بقلم: عامر شماخ
هذا مثل يُضرب لمن تعجّل ولم يقدّر آثار عجلته، فكان عاقبته هلاكًا وخسرًا، وقد ندم وعاتب نفسه ولات حين مناص..
وقصة المثل أن جماعة من الناس أرادوا اجتياز نهر، فاتفقوا على أن يستخدموا قرب الماء التي يحملونها لهذا الأمر، فجعل كلُ واحد منهم ينفخ في قربته، ثم يحكم ربطها بيديه لكى لا يتسرب منها الهواء إلا واحدًا، هو صاحب هذا المثل، فإنه أهمل في ربط فم القربة، كما لم ينفخها بما يصلحها لأداء المهمة.. فلما كان القوم في وسط النهر نفد هواء قربته وانحل وثاقها وأشرف على الغرق، فنادى في أصحابه: إنى أغرق، فقال له أحدهم: «يداك أوكتا وفوك نفخ».. أى أنك أنت الذى تسببت في ذلك، فما حدث إنما هو جزاء حمقك وعجلتك وعدم تقديرك للأمور التقدير السليم، فأنت الذى ربطت فم القربة بيديك، وأنت الذى نفخت هواءها بفمك..
والمثل شائع، يردُّ به على النادمين على أفعالهم بعد اكتوائهم بنار ما ارتكبوا من خطايا.. وقد سُقتُ المثل قبل أيام لجار لى جاءنى نادمًا على ما كان منه تجاهى قبل وبعد اليوم المشئوم (30/6/2013)، قال: لم أكن أعلم أن ما نحن فيه الآن سوف يحدث، إنما خُدعت وتم استخدامى أنا وكثيرين لنصل إلى ما وصلنا إليه..
قلت: لا تقل إنك خُدعت يا فلان، فالعاقل لا يُخدع، إنما يُخدع السفهاء والحمقى، وأنت جامعى ورجل أعمال كثير السفر متعدد العلاقات، بل قل إن ما وقع منك كان طيشًا ورعونة..
ولأننى أعلم أن جارى هذا مجادل كثير اللجاج فلم أحاوره كثيرًا، إنما نصحته -سريعًا- بما يجب أن يقوم به الآن للتكفير عما فعل ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه..
فهو وأمثاله مطالبون بالندم على خطاياهم تلك، والتي نتج عنها إراقة الدماء، واستباحة الأعراض، واغتصاب الأموال وسجن الآلاف من الصالحين الشرفاء.. والندم يلزمه توبة، والتوبة لها شروطها المعروفة، فإن ندم وتاب فليشرع في أن يعود إنسانًا سويًا كامل المروءة وليس إمعة يتبع كل ناعق يدخل جحور أعداء الوطن والدين..
والرجل الحق هو من يعترف صراحة بالخطأ، دون لف ودوران، ويتوب من الذنب، ويسأل الله العفو والعافية، والتكفير عن خطاياه يكون بنصره الحق، والبذل في سبيل ذلك وقتًا وجهدًا ومالا ونفسًا، غير متردد ولا هياب، حامدًا الله تعالى أن أراه الحق حقًا والباطل باطلا، وأن رده إلى صراطه المستقيم، فلم يستمر في كذبه وغيه واتباع هواه، والكيس لا يعدم وسيلة من وسائل المعروف، ولا يفقد سبيلا من سبل الإصلاح، ولا يبرر لنفسه القعود والابتعاد عن مواطن الخطر، التي هى في الحقيقة أطواق النجاة وساحات المعروف والإحسان.
وما أكثر من ندموا ومن سوف يندمون خلال الفترة المقبلة؛ لأضرار لحقتهم بشكل مباشر استفاقوا على إثرها أو ربما سمحوا لعقولهم بالتفكير للحظات فاستيقظوا على كوارث لم يروها ولم يسمعوا عنها من قبل.. وهؤلاء وأولئك بحاجة إلى من يهديهم سواء الصراط، ومن يدلهم على الخير لأن من بينهم -وهذا مُشاهد- من لديه الحماس والعزم على أن يبذل الكثير في سبيل الحق الذى استبانه، فليُعطوا الفرصة ولا نكثر لومهم وتقريعهم، بل نترفق بهم ونبش لهم، ونأمل أن يكونوا من أهل النصرة والتخذيل، فرب واحد من أهل الصدق سبق عمله ألفًَا من أهل السبق الأخيار.
وفى هذه الأجواء سوف نجد أيضًا نادمين على خطاياهم ومساندتهم للعسكر، لكنهم يستكبرون في الاعتراف بكل الحقائق، يقرّون بالندم على مساندتهم للانقلابيين لكنهم لا يعترفون بخطئهم في حق الرئيس المنتخب وحزبه، ويلفون ويدورون ويقولون كلامًا غير مفهوم.. هؤلاء لا يُرجى خيرهم ولا ينتفع بهم، بل هم ضرر على كل إصلاح، فإن الحق لا يجزأ، وصاحب الهوى لا يصلح حكمًا، وهم سيحيون ويموتون على ذلك، إلا أن يغير الله حالهم إلى الأحسن.