المشهد اليمني بعد الانقلاب الثاني.. سقوط الأقنعة وحتمية المواجهة

بقلم: حازم عبد الرحمن

الانقلاب الثاني على الشرعية في اليمن الذي شهدته العاصمة المؤقتة عدن في العاشر من أغسطس 2019 لم يكن مفاجئا؛ فمشروع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد يقوم على مؤامرة لفصل جنوب اليمن عن شماله, والسيطرة على موانئه الاستراتيجية وجزيرة سقطري الفريدة في طبيعتها وموقعها,إضافة إلى حقول النفط والغاز بالمدن الجنوبية، كشبوة، وعدن، والمخا، وتطويق سلطنة عمان واستعراض التمدد الإماراتي بجوارها لأسباب تاريخية ونفسية.

وفي سبيل ذلك بدأ ابن زايد في إنشاء ميليشيات موالية للإمارات وكان على رأسها نائب رئيس ما يسمى “المجلس الانتقالي” هاني بن بريك المتورط في اغتيال 30 داعية وشخصيات اجتماعية وخطباء وضباط موالين للسلطة الشرعية في عدن ومدن أخرى, وقد أثبتت وثائق النيابة العامة مشاركة بن بريك في التخطيط لجرائم اغتيالات أدت إلى مقتل أكثر من 120 مواطنا لأسباب سياسية في الفترة من 2015 إلى 2018.

وارتكب ابن زايد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويدير سجونا سرية داخل اليمن، وتمارس الميليشيات الموالية له الاختطاف القسري والتعذيب ضد الناشطين والحقوقيين والأحرار, وأقامت منظمة التحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات عام 2018 دعوى قضائية بمحكمة الجنايات بباريس ضد محمد بن زايد، بوصفه نائبا للقائد الأعلى للقوات الإماراتية، والحاكم الفعلي للبلاد، وذلك لتورط قواته في جرائم حرب في اليمن.

حتمية المواجهة

لم يكن الشعب اليمني غائبا عما يرتكبه ولي عهد أبو ظبي من جرائم, بل كان الجميع يطالبون بوقفة في وجه المتغطرس الذي صورت له فوائض بلاده المالية أن يسيطر على اليمن الذي يبلغ عدد سكانه ثلاثين ضعفا  لعدد سكان دولة الإمارات؛ لذلك لم يكن ممكنا الصمت على الانقلاب الثاني في عدن؛ فتحرك الشارع اليمني وقوات الجيش الوطني لدحر الانقلاب؛ وطرد ميليشيات موالي ابن زايد, ونجحت في ذلك إلى حد كبير؛ فظهر الوجه الحقيقي للعدو الذي دخل اليمن مستترا في ثياب الحليف, وقام الطيران الإماراتي بقصف قوات الجيش المنتصرة على الانقلابيين؛ لتندلع المواجهة بين اليمن والإمارات والتي طال تأجيلها, وطالبت الحكومة اليمنية الشرعية مجلس الأمن بعقد جلسة خاصة لمناقشة الاعتداءات والتدخلات الإماراتية في اليمن، كما طالبت بطرد الإمارات من التحالف الذي تقوده السعودية, وخرجت المظاهرات منددة بالاعتداءات الإماراتية على عدن وأبين, ومطالبة بإنهاء الدور الإماراتي في اليمن, وأحرقت أعلام الإمارات, وداستها بالأقدام,  وحملت الحكومة -في رسالة للمندوب الدائم لليمن في الأمم المتحدة- دولة الإمارات كامل المسئولية عن التمرد المسلح في جنوب البلاد, واتهم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الإمارات بإعدام جرحى بالمستشفيات، واستنجد بالسعودية لوقف غارات الإمارات ضد قوات الحكومة الشرعية، والتي أدت إلى جرح وقتل أكثر من 300 من العسكريين والمدنيين, مشددا على أن مليشيات المجلس الانتقالي المدعومة إماراتيا نفذت إعدامات في عدد من الجرحى بعدة مستشفيات في محافظة أبين، وطالب قيادات السعودية بالتدخل لوقف هجوم الإمارات على قوات الحكومة والمدنيين في عدن وأبين.

