كذاب “ربيعة” أحب إلينا من صادق “مضر”

06_03_16_10_23_ew

بقلم : السعيد الخميسي .

* كانت ومازالت وستظل قضية الحق والباطل هى القضية الفاصلة بين عالم الحيوان وعالم الإنسان . بين عصر الجاهلية الأولى , وعصر الإسلام , أو إن شئت فقل عصر الحجارة وعصر الحضارة . إن عالم الحيوان يحكمه قانون ” البقاء للأقوى ” أما عالم الإنسان فيحكمه قانون ” البقاء للأصلح “. فالحق ثقيل ثقل الجبال , ولا يقدر على حمله إلا الرجال . والباطل ضعيف لايثبت على حال ولا يستقر فى مكان مثل كثبان الرمال. ومع أن الحق شرف والباطل سرف . فإن الحق دائما لا يحتاج إلا إلى رجلين اثنين , رجل ينطق به ولا يخشى فى الله لومة لائم , ورجل آخر يفهمه ويقتنع به ويطبقه على أرض الواقع .ورغم أن الحق سيف قاطع ونور ساطع وبرهان واضح ,إلا أنه قد يفقدك كثيرا من الذين تتورم نفوسهم وتتضخم بطونهم من مجرد سماع قول الحق .لكنه يبقى الله معك وكفى بالله وكيلا ونصيرا. يقول الدكتور مصطفى محمود رحمه الله :” ليس على يسار الحق إلا الباطل كما أنه ليس على يمينه إلا الباطل . فالحق واحد ليس له جانب , كما أن الحرية واحدة ليس لها معنيان . ” إن أخطر ما يواجه مجتمعنا ووطننا اليوم هو شخصنة الحق والباطل ,فإن كان الحق مع من تحب وتهواه ,قبلته ورضيت به , وإن كان مع من تكرهه ولا تهواه , نبذته وراء ظهرك ووضعت عليه أكواما من التراب لينزوى فى الأرض السابعة .

* قال سيف بن عمر ، عن خليد بن ذفرة النمري ، عن عمير بن طلحة عن أبيه أنه جاء إلى اليمامة فقال : أين مسيلمة ؟ قالوا : مه ، رسول الله . فقال : لا ، حتى أراه . فلما جاءه قال : أنت مسيلمة ؟ فقال : نعم . قال : من يأتيك ؟ قال : رحمن . قال : أفي نور أم في ظلمة ؟ فقال : في ظلمة . فقال : أشهد أنك كذاب وأن محمدا صادق ، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر . واتبعه هذا الأعرابي الجلف ، لعنه الله ، حتى قتل معه يوم عقرباء . من هذا الموقف
نعلم أن هذا الاعرابى قد علم الحقيقة كاملة , وأن ” أبو مسيلمة ” كذاب أشر , ورغم ذلك أصر على أتباعه ورفع راية الباطل نكاية فى رسول الله صلى الله عليه وسلم لان ” أبو مسيلمة ” من قبيلته وهى قبيلة ” ربيعة ” وهو بذلك يرفع راية العصبية المنتنة التى حذرنا منها الإسلام . وهذا ما يحدث فى عصرنا الحديث اليوم , نؤيد ونساند ونؤازر كل من ينتمى إلى قبيلتنا وحزبنا حتى ولو كان على الباطل , ونرفض أى فكرة طالما أنها لم تخرج من بيتنا , إنها شخصنة الحق والباطل التى تعود بنا إلى عصر الجاهلة الأولى العمياء الصماء البكماء.

