بقلم: حازم عبد الرحمن
عاد الربيع العربي بموجة ثورية جديدة, طوال هذا العام, شملت السودان و الجزائر ولبنان والعراق, وحملت هذه الموجة خبرة من سابقتها في 2011 , فخلال عام 2019 نجحت في خلع الرئيس السوداني عمر البشير بعد ثلاثين عاما من انقلابه العسكري على حكومة مدنية منتخبة, وما زالت الثورة تكافح الدولة العميقة التي بناها العسكر, وتحقق نجاحات مهمة, وأمامها الكثير من التحديات, ويواصل الشعب الجزائري حراكه الثوري ضد حكم الجنرالات ووصايتهم المرفوضة على أحلام الشعب, وقد استمر حراكه بعد واحد وأربعين أسبوعا, بإصرار دون كلل, مطالبا بإزاحة الجنرالات, وحقق في سبيل ذلك نجاحات واضحة, أهمها إجبار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على عدم الترشح لولاية خامسة, وبدء محاكمات الفاسدين, وانصاع العسكر لعدد من المطالب, لكن الأهم هو رفع وصايتهم عن الشعب الجزائري, وهو ما يعني استمرار الحراك الثوري, وفي ليبيا حدثت تطورات مهمة لصالح الحكومة الشرعية ضد ميليشيات الانقلابي خليفة حفتر المدعوم من السعودية والإمارات؛ فقد كثر داعموه حتى دخلت روسيا على الخط؛ لتبحث عن نصيب لها في الكعكة الليبية, وتسلل مرتزقة “فاجنر” عبر الحدود الليبية المفتوحة، ليصلوا إلى مناطق الساعدية وعين زاره ووادي الربيع، ثم زاد حضورهم في أهم قواعد ليبيا، في الوطية والجفرة؛ ما استفز الولايات المتحدة, وجعلها تطلب من الجنرال المنقلب وقف هجومه على طرابلس العاصمة مقر الحكومة الشرعية, التي بدأت في تعزيز موقفها بزيارة رئيسها فايز السراج إلى تركيا على رأس وفد كبير وتوقيع مذكرتي تفاهم، إحداهما حول التعاون الأمني، والأخرى مذكرة تفاهم في المجال البحري، وهو ما أقلق داعمي حفتر كما ظهر في تصريحات حكومة الانقلاب في مصر؛ لكون دعم تركيا لحكومة الوفاق الشرعية مع الموقف الأمريكي ضد الوجود الروسي؛ قد ينهي تماما مشروع حفتر الانقلابي.
*لبنان والعراق
هناك تشابه بين الثورتين القائمتين اليوم في كل من لبنان والعراق من حيث التدخل الخارجي والنفوذ الخطير المترتب على ذلك؛ ففي لبنان يتضح نفوذ إيران والسعودية وفرنسا تماما من خلال القوى المهيمنة على المشهد السياسي, وولاء كل منها, وهي لم تعد تخجل من علاقاتها المشينة مع النفوذ الأجنبي الداعم لها, وباتت تقدمه على المصالح الحقيقية للوطن؛ فاستأثرت فئات محدودة من كل طائفة بالمنافع دون عامة المواطنين الذين أصابهم اليأس من إصلاح الواقع المرير في بلدهم؛ فخرج هتاف يطالب كل النخبة السياسية بالرحيل, ولم تفلح استقالة سعد الحريري صاحب الجنسية السعودية في إقناع الثوار بالاستجابة لمطالبهم, وظلت الثورة مشتعلة في الميادين, وسقط القناع عن حزب الله وإيران راعيه الرسمي, كما سقط عن كل الطبقة السياسية, بعدما فشلت في تقديم شيء للمتظاهرين سوى النفاق ومحاولات الخداع غير المجدية, أما في العراق الذي سقط في يد النفوذ الأجنبي بعد انهيار حكم صدام حسين, وطال صبر الشعب سنين عديدة, انتظارا للوعود بالحرية والعدالة, واحتج الشعب أكثر من مرة, لكنه لم يتوقف منذ أول أكتوبر 2019 عن التظاهر في بغداد وبقية محافظات الجنوب احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية، وانتشار الفساد الإداري والبطالة. وقد نجحت في إجبار رئيس الحكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة التي استأذن فيها مرجعه السيستاني، وجرت المواجهة الصريحة بين الشعب العراقي الثائر والجارة اللدود إيران التي تسبب تدخلها في تدمير ثروة العراق البلد الغني بموارده وإمكاناته, وحولته إلى مجتمع طائفي لم يكن يجرؤ فيه أكثر الطائفيين تطرفا على رفع هذه النعرة في فترة حكم صدام حسين, على رغم ما كان فيها من مساوئ, وقد كان عقاب الشعب حاضرا بالهجوم على إيران, والتنديد بأفعالها, وإقدام البعض على إحراق أحد مقار بعثاتها الدبلوماسية.
*الثورة في اليمن
الاتفاق الأخير الذي أجبرت فيه كل من السعودية والإمارات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على الاعتراف بانفصاليي الجنوب صنيعة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد, وإشراكهم في الحكم, جعل اليمنيين يفقدون ثقتهم في قرارات رئيسهم الأسير المقيم بالرياض, والذي ينفذ تعليمات ولي العهد السعودي, وأعلن أكثر من قيادة يمنية مؤيدة للشرعية أنهم لم يعودوا يثقون بتحالف السعودية والإمارات, بعد أن ثبت أن هذا التحالف يخطط لتقسيم اليمن, وأن الشرعية لن تعود مادامت بلادهم تحت نير التحالف, وقرروا أن هدفهم الأول يتمثل في تخليص اليمن من الاحتلال الذي بات واضحا من خلال الوجود العسكري الإماراتي وخططه لتقسيم الجنوب, وتكوينه ميليشيات مسلحة تقتل اليمنيين, وإنشائه سجونا لاعتقال المواطنين وتعذيبهم, وكل ذلك ثابت بالوثائق.
