إخوان الدقهلية الموقع الرسمي للإخوان المسلمين بالدقهلية
الثورة المصرية .. بين الأوهام والحقائق !!
عزت النمر:
الطنطنة على الماضي في الثورة المصرية وأخطاء رموزها وشخوصها وغياب الرؤية عن الجميع تكفلان للإنقلاب حياة هانئة واستقرار مكين.
الصخب الدائر في الملف المصري للأسف كله في دائرة الظنيات والخواطر وليس في محيط الحقائق والواجبات, وللأسف فإن واجبات الثوارة وآليات الخروج من الأزمة وخطوات التغيير ومواجهة الانقلاب وتحرير مصر كلها غابت في زاوية ضيقة من الفكر والحركة.
أوهام المصالحات وظنون التسويات وتسريبات الخلاف الاخواني وورفاهية مقارنة الانقلابات استبدت بنخبة الثورة وعقولها المفكرة, في صورة توحي بأننا شُغِلنا بالسبق الصحفي والإنفراد الإعلامي وربما الوجاهة السياسية بأكثر ما شغلنا بإطفاء حرائقنا وانقاذ أنفسنا وتحرير أمتنا.
كثير من المتكئين على أريكة الأمان والنعمة يستدعون أحاديث الجهاد والشهادة والولاء والبراء ووجوب الخروج في وجه الظلم ولا خير في أمة بغير جهاد يرفعون سيوفاً خشبية لا تهوي الا على جعجعة فارغة وضجيج بلا طحين.
لا أحد يرفض هذه الثوابت أو يقلل منها وكل الإحترام والتقدير لحماسة من يستدعيها, لكنه يظل حديثاً عاطفياً حينما ينقصه الوعي بالواقع ويغيب عنه معرفة وافية بإمكاناتنا ما نملك ومالا نملك، وحينما يفتقد البصيرة الكاملة التي تختار الأصوب في الخيارات المحدودة والصعبة في واقعنا المشتبك.
وغاية ما يصل اليه هؤلاء هو النصر المكين في ميدان القول والتنظير على أي صورة من صور الحراك على الأرض وطبعاً الفوز بالضربة القاضية وبالنقاط معاً على شعار سلميتنا أقوى من الرصاص وأصحابه.
على الجانب الآخر لا نريد من أحد أن يوقف عجلة التاريخ عند هذه المقولة التي كانت حقاً راشدة في وقتها وإلى عهد قريب، ولعلها تصلح تأريخاً لمرحلة ما، لكن تطورات الواقع ووحركة الأحداث تطالبنا وتصرخ في الجميع أن جددوا استراتيجيتكم وأعيدوا تموضعكم حيث أن الثورة في مرحلة التدافع القاسي هذه قد تتطلب المناورة وتغيير التكتيك كل يوم بل كل ساعة حسب الظرف والحدث.
في زوايا أخرى للمشهد حديث صاخب حول مبادرات بين مؤيد ومعارض جعلنا بامتياز نعيش في غيبوبة إشعال الحرائق التي تشغلنا وكأن نار حريق الانقلاب الذي تحرقنا جميعاُ لا تكفينا , فتركنا البحث عن الماء وأشعلنا المزيد.
أُم المعارك مازالت تدور حول الرجل الصامد في السجون والذي لم يتألم أحد لأنه يدخل عامه الرابع وحيداً في زنزانة إنفرادية لا يعلم أكثرنا أين هي؟!، ولا بحثنا وانشغلنا كيف نخرجه منها، أو حتى نُخِرج أنفسنا من غياباتها اعتباراً لرمزية الرجل منا ومن الثورة والشرعية!!.
بعض النكرات وبعض المشاهير ممن صنعوا لأنفسهم مجداً شخصياً لكنهم لم يحققوا شيئاً يحسب لهم في ساحة الوطن أو ميدان الأمة رفعوا رايات النقد والتحامل وسل سيوف التربص والغل على الرجل.
هؤلاء شنوا حرباً لا هوادة فيها استباقاً على موقع الرجل بعد خروجه مما هو فيه، أيرجع إلى القصر أم يرجع الى بيته أم يعتكف في مسجده يبكي أخطاء رموه بها؟!.
في الوقت الذي لم يعتذر هؤلاء عن خطايا ارتكبوها وشاركتهم فيها نخبة انتهازية لم ترتفع إلى مستوى الحدث وساهموا في إفشال التجربة وإسقاط الوطن.
الحقيقة في المشهد أن الدكتور محمد مرسي كشخص في غنى عن كل هذا، فالرجل في حقيقته عازف عن كل ما يتقاتل عليه القوم، ولم يكن من الباحثين عن منصب الرئيس وقتها ولم يتنعم به حين أتاه، وهذا ما يشهد له به الجميع سواء أنصاره ومؤيدوه أو حتى أولئك الناقمون عليه بالحق حيناً وبالباطل كثيراً.
حقيقة لا نتمناها للدكتور مرسي ولعله يفرح بها لنفسه طلباً لأجرها ــ وربما رفضاً لمثل هذ الهراء الذي يشغل نخبة الثورة وبعض مدعيها ــ أن يكون مآل الرجل حال خروجه في غير دنيانا التي نشتبك من أجلها , فلا قصر حيئذ ولا مسجد .. اللهم إلا لصلاة ستكون تكبيراتها الأربع عليه ومن قبل ذلك على ثوريتنا ووعينا وبصيرتنا كما ستكون على نخوتنا ورجولتنا سواءً بسواء.
ما سبق ليس حصراً لكل أوهام الثورة التي شغلت الجميع , فخريطة الواقع المصري مليئة بالخرافات والمتناقضات وإن تلبست جميعها ثوب النصيحة حيناً والحكمة حيناً والثورية المُدَّعاة في غالب الأحيان.
ذِكر أوهام الثورة يستدعي بالضرورة الوقوف عند الحقيقة الكبرى والتي تعلن بوضوح أن الثورة الجادة التي يُمكن معها إسقاط الانقلاب واستعادة الوطن ليس لها إلا طريق واحد واستحقاقين إثنين :
أما الطريق فهو فريضة التعالي على الخرافات والدجل وخُلق الارتفاع عن أشخاصنا وذواتنا وفضيلة القفز على الخلافات العميقة والندوب النفسية والمرارات التاريخية, ومن ثم الاجتماع وبذل الجهد في رؤية حقيقية للثورة ووضع خطة وبرنامج واضح بخطوات وآليات محددة لكسر الإنقلاب.
أما الاستحقاقين هما:
أولاً : أن سطوة الإنقلاب هي في الآلة العسكرية ممثلة في الدبابة والبندقية ومن يحملهما من الجيش والشرطة, ومن ثم لا بد البحث في مواجهة ذلك أو على الأقل تحييده وإفقاده فاعليته وتأثيره.
ثانياً : أن الاستكانة الشعبية وكتمان الغضب والصبر المذل الذي تتقنع بها قطاعات عريضة من الشعب هي ما يُطيل أمد الإنقلاب ويمد في عمره، وعليه فلابد من خطة ما لتحريك الغضب وتثوير الناس وإدارة ذلك، خاصة وأنه قد يكون السبيل الأمثل لإبطال سحر القوة العسكرية وتفكيك مفعولها.
بعيداً عن هذين المحورين فلا أعتبر أي حديث عن ثورة في مصر، إنما هي حينئذ معارضة خجولة تستجدي من الداخل والخارج لتحسين شروط العبودية وتجميل وجه الإستبداد.