وتقوم قوات الحزام الأمني -المدعومة إماراتيا- بدهم منازل معارضيها في المدينة والموالين للحكومة الشرعية, وهي تجوب الشوارع، وتقوم  بمزيد من الاعتقالات في صفوف النشطاء والسياسيين وعلماء الدين المؤيدين للحكومة الشرعية بتهم الإرهاب.

مواقف مفاجئة

كان لعدد من إعلاميي اليمن دور في مواجهة الإمارات وكشف أساليبها في تمزيق اليمن وزرع الفتنة بين أبنائه فقد أعلن صحفيان يمنيان –أحدهما يعمل لحساب قناة “الغد المشرق” الممولة إماراتياً- والآخر مع قناة “الشارقة” الإماراتية، تركهما العمل في القناتين انتصاراً لبلديهما, وأرجع الصحفيان قرارهما إلى ما قالا إنها أجندات مشبوهة للإمارات ضد اليمن، وسلوكها الداعم للمليشيات الانقلابية، وغدرها باليمنيين.

ونشر الصحفي عبد الله إسماعيل، تغريدة على حسابه في “تويتر” قال فيها إنه قرر ترك العمل في قناة “الغد المشرق”، بعد ثلاث سنوات “رائعة ومميزة” في تجربة كانت فيها القناة ببرامجها “لكل اليمن” حينما كانت تعمل تحت عناوين من مثل: صنعاء تتحرر، واليمن يتحرر، واعرف بلدك، كما قدمت الإعلامية والناشطة اليمنية ندوى الأفندي، الاعتذار لدولة قطر بعد ما وصفته بـ”مؤامرة وكيد الأشقاء في السعودية والإمارات”، بعد قصف مقاتلات الإمارات لقوات الحكومية اليمنية بعدن.

وقامت وسائل التواصل الاجتماعي بالواجب في توجيه الاتهامات إلى الإمارات ودورها التخريبي في اليمن, كما خرجت مظاهرات بعد صلاة الجمعة تندد بمؤامرات محمد بن زايد على اليمن لتمزيقه وإضعافه والهيمنة على مقدراته.

ويمكن القول بأن الانقلاب الثاني على الشرعية في اليمن بدعم إماراتي وصمت سعودي قد أسقط شرعية وجود قواتهما على الأراضي اليمنية؛ إذ ثبت أن لكل منهما أجندته الخاصة, ليس من بينها دعم الشرعية. 

نتائج الانقلاب الثاني

 أسفر الانقلاب الثاني على الشرعية في اليمن عن عدد من النتائج, من أهمها:

ـ الانكشاف الكامل للمخطط الإماراتي في اليمن لفصل الجنوب, والسيطرة على الموانئ والموارد الطبيعية فيه, وهو ما يفرض المواجهة الحاسمة لإفشاله.

ـ تعقيد الأزمة اليمنية وإضافة عبء جديد على الشرعية في مواجهة الانقلاب الثاني

ـ ظهور الخذلان السعودي للشرعية, وهو ما تجلى في حالة الصمت والعجز والانقياد الكامل للمملكة وراء المشروع التخريبي للإمارات في اليمن.

ـ الإعلان اليمني الرسمي الصريح عن جرائم الإمارات في اليمن, ومخاطبة الأمم المتحدة في هذا الصدد.

ـ عودة الكثير من اليمنيين عن تأييد بن زايد بعد قصف طيران الإمارات للمدنيين والجيش الوطني, والتأكد من وجود مؤامرة  برعاية أبو ظبي.

ـ تحفيز الشعور الوطني لدى اليمنيين ضد العدوان على بلادهم من جانب طيران الإمارات.

ـ إحراج الإمارات أمام المجتمع الدولي بعد اتهامها في الأمم المتحدة.

ـ زيادة مآسي الشعب اليمني مع تصاعد المواجهات المسلحة, ودعم محمد بن زايد لإشعال الحروب.

ـ تخفيف الضغط عن جماعة الحوثي التي قامت بالانقلاب الأول على الشرعية في صنعاء, وتحسين موقفها أمام الحكومة الشرعية.

ـ إجبار سلطنة عمان على الدخول على خط الأزمة في اليمن؛ فتطورات ما يجري على حدودها لفت أنظارها إلى خطورته.

