
الشرح
الإيمان الصادق : هو الذي توفرت معانيه ومنها خلوّه من الشرك الخفي والرياء والضعف ، فهو يتخلل القلب ويرسخ في النفس ويحرك الجوارح في طاعة الله ويجعل الغائب كالحاضر والمشاهد ، ويملأ النفس طمأنينة وثباتاً واستقراراً ويهون على صاحبه البذل في سبيل الله ويزيد من تعلق صاحبه بالله وثقته به وتوكله عليه ورجاؤه منه وخوفه منه وتوجهه إليه ، فإذا امتلأ قلب المسلم من هذه المعاني الإيمانية جادت نفسه بأنواع العبادات الخالصة لوجه الله جل جلاله .
وترتب على هذه العبادة وذلك الإيمان آثار عظيمة جداً في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا سعادة وبهجة واطمئنان تشيع في جنبات النفس ، وإشراقة حلوة ونور واضح يملأ باطن المسلم ، وإذا ما أزداد هذا النور الداخلي طفح على وجهه فتعلوه وضاءة ونور يراه فيه المؤمنون ، وإن كانت بشرته سوداء أو سمراء .
والأثر الأخر حلاوة يذوقها المؤمن هي أحلى من العسل ، ومن مظاهر هذه الحلاوة أن المؤمن يحب العبادة ويهدأ فيها ، ويطمئن بها وبتشوق إليها ويرتاح بها ، ولا يستغرب الأخ من هذا الكلام ولا يحسبه من باب الخيال ، فإن للإيمان حلاوة تتذوقها الروح كما يتذوق اللسان المطعومات .
وفي الحديث الشريف : ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صل الله عليه وسلم نبياً ) . وفي حديث آخر : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ، وأن وأن يحب المرء لا يحبه إلا في الله ) .
فللإيمان حلاوة قطعاً .. وهذه الحلاوة تشتد كلما قوي الإيمان ورسخ .
ومن آثار الإيمان الصادق والعبادة الصادقة : قذف الإلهامات والخواطر في القلب المؤمن تنير له الطريق وتعينه على إبصار الحق وحل المشاكل ، كما أن آثار الإيمان الصادق ما يُسمى بالكشف ، ويُراد به الكشف من بعض المخفيات والغيبيات ومعرفة هواجس النفس ونواياه وضغينة بعض الناس ، هذا الكشف هو الذي يُسمى بالحديث الشريف بفراسة المؤمن ، ففي الحديث الشريف : ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) وفي الأثر أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه قال لبعض من دخل عليه : ( يدخل أحدكم وبين عينيه آثار الزنا ) ، فقيل له : أوحي بعد رسول الله يا أمير المؤمنين ؟ فقال سيدنا عثمان : لا ، ولكنها فراسة المؤمن … وآثار الزنا التي أبصرها سيدنا عثمان في وجه الداخلين كانت بسبب رؤيتهم لا يحل لهم ، وفي الحديث : ( العين تزني وزناها النظر ) .
والإلهامات والخواطر والفراسة أمور ثابتة ، وقد تُسمى بالكرامات ، وهي حق يجب التسليم بها ، ولكنها لا تُتخذ دليلاً من أدلة الأحكام ، فان أدلة الأحكام هي القرآن والسنة وما تفرع عنهما ، ولكن هذه الأمور أي الإلهام ونحوه ويُستأنس بها ويُسترشد بها في معرفة الأشخاص والأحوال وما يجب أخذه أو تركه في أمور الحياة ، أما الرؤى – وهي جمع رؤيا – فمنها الصادقة ومنها أضغاث أحلام ، ورؤيا المؤمن غالباً ما تكون صادقة صريحة أو تحتاج إلى تأويل .