“سلميتنا أقوى من الرصاص” قالها الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، على منصة رابعة العدوية، منذ 3 سنوات، فكافأه العسكر بحملة من الأحكام ربما لم يحصل عليها بشر من قبل، حيث تخطت أحكام السجن قرنا من الزمان، كانت في شكل 7 أحكام بالمؤبد، فضلا عن أحكام بالإعدام 3 مرات، ومحاكمة عسكرية قضت بالسجن 10 سنوات.
وبالتزامن مع ذكرى الانقلاب العسكري الدموي، لم تكتف سلطات الانقلاب العسكري بتلك الأحكام الباطلة والجائرة، لكنها شرعت في معاقبة المرشد العام وأسرته بنوع جديد من العقاب، وذلك بإخفائه داخل محبسه ومنع الزيارة عنه، ونشر أخبار في صحف الانقلاب تفيد بتعرضه لوعكة صحية شديدة، وأخرى تفيد بوفاته، دون التثبت أو التأكد من أي من تلك الأخبار.
والغريب أن المرشد العام لجماعة الإخوان، الذي يواجه كل تلك الأحكام وأصبح مصيره مجهولا في سجون العسكر، ليس ديكتاتورا عسكريا قاد انقلابا دمويا، قتل من خلاله الآلاف في مجازر متنوعة كرابعة والنهضة وغيرها، ولا حاكما ظالما حكم شعبه 30 عاما، وحين ثاروا عليه أطلق داخليته تقتل الناس ظلما وعدوانا، ولا رجل أعمال فاسدا سرق مقدرات وأموال المصريين وهربها خارج البلاد، لكنه عالم متخصص في مجاله، ومرشد لجماعة سخرت جهودها لخدمة الوطن ورفعته خلال فترة تناهز الثمانين عاما.
ورغم سنه والأمراض التي يعانيها، والمعاناة الإضافية التي يواجهها من داخلية الانقلاب التي تتعمد إهانته وإرهاقه، إلا أنه دائما ما يظهر في قاعات المحاكمات صابرا محتسبا قويا ثابتا لا يخشى في الله لومة لائم.
تاريخ محاكماته
ولا تعد المحنة التي يمر بها الدكتور محمد بديع في عصر الانقلاب العسكري هي الأولى من نوعها، حيث سبق وأن تعرض لأحكام جائرة في فترات حكم كل من عبد الناصر والسادات والمخلوع مبارك.
وواجه بديع 4 قضايا كبرى في حياته، كانت أولها القضية العسكرية الأولى سنة 1965، والتي أعدم فيها عبد الناصر الشهيد سيد قطب، وسجن فيها عددا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بالمخالفة للقانون.
وحُكم على المرشد العام في ذلك التوقيت بالسجن خمسة عشر عامًا، قَضى منها 9 سنوات محتسبا، ثم خرج في 4/4/1974، وعاد لعمله بجامعة أسيوط، ثم نُقل إلى جامعة الزقازيق، وسافر بعدها لليمن حيث أسس هناك معهدها البيطري، ثم عاد بعدها إلى جامعة بني سويف.
أما القضية الثانية، فحكم عليه بالسجن 75 يومًا، بتهمة تأسيس جمعية الدعوة الإسلامية ببني سويف عام 1998؛ حيث كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة جمعية الدعوة ببني سويف بعد اعتقال الحاج حسن جودة.
والقضية الثالثة كانت “النقابيين” سنة 1999، حيث حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن خمس سنوات، قضى منها ثلاث سنوات وثلاثة أرباع السنة، وخرج بأول حكم بثلاثة أرباع المدة سنة 2003.
أحكامٌ بعد الانقلاب
وبعد الانقلاب العسكري الذي قادة عبد الفتاح السيسي على الدكتور محمد مرسي، فضل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الحفاظ على الوطن مقابل التضحية بحريته، حيث رفض الانجرار للعنف الذي حاولت سلطات الانقلاب العسكري توريط جماعة الإخوان المسلمين فيه أكثر من مرة، فرفع شعاره الخالد “سلميتنا أقوى من الرصاص”، ليؤسس بهذا الشعار المنهج الثوري الذي سارت عليه الجماعة في مقاومتها للانقلاب العسكري. لكن يبدو أن هذا الشعار أفسد على قائد الانقلاب خطته لتدمير الوطن، فراح يكيل له الاتهامات ويلفق له الجرائم التي لا يعرف عنها المرشد شيئا.
فتارة يحكم عليه بالإعدام لاتهامه بقتل ضابط بالمنيا، وإعدام آخر لاتهامه بإدارة اعتصام رابعة، ومرة يحكم عليه بالمؤبد في جرائم ملفقة تصدقها محاكم انقلابية هزلية شكلها عبد الفتاح السيسي خصيصا للانتقام من جماعة الإخوان المسلمين وقادتها.
