الأمة الإسلامية بين القمر و«العبث» بقلم :- محمد ثابت

15_03_16_10_38_ew2016

 

بقلم: محمد ثابت

جالت بخاطري أفكار عدة في طريقي إلى «مؤتمر توحيد الشهور القمرية والتقويم الهجري الدولي» المنعقد في استطانبول في نهاية مايو/أيار الماضي، وقد حضرت طرفاً مهماً به بالجلسة الأخيرة ليوم الأحد 29 من مايو/أيار الماضي، والمؤتمر نظمته «هيئة الشئون الدينية الرسمية التركية»، وحضرته نخبة متميزة من علماء المجلس الأوربي للإفتاء، بالإضافة إلى العلامة الشيخ «يوسف القرضاوي».

ورغم إنني لستُ من المتحمسين المقتنعين بجديّة المؤتمرات في بلادنا، ربما منذ عرفتُ في مطلع الشباب أن الأمر ما هو إلا ميزانيات يتم صرفها في أوجه معينة بخاصة للهيئات الثقافية والمعنية بالفكر، وأن العشرات وأكثر من المؤتمرات قد تقعد لهدف وغرض واحد، أو لمناقشة أمر ما ثم تنتهي في النهاية إلى المخزن الرهيب للأمور «ألا شىء»!

لكن وجود الشيخ «القرضاوي» والدكتور «علي القرة داغي»، نائبه باتحاد علماء المسلمين، ومجموعة أخرى من العلماء جعلني أتحير:

ـ أهم يملكون وسيلة سياسية ما لجمع الأمة على تقويم هجري موحد..كما يبوح عنوان المؤتمر أنه يريد تغييراً؟!

ولا يخفى على أحد أن أمر مطالع الشهور القمرية بخاصة بداية ونهاية شهر رمضان ومن ثم يوم عرفة الأمر سياسي من الطراز الأول، ولا تجوز إلا الرحمة على الرئيس الليبي الراحل «معمر القذافي» الذي كان يتفنن في مخالفة تقويم السعودية في بدايات رمضان، ومن ناحية أخرى روى لي أحد الاصدقاء الأتراك، أن «كنعان أفرين»، وكان قائد لإنقلاب عسكري تركي قال للأتراك ذات مرة:

ـ حجوزات الفنادق لدينا مستوفاة لأجل نهاية شهر رمضان والعيد، ولذلك فكرنا في تأخير الشهر اثنا عشر يوماً لنحصل على إشغالات أخرى سياحية والمزيد من حجوزات الطيران، وضعوها في عنقي أنا .. أحاسب عنها!

هذا غير الصيام الخاطىء وبالتالي ضياع يوم من الشهر الفضيل، وحدث ان صامت السعودية نفسها 28 يوماً ثم ظهر الهلال بها .. وأخرج الملك الراحل «فهد بن عبد العزيز» الكفارة عن المملكة كلها!

«1»

تمت مناقشة التقويم الآحادي الذي يقول بجعل مطلع شهر رمضان واحداً في العالم كله من قبل علماء دين أتراك بالإضافة إلى علماء فلك، حتى قام مهندس مصري يعمل في مرصد أبي ظبي للفلك فدفع الأسانيد العلمية بدفوع بدت ثقته بالنفس عالية وهو يشرحها، وكان مشروعه خاصاً بجعل مطلع شهر رمضان مطلعين واحد خاص بالغرب وآخر بالدول العربية، وشعرتُ بعدم ارتياح في القاعة، فإن التقويم الآحادي مقدم من تركيا المستضيفة للمؤتمر كله.

ولكن الخلاف اتسع بخاصة مع طرح عالم للدين لسؤال بدا غريباً لكن واقعياً:

ـ هل التقويم الآحادي سيلزم السعودية بالصيام وفقاً للرؤية الفلكية الأمريكية؟!