* وإن تعجب فعجب أمر هولاء القوم الذين اتبعوا” أبو مسيلمة ” الكذاب وهم يعلمون فى قرارة أنفسهم أنه كذاب , ورغم ذلك تبعه ما يقرب من مائة ألف مقاتل..!. أثارت قصة مسيلمة استغراب “أبو بكر الصديق ” رضي الله عنه , كيف يمكن لأناس نشأت بهم وفيهم دولة الكلام ألا يميزوا بين الأصل والتقليد ، بين الواضح والمبهم ؟ بين البليغ ونقيضه ؟ كيف تبع مسيلمة الكذاب مائة ألف مقاتل ..؟ أصرَّ الصدِّيق أن يسمع من أتباع مسيلمة الذين رجعوا إلى إسلامهم بعد موته بعضًا من كلماته .. فأسمعوه منها وهم في غاية الحرج قائلين : ” يا ضفدع بنت الضفدعين .. نقي ما تنقين . أعلاك في الماء .. وأسفلك في الطين . لا الشارب تمنعين ، ولا الماء تكدرين ، لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ، ولكن قريشًا قوم يعتدون .. والليل الدامس ، والذئب الهامس ، ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس” “. تعجَّب الصديق واستغرب ، وقال لهم متعجبًا : ” ويحكم أين كان يذهب بعقولكم ؟ لايخرج هذا الكلام إلا من مؤسسه أبو مسيلمة الكذاب . لقد وصل الآمر بإتباعه أنهم وافقوه على أن مايقوله قرآن مثل القران الذى جاء به سيد البشرية . إنه العناد الذى يورث الكفر .

* هذا التعصب المقيت النتن الآسن ظهر جليا فى رفض صناديد قريش دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ليس كفرا بالرسالة فى حد ذاتها , بقدر ماهو رفض لشخص ” محمد ” حيث أنه من وجهة نظرهم يتيم وفقير ولايمكن أن يكون سيدا عليهم بتلك الدعوة . وقد عبر القران الكريم عن هذا الموقف بقول الله تعالى ” وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القرتين عظيم ” فحسب زعمهم , إن كان محمدا حقا صاحب رسالة صادقة , فلماذا لم ينزل الوحى على رجل عظيم من إحدى القرتين مكة أو الطائف ..؟ واختلفوا في الرجل الذي وصفوه بأنه عظيم ، فقال بعضهم : هلا نزل على الوليد بن المغيرة المخزومي من أهل مكة ، أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من أهل الطائف ؟ . أى أنهم بهذا شخصنوا قضية الدعوة والرسالة وربطوا قبولهم بها بالشخص الذى يحملها ,, ولم يشغلهم أو يؤرق مضجعهم هل هذه الرسالة صادقة أم لا بصرف النظر عن صاحبها . وإذا أسقطنا هذا الموقف على ارض الواقع , فإننا لانتعب فى البحث كثيرا حتى نجده متجذرا فى نفوس شرائح كثيرة فى المجتمع , ترفض الحق الواضح من جهة ما أو شخص ما , لأنهم على خلاف مع تلك الجهة أو هذا الشخص . لايشغل بالهم قيد أنملة هل هذا حق فنتبعه , أم باطل فندحضه ونرفضه..؟
* إننى فى هذا المقال أدعو جميع شرائح الشعب من نخبة ومثقفين وعوام إلى التجرد من هوى النفس وحظ الشيطان لوجه الله والوطن . ولا نربط الحق بحامله حتى ولو لم يكن على هوانا ومزاجنا النفسي , حتى لا نصل إلى ما وصل إليه صناديد قريش من نتيجة غير مرضية لله ولا لضمائرنا مفادها وخلاصتها ” كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر ” بل يجب أن يكون شعارنا الابدى السرمدي ” صادق مضر أحب إلينا من كذاب ربيعة ” حتى لو كان القوم ينتمون إلى قبيلة ربيعة..؟ . فالحق أحق أن يتبع حتى ولو كان مرا علقما لاتستسيغه حلوقنا ولا تطيقه ظهورنا ولا تحتمله نفوسنا . إننا موقوفون أمام الله طال بنا الزمن أو قصر . وسنسأل عن كل موقف , وكل سكنه أو حركة , بل وعن كل كلمة أهي لله أم للشيطان وهوى النفس . يوم أن نتجرد من حظوظ أنفسنا الأمارة بالسوء , يوم أن ينصلح حال دنيانا وآخرتنا , يوم أن تتقدم أوطاننا , يوم أن يصير الحق حقا , والباطل باطلا . فهل إلى خروج من هذا الموقف من سبيل..؟ إنا لمنتظرون . اللهم بلغت… اللهم فاشهد .
 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...