عزالدين الكومي
عندما قدّم “أحمد عرابي” مطالب الشعب، في العريضة المشهورة التي تمثلت في عزل وزارة “مصطفى رياض باشا”، وإنشاء مجلس نواب مثل النظام الأوروبي، وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندي، ردَّ الخديوي “توفيق” رده الشهير على مطالب عرابي “أنتم عبيد إحساناتنا”، وجاء رد عرابي الشهير: “لقد خلقنا الله أحرارًا ولن نُستعبد بعد اليوم”.
والشيء بالشيء يُذكر، وعلى طريقة “بن على” في ساعاته الأخيرة قبل هروبه إلى السعودية “الآن فهمتكم”، قال قائد الانقلاب، بعدما شعر بالحراك الشعبي يعود من جديد، وأن الكرسى يتحرك من تحته، كما هى عادة الطغاة في أيامهم الأخيرة: “في إطار متابعتي لكل الإجراءات الخاصة بدعم محدودي الدخل، فإنني أتفهم موقف المواطنين الذين تأثروا سلبًا ببعض إجراءات تنقية البطاقات التموينية وحذف بعض المستحقين منها”.
“أقول لهم اطمئنوا لأنني أتابع بنفسي هذه الإجراءات، وأؤكد لكم أن الحكومة ملتزمة تمامًا باتخاذ ما يلزم للحفاظ على حقوق المواطنين البسطاء، وفي إطار الحرص على تحقيق مصلحة المواطن والدولة”. فقرر أن يقوم بتحسين بعض شروط العبودية للشعب.
وهى محاولة يائسة من النظام الانقلابي، الذى يريد أن يختزل غضب الشعب وثورته وحراكه فى يومي 20 سبتمبر و27 سبتمبر، في عودة بطاقات التموين لمن تم حذفهم، ونسوا أن غضبة الشعب إنما هى ردة فعل على فساد قائد الانقلاب وزوجته انتصار، وبناء عشرات القصور، وإهدار المليارات في مشروعات وهمية، ليس لها أي مبرر، سوى جنون العظمة الذى يعيشه الطاغية.
قطار الثورة تحرك، ودبت الروح في الحراك بعد سنوات عجاف، ومن ظن أنه سيوقف ثورة الشعب فإنه واهم!!.
فهل عودة تسجيل المواليد وتخفيض أسعار المحروقات وغيرها ستوقف اندلاع ثورة الشعب؟ فالثورة مستمرة حتى إسقاط الانقلاب، وليس تغيير رأس النظام، فالشعب وعى الدرس ولن يقبل بإزاحة فاسد خائن، والمجيء بمن هو أفسد منه.
وزير تموين الانقلاب الفاسد “علي مصليحي” قال، بدوره في تصريح على إحدى الفضائيات الداعمة للانقلاب مع أحد مخبري أمن الدولة: “بدءًا من الأسبوع المقبل لن يكون هناك حديث عن حذف أي مواطن من منظومة الدعم، وأن كل من لديه حق في منظومة الدعم لن يتأخر في صرف جميع السلع التموينية؛ وأن الوزارة اتخذت جميع الإجراءات للرد على كل المتظلمين ولن يتم إيقاف أى بطاقة تموينية إلا بعد فحص التظلم. وأن كل المواطنين الذين تقدموا بتظلمات لعدم حذفهم من الدعم التمويني سيتم إعادتهم ضمن منظومة المستفيدين فورًا. مفيش بني آدم بطاقته هتقف وكله هياخد حقه وننظر للمواطنين بعين الإحسان، ومحدش سيظلم طول ما الرئيس السيسي موجود”.
هذا الوزير الفاسد صرح من قبل بأن “الدولة فقيرة، ومفيش فلوس تسمح بصرف المقررات التموينية للمواليد الجدد، وعشان نعمل كده محتاجين نحذف غير المستحقين عشان نضيفهم”. عن أى إحسان يتكلم هذا الفاسد؟ وهل الإحسان يكون بكيس سكر وزجاجة زيت غير صالحة للاستعمال الآدمي؟ هل هذا هو الإحسان يا فاسد؟ “إن الله لا يصلح عمل المفسدين”.
الشعب له حقوق لا بد أن يحصل عليها كاملة، حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية، ولن يكف الشعب عن المطالبة بحقوقه، مهما حدث.
السؤال لقائد الانقلاب ولوزيره الفاسد، هل هذه التصريحات جاءت على خلفية حراك الجمعة الذى زلزل عرش الطاغية أم أنها من باب ذر الرماد في العيون؟.
وسؤال آخر يطرح نفسه أيضا، هل يصح أن يحسن اللصوص ويتصدقوا على الشعب ببعض الفتات مما سرقوه من قوت الشعب؟.
ليعلم هذا الوزير الفاسد، الذى تم تدويره من قمامات نظام المخلوع، أن هذا حق للمواطن وليس إحسان ولا منة من أحد اللصوص الفاسدين.
الشعب لم يطالب خلال ثورة يناير بإحسان اللصوص الفاسدين له، ولكن طالب بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية!.
ولو كنا في جمهورية من جمهوريات الموز، لتمت محاسبة هذا الوزير الفاسد، على هذه التصريحات الفاشية، ولكن هذا الوزير كشف عن فلسفة النظام الانقلابي في التعامل مع الشعب، بأن الشعب ليس له أية حقوق ولكنه مجرد إحسان وصدقة من هؤلاء اللصوص الفاسدين يقدمونها للشعب.
وقد جاءت فضيحة قائد الانقلاب، على لسان مقاول الجيش الفنان “محمد علي” أولا، الذى كشف وقائع فساد بالجملة والقطاعي، لقائد الانقلاب وبعض الجنرالات، ثم على صفحات صحيفة “نيويورك تايمز” التي ذكرت أن السيسي طلب من الكاتب الأمريكي، “بريت ستيفينز”، زيارة بعض الأبنية الجديدة في مصر، ودعاه لعدم وصفها بـ”القصور”.
وقال الكاتب بريت ستيفينز، في مقالة بالصحيفة: إنه “بعد لقاء السيسي في نيويورك مع نحو 25 شخصا آخرين، دعاني رأس النظام المصري لزيارة الأبنية الجديدة المبنية في مصر، وطلب مني عدم وصفها بالقصور”.
ونقل الكاتب الأمريكي عن السيسي قوله: “أين سأستقبل ترامب؟”، مضيفا أن كلفة “القصور” هذه ضئيلة جدا، وطرازها ينبغي أن يكون مناسبا.. طبعا ضئيلة، الشعب هو الذى يدفع من دمه تكلفة قصور الطاغية.
ويوم الجمعة الماضي، جاء نظام الانقلاب بقطعان البلطجية، وطلبة الكليات العسكرية، وعدد من الرعاع في حراسة الجيش والشرطة، وباصات للنقل ووجبة طعام، و150 جنيها، ليهتف هؤلاء الفسدة بحياة الزعيم.
ولله دُر نيلسون مانديلا حينما قال: لا يدافع عن الفاسد إلا فاسد، ولا يدافع عن الساقط إلا ساقط، ولا يدافع عن الكرامة والحرية إلا الأحرار، وكل شخص فينا يعلم عن ماذا يدافع.