراتها وإعلان رموزها وأعضائها لكل الناس؛ من أجل التلاحم مع المجتمع لحمايته من مؤامرات الثورة المضادة التى بدأت وتيرتها فى الزيادة وصارت أكثر وضوحًا وشراسة.

منذ مطلع شهر مارس 2011م، شرع الإخوان فى تأسيس حزبهم، الذى أطلقوا عليه «الحرية والعدالة»، واختاروا له وكيلا للمؤسسين (د.محمد سعد الكتاتنى)، ثم بدءوا يعدون الوثائق الأساسية للحزب، تمهيدًا لانتخاب الأمناء من هيئة المؤسسين.
وفى يومى الجمعة والسبت (29 و30 من أبريل 2011م) انعقد مجلس شورى الجماعة، فى المركز العام بالقاهرة، فى انعقاده الثانى بالدورة الرابعة (2010- 2014م)، وناقش المجلس الموضوعات المعروضة عليه، وقرر ما يلى:

1- اعتماد الإجراءات التى اتخذها مكتب الإرشاد بخصوص حزب «الحرىة والعدالة». 2- اعتماد برنامج حزب «الحرىة والعدالة» ولائحته، مع إجراء التعدىلات اللازمة. 3- حىث إن جماعة الإخوان المسلمىن هىئةٌ إسلامىةٌ جامعةٌ، والعمل السىاسى أحد مجالات عملها، والحزب السىاسى هو أحد وسائل العمل السىاسى، وىسعى إلى تحقىق رسالة الجماعة وأهدافها طبقًا للدستور والقانون؛ فإن هذا الحزب ىعمل مستقلا عن الجماعة، وىنسِّق معها بما ىحقق مصالح الوطن. 4- انتخاب كلٍّ من: أ- الدكتور محمد مرسى، رئيسًا للحزب. ب- الدكتور عصام العرىان، نائبًا لرئيس الحزب. ج- الدكتور محمد سعد الكتاتنى، أمينًا عامًا للحزب، على أن ىترك كلٌّ منهم مسئولياته فى مكتب الإرشاد.

وأعلنت الجماعة فى بيان لها صدر يوم الأربعاء (4 من مايو 2011م) أن «حزب الحرية والعدالة» مستقل تمامًا -تنظيميًا وماليًا وإداريًا- عن جماعة الإخوان المسلمين، وليس أدل على ذلك من أن أعضاء مكتب الإرشاد الثلاثة الذين تم انتخابهم لإدارة الحزب تركوا مواقعهم فى المكتب.

وفى يوم الأربعاء (18 من مايو 2011م) تقدم الدكتور محمد سعد الكتاتنى، وكىل مؤسسى حزب «الحرىة والعدالة»، بأوراق تأسيس الحزب إلى لجنة شئون الأحزاب، متضمنةً: بيانات المؤسسىن وبرنامج الحزب ولائحته الأساسىة.

وقال- فى مؤتمر صحفى عقب تقدىم الأوراق- إن عدد المؤسسين وصل إلى 8821 من جمىع محافظات مصر الـ27، بينهم 978 امرأةً و93 قبطيًّا، مؤكدًا اختيار د. رفيق حبىب، المفكر القبطى، نائبًا لرئيس الحزب، مشيرًا إلى أن وجود أقباط بين مؤسسى الحزب ىدلُّ بشكل عملى على أن الإخوان المسلمين ىنفِّذون ما ىقولونه وىصرِّحون به، وأن الإخوة الأقباط شركاء الوطن.

وشدَّد على أن حزب الحرىة والعدالة ليس حزبًا دىنىًا، وإنما هو حزبٌ مدنىٌّ ىستند إلى مبادئ الشرىعة الإسلامية، وفقًا للمادة الثانية من الدستور.. مؤكدًا أن الحزب ىرفض سياسة الإقصاء، وأن أعداد الذىن كانوا ىرغبون فى الانضمام إلى الهىئة التأسيسية للحزب من خارج الإخوان كانت كبيرةً جدًا؛ الأمر الذى ىدلُّ على اقتناع الناس بالانضمام إلى الحزب.

