2019 عام المتاجرة بآلام وأوجاع المصريين

محمد منير

أتذكر في عام 2013 أن ثار الإعلام المصري وغضب غضبا شديدا من مشهد أطفال يسيرون في مسيرة معارضة تابعة لجماعة الإخوان ومجموعات أنصار الشرعية وهم يحملون أكفانا كُتب عليها مشروع شهيد، في مشهد حزين تعبيرا عن الاحتجاج على مذابح ميداني رابعة والنهضة، وكثف الإعلام المصري آنذاك جهوده في التركيز على هذا المشهد، وحرص على نقله لكل دول العالم، باعتباره استغلال واستخدام وانتهاك للطفولة بما يخالف الأعراف الدولية ومواثيق كل المنظمات الدولية، وأصدرت منظمة اليونسيف بيانا انتقدت وأدانت فيه بشدة هذا السلوك.

وخرجت أقلام كثيرة تكتب وتنتقد هذا السلوك اللإنساني، وقفز هذا المشهد على السطح آنذاك رغم كثرة الأحداث المأساوية في هذه الفترة، ولكن خطأ المشهد ولا إنسانيته وأغراض المتربصين للجماعة المتهمة بتنظيم هذا المشهد ساهمت بشكل كبير في حالة التصعيد الإعلامي آنذاك، وأتذكر مقالا للكاتب الناصري عبد الله السناوي في هذه الفترة تعرض فيه لهذا الأمر بهذه الكلمات «وكان الدفع بأطفال يحملون أكفانا إلى صدارة المشهد تصدعا آخر في انتساب الجماعة إلى العصر وقيمه ووثائقه التي تجرم استخدام الأطفال في صراعات سياسية.

ولا أنكر بشاعة هذا التصرف ولا إنسانيته وتجاوزه حدود المنطق البشري، وكنت أنا شخصيا أحد الذين دانوا هذا التصرف بشدة، ولكنها إدانة مقصورة على الموقف والتصرف وليست حجة أبرر بها جرائم أخرى لا تقل بشاعة عن هذا التصرف. ففي هذه الفترة وجد الكثيرون من أصحاب المواقف الحائرة في هذا المشهد حجة يرتكنون إليها للانحياز للسلطة الفاشية القادمة ومبررا لقبول كل الجرائم الدموية التي ارتكبتها هذه السلطة أثناء صعودها المتآمر للهيمنة على مقاليد الحكم في مصر.

كَبُرَ مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون

الذكريات المؤلمة لهذا المشهد وللفترة المحيطة بها أخفقت في أن تجد مسارها الطبيعي في طريق النسيان، ليس لبشاعة الحدث وإنما لتكراره في الحاضر على يد النظام الذي جاء محمولا على أعناق من تصوروا أنه صمام الأمن والأمان، ولكن مع إضافة جوهرية، هي الصمت من كل من صرخوا وهللوا وبكوا احتجاجا على مشهد 2013.

لن أتوقف عند مشهد قيام مديرة مدرسة بدفع الأطفال بتمثيل حادث مسجد الروضة وقسمت التلاميذ لإرهابين وضحايا، ومثلوا مشاهد عنف دموية لا تتناسب مع مستوى أعمارهم، وسبب عدم تركيزي على سلوك هذه المديرة البائسة أننا نعيش في وطن يرى الكثير من أبنائه في إرضاء الحاكم فوائد تفوق إرضاء الرب (والعياذ بالله)، ومع الفقر والحاجة يهرول البعض تجاه أى تصرف يرضي الحاكم والمسؤولين بمبالغة مدفوعا بأمل أن تصيبه نفحة تهون عليه بؤسه وشقائه.

المشكلة الأكبر في الجنرال نفسه الذي دأب على استدرار العطف باعتباره صاحب أكبر قلب دافئ وباعتبار أن الوطن والمواطنين هم نور عينيه، فكان لا بد لاستجلاب هذه المشاعر واستخدامها في التغطية على مآسي الناس الحقيقية من الاستناد إلى مشاهد إنسانية وخاصة تجاه الضعفاء وأصحاب الاحتياجات، وهو ما يلمس قلوب المصريين المعروفين بكونهم شخصيات عاطفية، وكان آخر هذه المشاهد ذات الصبغة الإنسانية اللقاء مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو لقاء ضمن سلسلة كبيرة من الندوات والمنتديات التي تنظمها الدولة للجنرال وتكلفها ملايين الجنيهات لتصدير صورة إنسانية مستقرة للمجتمع المصري على عكس الواقع.

وفي لقائه الأخير مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة استنطق المنظمون للمؤتمر الأطفال بكلمات مديح وحب وعشق منهم لجنرال مصر البطل، كلمات مرتبة منظمة منمقة بلا روح ولا محتوى. كما أن التناسق اللفظي وتركيب الجمل فيها يفوق بمراحل قدرات هؤلاء الأطفال المساكين الذين تم استخدام إعاقاتهم والمتاجرة بها أمام العالم لتصدير صورة زائفة عن الحال في مصر. ألا يُعتبر هذا استغلالا للأطفال، أين أبواق الدعاية التي لم تتوقف عن الصريخ والنحيب حزنا على استغلال أطفال عام 2013.