*المشهد في مصر
الثابت تاريخيا أن الثورات وحركات التحرر تنتشر بالعدوى, ويمكن القول أن الثورة نجحت في تونس, وحققت نجاحا منقوصا في ليبيا, وعادت في اليمن إلى نقطة البداية, ولم تمت, وهي مستمرة في لبنان والعراق, وتكمل طريقها ببطء في السودان, أما عن المشهد في مصر فقد تراكمت كل الأسباب المؤدية إلى ثورة كاسحة؛ حيث باع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية, وتنازل عن حصة مصر التاريخية في مياه نهر النيل لصالح إثيوبيا, كما تنازل عن حقوق مصر في الغاز والبترول لصالح العدو الصهيوني, وطوال ست سنوات منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 وحالة الاقتصاد تتردى أكثر؛ بسبب القرارات الحمقاء, ورفع الدعم, وغلاء الأسعار, وإهدار المال العام في حفر ترعة قناة السويس بحجة رفع معنويات الشعب, وبناء القصور الفارهة على نفقة المواطنين الفقراء, مع حالة غير مسبوقة من القمع والاعتقالات وقتل الأبرياء في السجون, وتنفيذ أحكام جائرة بالإعدام, وهو ما أدانته المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة والدول الداعمة للانقلاب في مصر مثل الولايات المتحدة وبريطانيا, وغيرهما, كما كان ظهور الفنان والمقاول محمد علي إضافة جديدة لفضح الفساد الذي يرعاه السيسي وعصابة من العسكر لنهب اقتصاد البلد وإساءة استخدام المال العام في بناء القصور, بينما غالبية الشعب تعاني من تردي أحوالها المعيشية.
وقد تأكد أن الغليان الشعبي في تصاعد مستمر, وينتظر الفرصة للانفجار في وجه العسكر ليسقط حكمهم إلى الأبد في مصر؛ ففي 20 سبتمبر الماضي تسابق الآلاف إلى التظاهر في ميدان التحرير, عندما دعا محمد علي إلى التظاهر أمام المنازل, لكن مراجل الغضب قفزت بالشباب إلى ميدان الثورة الأول, بما له من رمزية في انتصار إرادة الشعب وخلع الدكتاتور؛ ما يعني أن الثورة تنتظر الشرارة الأولى لتندلع, وهي باقية برغم كل أساليب القمع والإرهاب التي يمارسها السيسي وعصابته ضد الشعب المصري, خاصة مع تحقق المزيد من الوعي لدى الشعب بضرورة إسقاط السيسي الذي ثبتت خيانته, مع زيادة كارهي حكم العسكر ممن كانوا مؤيديه من قبل, وهو ما ترصده التقارير الأمنية لقائد الانقلاب, أولا بأول, وقد تسبب ذلك في رعب وقلق كبيرين أفزعا السيسي وعصابته, وجعل قبضتهم الأمنية تزداد توحشا, مع تقديم تنازلات غير مسبوقة لإرضاء جهات في النظام العسكري تعيش حالة من الغضب المكتوم بسبب ما طالها من انتقام وتهميش, مثل المخابرات العامة التي عين فيها السيسي أحد رجال عمر سليمان, وهو اللواء ناصر فهمي؛ ليتولى نفس مهام محمود السيسي الذي استبعده والده من المخابرات إلى روسيا؛ بسبب بروز خيالات التوريث, وسرعة الترقية من رتبة رائد إلى عميد, وهو مازال في الثلاثينيات من عمره, وما تسرب عن تجارته غير المشروعة التي تدر دخولا تتجاوز ملايين الدولارات شهريا.
وقد عمد قائد الانقلاب أيضا إلى استرضاء القيادات العسكرية التي امتعضت من تهميشها وعزلها من عضوية المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ فقد أعاد السيسي اللواء محمد رأفت الدش إلى عضوية المجلس بتعيينه قائدا لقوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب, بعد أن تم عزله من المجلس بنقله إلى هيئة التفتيش بالقوات المسلحة, كما تمت زيادة معاشات رجال الشرطة, وهي رشوة مكشوفة لشراء ولائهم للنظام العسكري, واستخدامهم كعصا غليظة في خدمته.
أما بالنسبة للشعب فكان نصيبه مزيدا من الوعود, حيث تم تكليف الأذرع الإعلامية للانقلاب بالتبشير بقرب الانفراجة السياسية, وفتح المجال العام أمام المعارضة وحرية الرأي والتعبير, مع توجيه برلمان الانقلاب إلى تمثيل دور الرقيب على الحكومة, واستجواب وزراء فيها مثل وزيرة الصحة, وهو معدوم القيمة, وكذلك تغييرات في الحكومة والمحافظين, وكلها أمور شكلية لن تجدي فتيلا إزاء حالة السخط الشعبي الذي يتزايد يوما بعد آخر, حتى تنفجر الثورة في وجه الحكم العسكري وتخلص الشعب من أسوء نظام حكم شهدته البلاد على مدى تاريخها.