3 أحكام بالإعدام
وكانت أول الاتهامات التي واجهها المرشد العام، القضية المختلقة التي لفقتها نيابة الانقلاب وأصدرت على إثرها أمرا، في 11 يوليو 2013، بضبط وإحضار المرشد العام للتحقيق معه في تهمة التحريض على الاشتباكات التي وقعت حول دار الحرس الجمهوري.
وقامت داخلية الانقلاب العسكري، فجر يوم الثلاثاء 20 أغسطس 2013، باعتقال المرشد العام بتهمة التحريض على العنف في أحداث ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة.
وعقب القبض عليه، شرعت نيابة الانقلاب العسكري في تأليف تهم وقضايا مختلقة، ووضع اسم المرشد على رأس المتهمين في كل قضية، بشكل يدعو إلى السخرية والأسى في آن واحد.
وخلال ثلاث سنوات من المحاكمات الهزلية، وجد الدكتور محمد بديع نفسه يحكم عليه بالإعدام 3 مرات، مرة يوم 24 مارس 2014 فيما يعرف بقضية “أحداث العدوة”، ومرة أخرى في قضية أخرى يوم 19 يونيو 2014 في أحداث مسجد الاستقامة، ومرة ثالثة في القضية الهزلية المعروفة بـ”غرفة رابعة”، وذلك في الحادي عشر من شهر أبريل 2015، وهو الحكم الذي تم إلغاؤه، وتعاد فيه المحاكمة حاليا.
أحكام بالسجن تخطت الـ100 عام
ووفق إحصائيات لهيئة الدفاع عن أفراد وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، فإن حصيلة الأحكام بالسجن للمرشد العام تخطت الـ130 عاما، جاءت في صورة 7 أحكام مؤبد، كل منها 25 عامًا، منها ما تم إلغاؤه، ومنها ما يزال قيد النظر، بالإضافة إلى حكم عسكري بالسجن 10 سنوات، وحكمين بالحبس لسنة و3 سنوات.
وجاءت أحكام المؤبد كالتالي:
* “أحداث الإسماعيلية” (25 عامًا) في مايو 2016، قضت محكمة جنايات الإسماعيلية بالسجن المؤبد على الدكتور بديع (25 عاما)، مع 105 آخرين حصلوا على أحكام متفاوتة بين المؤبد والسجن 10 سنوات، في القضية المعروفة إعلاميا بـ”أحداث الإسماعيلية”.
* “أحداث السويس” (10 سنوات) في ديسمبر 2015، قضت المحكمة العسكرية المنعقدة بمنطقة الهايكستب بسجن 149 شخصًا، بينهم المرشد، 10 سنوات لكل منهم، على خلفية تهم وجهت إليهم بـ”ارتكاب أعمال عنف” بمحافظة السويس.
* “الاستقامة” (25 عامًا) في 30 أغسطس 2014، قضت محكمة جنايات الجيزة المنعقدة في معهد أمناء الشرطة بطره، في حكم أولي قابل للطعن، بالسجن المؤبد على 8 أشخاص حضوريا، بينهم “بديع”، والإعدام بحق 6 غيابيا، في القضية المعروفة إعلاميا بـ”أحداث مسجد الاستقامة”، ولم يلغها القضاء بعد.
* “قليوب” (25 عامًا) في 5 يوليو 2014، قضت محكمة جنايات شبرا الخيمة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة في طره، في حكم أولي قابل للطعن، بإعدام 10 من قيادات الإخوان، والسجن المؤبد لـ37 آخرين، بينهم “بديع”، في قضية قطع الطريق الزراعي بمدينة قليوب بمحافظة القليوبية.
* “أحداث مكتب الإرشاد بالمقطم” نهاية فبراير 2015، قضت محكمة جنايات القاهرة، في حكم أولي قابل للطعن، بالسجن 25 عاما لمرشد الجماعة.
* “أحداث البحر الأعظم” في 15 سبتمبر 2014، قضت محكمة جنايات الجيزة، بالمؤبد على د. بديع و14 من قيادات جماعة الإخوان في القضية المعروفة إعلاميا بـ”أحداث البحر الأعظم”.
* اقتحام السجون (25 عامًا) في يونيو 2015، قضت محكمة مصرية بالسجن المؤبد على “بديع” في القضية المعروفة إعلاميا باسم “اقتحام السجون”، على خلفية تهم بـ”التحريض، والإضرار بمصلحة البلاد”، ولم يلغه القضاء بعد.
* إهانة القضاء (4 سنوات) في 30 أبريل 2014، قضت محكمة جنايات القاهرة المنعقدة بأكاديمية الشرطة في التجمع الخامس بحبس “الدكتور محمد بديع” و21 آخرين سنة مع الشغل، بعد إدانتهم بـ”إهانة القضاء”.
– تكرر الأمر ذاته من المحكمة نفسها في شهر نوفمبر 2014، حين قضت بالحبس على بديع 3 سنوات أخرى بتهمة “إهانة القضاء”.