الحكم بالعنصرية

والعنصرية يا سادة ليست فقط النازية والصهيونية أو الابارتهيد، وليست عنصرية المجتمع الأمريكي، ولكن العنصرية لها أشكال كثيرة منها عنصرية النظام الحاكم في مصر الذي يتعمد مع سبق الإصرار إلى تقسيم المجتمع إلى فئتين، فئة السادة التي تعيش داخل مجمعات متمتعين بكافة الرعاية الصحية والبيئية والاجتماعية العالية، وبأرقى أنواع التعليم والخدمات الإنسانية، وهذا المجتمع هو الذي يقود الفئة الثانية من غالبية الشعب من الفقراء والمعدمين ،الذين سينحصر دورهم في التخديم على الفئة الأولى وهذا ما نطق به الجنرال بعبارة «ماذا يفيد التعليم في وطن ضائع»، وفسرها في لقاء تالٍ ضمن لقاءاته الكثيرة عندما أشار إلى أنه لا يستهدف سوى تعليم الفئات المتميزة المنتخبة والمميزة في المجتمع، وبعدها هي التي تدير المجتمع وتوجهه، أما باقي المجتمع فلا مبرر لبذل أي جهد أو إنفاق أي تكلفة لتعليمة أو لرعايته، وهو ما يفسر ازدياد نسبة التسريب من التعليم في الآونة الأخيرة ليس بسبب إخفاق النظام، وإنما بسبب نجاح سياسته التي تتعمد حجب التعليم عن الفئات الشعبية وتوفيره بكفاءة عالية للصفوة المحيطة بالحكم، وتذكروا أن وزيرة الصحة في لقاء إعلامي قالت بوضوح أن الجنرال نصحها بأن تعلم أبناءها خارج مصر!!!، رئيس الدولة بدلا من أن يؤرق بتطوير التعليم في بلده ينصح بطانته بالتعليم خارج الوطن لأنه مدرك تماما أنه لن يقدم أي دعم أو يبذل أي جهد تجاه تطوير تعليم أبناء الشعب فالحياة الكريمة والصحة والتعليم من نصيب الصفوة فقط.

ولهذا كافة لقاءات الجنرال سواء مع الشباب أو الفئات ذات الاحتياجات الخاصة تكون عناصرها منتقاة بعناية من أبناء الصفوة والخواص ومتجنبة أبناء العوام، الذين يحتاجون الرعاية الحقيقة، المحرومين منها بسبب فقرهم، فتكلفة رعاية أي طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة تفوق قدرة أي أسرة متوسطة الدخل، ولهذا تجدهم يسيرون في شوارع مصر بلا عائل ولا مأوى يأكلون من القمامة، ومعرضون للموت جوعا أو مرضا أو اغتصابا.

ولأن هذه المشاهد المزعجة تقلق الصفوة والسادة حرص الجنرال على بناء القصور والمجمعات والعاصمة الجديدة حتى لا يختلط السادة بالعامة.

الجنرال ومساعدوه لا ينكرون أهدافهم بل يجاهرون بها في تحدٍ وجبروت واستقواء الطغاة، ولهذا لم أندهش عندما وقف متحديا غضب المواطنين الفقراء المسلوب عرقهم والمستباحة دماؤهم قائلا: «ايوه بنيت قصور وحأبني قصور كمان وكمان»، وهو الذي قال للشعب من قبل «انتم فقراء قوي»، لكي يمهد لنفسه ولرجاله خطوات تحويل عرق وجهد ودماء الشعب، إلى أموال ينهبونها ويبنون بها قصوراً ويعلمون أبناءهم في الخارج، أنه نظام يعيش على السحت غير مدرك أن التاريخ يشير إلى حتمية لا يهددها أي احتمال وهي أن النهاية دائما تكون لصالح أصحاب الحق وهلاك المغتصبين.

إلى كل شخص ظالم اغتصب هذا الوطن وسرق أحلام الفقراء وشرد الشرفاء وقتل وسرق ونهب، في بداية عام جديد لن أهنئك ولكني أصب عليك لعناتي ولعنات ودعاء المظلومين، وما إدراك ما دعاء المظلوم.

إلى كل من أعان الظالم على ظلمه لا أرسل إليه في آخر مقال لي في عام 2019 تهنئة أو مباركة أو أمنية خير أو حتى دعاء بالهدى،بل ابشره بيوم محتوم سترد فيه المظالم أبيض على كل مظلوم أسود على كل ظالم، وهو ليس ببعيد…

هانت

نقلا عن الجزيرة مباشر

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...