القوادة السياسية والعهر الإعلامي

عزالدين الكومي

وصلت حالة التدني والانحطاط الثقافي في “مصر المحروسة” إلى أنه في كلية “الألسن” بجامعة عين شمس، قسم اللغة الإنجليزية، تداول عدد من طلاب القسم، امتحان دور يناير، لمادة الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية، والذي يطالب بترجمة مقالة لأحد أرجوزات الفضائيات الانقلابية – أحمد موسى- بعنوان “العثمانيون الوباء والتخريب الحرق العمد والمذابح وتبييض الصورة”؛ حيث أثار السؤال جدلًا بين الطلاب؛ نظرًا لصعوبة ترجمته.

فلم يتوقع الطلاب أن يصل الاستخفاف بعقولهم إلى هذا الحد، وكانوا يتوقعون ترجمة مقالة “للرافعي” أو “المنفلوطي” أو “العقاد: أو”توفيق الحكيم”.

فما كان من أحد الطلاب إلا أن قام بترجمة النص المطلوب، وبدلاً من أن يكتب اسم الأراجوز صاحب المقالة، استبدله بكلمة “The pimp” وهي تعني ” القَوَّاد”.

وكلمة القوادة، تطلق على “سمسار” الفاحِشة والبغاء، الذي ينظِّم شؤُون البغايا، وتَصْريف أمورِهم، كما تطلق أيضا على من يسعى بين الرجلِ والمرأة لترتيب ممارسة الفاحشة بينهما…إلخ. والقِوادة هي الخِسَّة ودناءة النفس، واستجلاب المنفعةِ مما عندَ الغير من ميزات، إلى من يدفعُ أو يُهدي.

وحسب فهم هذا الطالب، فليس بالضرورة، أن تكون القوادة لتسهيل الدعارة لطالبي المتعة الحرام، ولكن هناك قوادة سياسية وإعلامية وفكرية، تزدهر في ظل الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة، التي تسمح بهذه الأنواع من القوادة للمحافظة على بقائها واستمرارها.

لذلك تتعدد أشكال الدعارة، في ظل هذه الأنظمة القمعية، التى لم تأت باختيار الشعب ووفق إرادته. فهناك فئة تدمن القوادة، لتحقيق مأربها، بالتطبيل المستمر، في كل مناسبة، مستغلة الإعلام المأجور، الذى لاعمل له سوى الكذب وتحسين صورة النظم الفاشلة؟!!

وهناك فئة من القوادين، تقنع نفسها بأن علاج الدعارة، يكون من داخل الدعارة نفسها، ومع مرور الوقت، تستمرأ الدعارة وتدمنها وتتفوق على الفئة السابقة، وتستعصى على كل علاج لهذا الداء.

وفئة ثالثة، تعتبر ممارسة الدعارة والقوادة هى الوطنية بعينها، ومن لم يشاركها دعارتها وقوادتها، فهوعدو الوطن، ويجب إخراجه، لأنه يتطهر من رجس الوطنية بمفهومهم !!

وفي كل الأحوال لا يستفيد، من هذا النظام وفساده، سوى هذه الفئات الطفيلية، التي تعتاش وتقتات من آلام الشعوب المطحونة، وهي تتشبث ببقاء النظام حتى آخر نفس، وحتى لوسقط هذا النظام فسرعان، ماتغير جلدها لتستمر في قوادتها، حتى يقوم النظام بإعادة تدويرهم، لسب النظام البائد، حتى لوفاتهم الميرى يتمرغون في ترابه!!

وفي ظني أن الدعارة أو القوادة السياسية أو الفكرية أو الإعلامية، هى أبشع أنواع القوادة والدعارة، لأن الدعارة الجنسية، ضررها يعود على من يمارسها. لكنه لا يسرق قوت الشعب ولا يمتص دماءه، ولا يبطش به. ولا يكره أفراد الشعب على شيء لايرضونه، أما أصحاب الدعارة والقوادة السياسية والإعلامية، فلا أمانة لديهم ولا ضمير ولا إحساس، ولهذا فهم يمارسون الدجل والنفاق والرياء، والعهر السياسى والإعلامى والفكرى، لذا فإن ضررهم يعود على المجتمع بأسره.

ولهذا تراهم لا يتحرجون في أن يكيلوا المديح، لشخص ما ويخلعون عليه صفات الألوهية والنبوة والقدسية، بأنه الزعيم الأوحد، والزعيم الملهم الذى لايقهر.
فقدقال له أحد القوادين مادحاً كما قال الشاعرٌ الأندلسي ابن هانئ: “ما شئت أنت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار”.

أو كما قال محافظ أسيوط لعبدالناصر، إذا كان موسى جاء بالتوارة، وعيس جاء بالإنجيل، ومحمد جاء بالقرآن، فأنت ياسيادة الرئيس جئت بالميثاق!!

وفي مقابل القوادة التى يقدمونها، تسند لهم الوظائف، وتقدم لهم العطايا والمزايا وإيداع الأموال في حساباتهم البنكية.

والطريف أن جميع القوادين والقوادات من ممارسى العهر السياسى والإعلامى والفكرى يتذرعون بذريعة الأمن القومى تارة، وقدسية العسكر تارة أخرى، ومحاربة الإرهاب وأهل الشر، تارة ثالثة.

وقد قالوا على سبيل التندر، أن طفلاً سأل والده : ما معنى الفساد السياسي.

فأجابه الوالد :يا بني إنه صعب عليك في هذا السن، أن تفهمه جيداً، لكن دعني أبسط لك الموضوع، حتى تفهمه.

أنا أقوم بالإنفاق على بيتنا، لذلك سنطلق على هذا الأمر اسم الرأسمالية.

ووالدتك تنظم شؤون البيت، لذلك سنطلق عليها اسم الحكومة…

وأنت تحت تصرفها، لذلك سنطلق عليك اسم الشعب…

وأخوك الصغير، هو أملنا فسنطلق عليه اسم المستقبل…

والخادمة التي تعمل عندنا في البيت، سنطلق عليها اسم القوى الكادحة …

ثم قال له والده، اذهب يا بني، وفكر عساك أن تفهم الفساد السياسى…..

ظل الطفل يفكر، ولم يستطع النوم، حتى أضناه التفكير، وأصابه الأرق…

فنهض من نومه قلقاً، فسمع أخاه الصغير، يبكي فذهب إليه فوجده بلا حفاظة…

فذهب ليخبر أمه بالأمر، فوجدها غارقة في نومها.

وتعجب أكثر، عندما لم ير والده بغرفة نومه.

فذهب ليبحث عن أبيه.

فعرف أن والده في غرفة الخادمة؟!

وفي اليوم التالي..

قال الطفل لأبيه : لقد عرفت يا أبى معنى الفساد السياسي.

فقال له الوالد: وماذا عرفت ؟

فقال الطفل: عندما تلهو الرأسمالية بالقوى الكادحة وتكون الحكومة نائمة، فيصبح الشعب، تائها مهملاً، ويصبح المستقبل غارقا في القذارة.

فكما قال مالك بن نبي “عندما تغرب الفكرة، يبزغ الصنم”.

فغابت الأفكار في وطني وتقدم القوادون والداعرون، فانتشر الفساد، وبزغت الأصنام النجسة الرجسة.
أمتي كم صنم مجدته    لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه  إن يك الراعي عدوَّ الغنم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...