الخلافات داخل الإمارات

لا تلقى تدخلات محمد بن زايد الخارجية قبولا لدى حكام الإمارات السبع؛ إذ يرون ضررها أكثر من نفعها؛ حيث تجلب سخط الشعوب, وتصنع عداوات هم في غنى عنها, كما أن الإمارات دولة بلا عمق حقيقي يمكنها من امتصاص أي ضربات خارجية, وقد اضطرت إلى تفاهمات مع الحوثي حتى لا تطالها الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي تسقط في السعودية, وأول من يخشى لك إمارة دبي خوفا على مصالحها الاقتصادية وهروب الاستثمارات منها, وقد وبخ حاكم دبي من يكتبون تغريدات تتعلق بسياسة البلاد الخارجية في إشارة ضمنية إلى ضاحي خلفان الذي دأب على كتابة تغريدات مسيئة إلى الشعب اليمني؛  حيث هاجم الشرعية وكال المديح لجماعة الحوثي، ما أثار استياء النشطاء اليمنيين والعرب, وهو ما يعني رفضا ضمنيا لمشروع محمد بن زايد التخريبي في اليمن, وقد أعرب الحكام السبعة عن تململهم من سياسات ابن زايد الذي يراوغ ولا يستجيب للحكام؛ مما قد ينذر بتفجر الخلافات وظهور الصراعات الخفية إلى العلن, وقد تذهب الدولة في طريق التفكك.

الفشل السعودي

عندما دخلت السعودية بقواتها اليمن أعلنت أنها تدخل لدعم الشرعية وإسقاط انقلاب الحوثيين, وحتى الآن لم تشهد اليمن عودة للشرعية, وإنما شهدت مآسي ومجاعات وأمراض  وسجون أنشأها محمد بن زايد لاعتقال وتعذيب اليمنيين, ولم يتحقق أي نجاح على يد قوات التحالف التي قصفت مؤخرا قوات الجيش اليمني ودعمت انقلابا ثانيا على الشرعية في عدن, ولم يبق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ما يحفظ به ماء وجهه بعد إعلانه أن الشرعية تسيطر على أكثر من 80% من أراضي اليمن؛ ما يعني أنه يتلاعب بالرأي العام والشعب اليمني؛ للتساوق مع مشروع محمد بن زايد لتقسيم اليمن, وقد تصح غالبا توقعات المغرد السعودي الشهير “مجتهد” بأن الخطوة المقبلة في اليمن هي إصدار “أمر” بتسليم قوات الشرعية أسلحتها بزعم أن السعودية ستتولى حل الأزمة سياسيا, وهذا ليس مستبعدا؛ فقد حدث ما يشبه ذلك من قبل؛ حيث تم تجريد الجيش اليمني من سلاح الطيران الذي يتكون من 350 طائرة حربية, وجرى ذلك باستدعاء الطيارين اليمنيين إلى الإمارات, ليتاوروا تماما عن المشهد, ولم يعرف أحد عنهم شيئا بعد ذلك, وقد كشفت الأحداث عن السبب في هذه الجريمة حيث لو كان الطيران العسكري اليمني مشاركا في معارك الجنوب أو الشمال لأحدث فارقا كبيرا في المعارك لصالح الجيش الوطني اليمني.

مستقبل الانقلاب الثاني

زاد الانقلاب الثاني من الصراع في اليمن لكنه لن يحقق أهدافه بسبب حالة الاستنفار الشعبي التي تسبب فيها دعم الإمارات العلني للانقلاب, وقصف طيرانها لقوات الجيش الوطني, وقد تجاهل ابن زايد أن اليمنيين شعب مقاتل عنيد, مهما تم اختراقه بأعداد كبيرة من المرتزقة والعملاء, وقد تصل النيران التي أشعلها في عدن إلى ثيابه لتحرقها وتحرقه؛ وأما تلميذه محمد بن سلمان فما عاد يقنع أحدا بأهليته لموقعه في ولاية العهد بعد الفشل السياسي والاقتصادي وانتهاكاته حقوق الإنسان, وقد لا يتحقق هدفه في التتويج ملكا بسبب رعونته التي ورطته في الانصياع لمحمد بن زايد وارتكابه جرائم أصبحت حديث الصحافة العالمية, ولن يكون هناك استقرار للانقلاب المدعوم سعوديا وإماراتيا؛ فقد سقطت الأقنعة وحانت لحظة المواجهة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...