ولما جلست مع مدير مرصد أبي ظبي للفلك عقب المؤتمر أوضح لي بهدوء:

ـ إننا كلما اتجهنا غرباً بدا استطلاع القمر أكثر صفاء في السماء، وبالتالي كان تحديد مطالع الشهور القمرية أيسر.

وبنهاية جلسات اليوم كان من المفترض أن يتم تصويت على أحد التقويمين حتى انطلق الشيخ «القرضاوي»، حفظه الله، بدرس بليغ بكلمات متحمسة منطلقة متخففة من كل الحسابات والتوازانات.

«2»

قلتُ للشيخ «القرضاوي» بعد الجلسة:

ـ أفلا يُحضنا الإسلام على توحيد بدايات الشهور؟

فقال على الفور:

ـ لو أن الامر كذلك، يا بُني، لما قال الرسول، صلى الله عليه وسلم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، أي على كل الذين رأوا الهلال أن يصوموا ويفطروا، ولو أن المقصود النبوي الشريف أراد القول، صوموا في موعد واحد وأفطروا في موعد واحد، وقد أوتي الرسول العظيم جوامع الكلم، لقال صوموا جميعا لرؤيته وافطروا جميعاً لرؤيته.

ومن العجيب أن مجلس الإفتاء الأوربي اتخذ نفس الحديث للحض على الصيام والإفطار وتوحيد المطالع الخاصة بالشهور القمرية!

قلتُ للشيخ القرضاوي:

ـ ولكن اختلاف المطالع يسىء إلى صورة المسلمين في الغرب؟

فقال:

ـ يتفقوا هم في الغرب، تتفق أوربا وأمريكا على هذا، ويدعوننا نحن في خلافتنا هذه!

ـ لماذا؟

قال بصوت يقطر حسرة:

ـ يا بني الأمة مختلفة على كل شىء، فهل نترك كل هذا ونتفق على بدايات الشهور هذا عبث حينما نتنهي من كل مشكلاتنا سيكون لدينا من الوقت ما يكفي لمناقشة الامر وسيكون هذا أكثر عملية وأقرب إلى الحقيقة والتنفيذ العملي دون التورط في هذا «العبث»..

«3»

«العبث» إذاً، برأي الشيخ «القرضاوي»، أن تترك الأمة نفسها للطغاة يتنازعونها، ويستولون على مقدراتها، ويذبحون شعوبها، ويعتقلونهم ويطيحون بالديمقراطية فيها، إلا من رحم ربي، ثم تزعم إنها ستحل مشكلة «التقويم القمري»!

وفي اليوم التالي تم التصويت على «التقويم الآحادي» مع شىء من التعديلات، ولم أعرف عن نفسي كيف أمّل العلماء في تطبيقه.

أما الحقيقة فهي أن مشكلة التقويم الموحد كانت تثار عشوائياً من قبل، وكانت الأمة تصوم وتفطر في أغلبها، مع خروقات هنا وهناك لكن دون تقنين لا للخروقات ولا للصيام فأوصلنا المؤتمر الاخير إلى تقنين للخروق عبر إفطار أوربا وتركيا وبعض دول البلقان اليوم (الثلاثاء 5 من يوليو/تموز)، وبقاء المملكة وبقية الدول إلى الغد لإعلان العيد ..

فهل رأى أحد عبثاً في حياة أمة خير من هذا، بخاصة ان السادة الأفاضل الذين أعلنوا الإفطار اليوم، واعتمدوا التقويم الفلكي، وقد لا يكون خطأ، ولكنه غير مناسب للحظة الحالية من حياة الأمة، هؤلاء السادة سيدخلون شهر ذي الحجة رغماً عنهم بتوقيت السعودية..

قليل من «التعقل» وفقه الاوليات يا سادة .. الغرب صعد «القمر» وأنتم تقنون الخلافات حول ظهوره وغيابه وتمزقون الأمة أكثر!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...