وقد انطلق قادة الحزب الثلاثة يسابقون الزمن لإشهار الحزب الذى تم تدشينه رسميًا يوم السبت (23 من يوليو 2011م)، وقد وجه الحزب الدعوة لقادة الأحزاب والقوى السياسية، وقادة الفكر والرأى، ورجال الإعلام والصحافة، كما وُجهت الدعوة لممثلى السفارات العربية والأجنبية، والعديد من الشخصيات العامة ورجال الفن والرياضة، وتوافد رموز مصر من القوى الوطنية والسياسية والحزبية، لمشاركة الحزب حفل تدشينه بقاعة «فرحتى» بفندق «جراند حياة».

عقد الحزب مؤتمره الأول بالمجمع التعليمى بالإسماعيلية بحضور أعضاء الهيئة العليا وأمناء الحزب بالمحافظات وأعضاء الحملات الانتخابية وكذلك بحضور المرشحين المحتملين لمجلس الشعب والشورى فى الفترة من الأحد 11/9/2011م إلى الثلاثاء 13/9/2011م، وقد استعرض المؤتمر طبيعة المرحلة السياسية والاجتماعية التى يمر بها الوطن والتضحيات التى قدمها المصريون جميعًا فى ثورة 25 يناير، وترحموا على شهداء الثورة العظيمة الذين لولا دماؤهم الطاهرة الزكية ومعها جراحات المصابين ما كان للحزب أن ينشأ ولا للمؤتمر أن ينعقد.

فى يوم الاثنين (28 من نوفمبر 2011م)، كانت مصر على موعد مع أول انتخابات نزيهة وشفافة فى تاريخها السياسى، ففى هذا اليوم فتحت مراكز الاقتراع فى (9) محافظات أبوابها لأول انتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير، وهى الانتخابات التى اعتبرها الإخوان: «العبور الآمن إلى الديمقراطية ونقل السلطة فى مصر».. شهدت الانتخابات صباح هذا اليوم إقبالا كثيفًا لدرجة أن الطوابير وصلت فى بعض اللجان إلى كيلومتر.

وقد أعلنت اللجنة العليا للانتخابات يوم الجمعة (21 من يناير 2012م) النتائج النهائىة للانتخابات التشريعية التى استمرت 55 يومًا، شهدت مشاركة متميزة للشعب المصرى تحدى فيها كل الصعاب التى أرادت عرقلة مسيرته وانحيازه للخيار الديمقراطى.
وطبقًا للنتائج النهائية فقد حصل حزب (الحرية والعدالة) ومعه التحالف الديمقراطى على 235 مقعدًا من إجمالى 498 مقعدًا محققًا نسبة 2.47% من إجمالى مقاعد البرلمان وهى موزعة كالآتى: 127 فى القوائم، و108 على المقاعد الفردية.

وفى يوم الأحد (23 من يناير 2012م) عقد مجلس الشعب أو (برلمان الثورة) أولى جلساته، وكان المجلس قد شهد فى الأيام السابقة حالة من الحراك استعدادًا لبدء الجلسات.

وقد استَقبل آلافٌ نواب البرلمان استقبال الأبطال، مرددين هتافات مؤيدة لهم، رافعين لافتات تذكرهم بالمسئولية الملقاة على كاهلهم.. وفى هذه الجلسة تم اختيار الدكتور محمد سعد الكتاتنى رئيسًا للمجلس، محمد عبدالعليم داود (الوفد)، أشرف ثابت (النور) وكيلين. وكان (الحرية والعدالة) قد رشح الدكتور الكتاتنى لهذا المنصب، كما اختار نواب الحزب الأخ حسين محمد إبراهيم رئيسًا للهيئة البرلمانية للحرية والعدالة وزعيمًا للأغلبية.

وفى يوم الأحد (29 من يناير 2012م) بدأت انتخابات المرحلة الأولى لمجلس الشورى فى (15) دائرة انتخابية موزعة على (13) محافظة، خاضها الحزب بـ(87) مرشحًا للمنافسة على (90) مقعدًا لهذه المرحلة.

وقد أعلنت اللجنة القضائية العليا المشرفة على الانتخابات التشريعية النتائج النهائية لانتخابات مجلس الشورى، والتى أسفرت عن حصول حزب الحرية والعدالة (التحالف الديمقراطى) على 106 مقاعد من إجمالى 180 مقعدًا المخصصة لمجلس الشورى بنسبة 59% من بينهم 50 مرشحًا على المقاعد الفردية، و56 فى القوائم، وقد حصل الحزب على عدد أصوات فى القوائم بلغ 154.900.2 من إجمالى 689.446.6 هى إجمالى الأصوات الصحيحة بنسبة 45% من القوائم الحزبية.

لكن فى يوم الخميس (14 من يونية 2012م) أصدرت المحكمة الدستورية العليا -وبأوامر العسكر- حكمين اثنين، كلاهما يمثل اعتداءً على حقوق الثورة والثوار، الأول عدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب، الثانى عدم دستورية قانون العزل؛ الذى أصدره المجلس لمنع مرشحى الفلول وأذناب النظام السابق فى أى انتخابات مقبلة ولمدة محددة وعلى رأسها انتخابات الرئاسة.. وكانت تلك هى المرة الأولى التى تعقد فيها المحكمة جلسة مستعجلة وتتعامل مع الدعاوى بالجملة؛ إذ فصلت فى القانونين فى جلسة واحدة.. ولم يتأخر المجلس العسكرى كثيرًا عن إتمام المؤامرة؛ إذ فى اليوم التالى مباشرة لصدور حكم الدستورية العليا أصدر مرسومًا بحل المجلس الذى أدى فى مائة يوم ما لم تؤده برلمانات سابقة فى سنوات.

إذ منذ انتخاب نواب البرلمان فى يناير وحتى مايو 2012م، قبل قرار الحل، قام المجلس بنشاطات وإنجازات كبيرة فى مجالات: استحقاقات الثورة، النشاط السياسى، النشاط التشريعى، النشاط الرقابى، نشاط اللجان النوعية، لقد عقد المجلس خلال تلك الفترة (83) جلسة عامة، فضلا عن الجلسة الطارئة التى عُقدت لمناقشة أحداث بورسعيد، استغرقت (228) ساعة، و(3) اجتماعات مشتركة لأعضاء مجلسى الشعب والشورى من غير المعينين لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، وعقدت اللجان النوعية والمشتركة (917) اجتماعًا، استغرقت (2062) ساعة، وبلغ مجموع تقارير اللجان (523) تقريرًا، وتم إعداد (132) مذكرة بموضوعات مختلفة.

ورغم حل المجلس، ووضع العديد من العراقيل أمام الحزب، فإنه لم يتوقف ساعة عن دعم الديمقراطية، والمشاركة فى كل نشاط يحافظ على هذه التجربة الوليدة، إلا أن معاول الهدم كانت تخترق الساحة السياسية بكل حقدها وغبائها.. وجاءت المصائب تترى، كان أعظمها مصيبة انقلاب 3 يوليو 2013 الذى طمس معالم الخير، وأشاع التخلف والظلام، وكان حظر حزب الحرية والعدالة على يد هؤلاء المجرمين أمرًا طبيعيًا فى ظل تلك الأجواء الحالكة السواد، ففى مثل هذا اليوم (9 أغسطس 2014) صدر حكم سياسى من الدائرة الأولى بالإدارية العليا بحل الحزب استجابة لقرار لجنة شئون الأحزاب التابعة للعسكر. تم حظر الحزب، نعم، لكنهم لم يستطيعوا أن يحظروا الفكرة.. ولن يستطعوا.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...