اللحظات الأخيرة في حياة #عمر_عادل

اللحظات الأخيرة في حياة #عمر_عادل في أمن الدولة قبل قتله يرويها أحد رفقائه من الأطباء:
لقيتهُ قبل موتِهِ بلحظات
سألتهُ أيا أخي ماذا فعلوا بك؟ 
فأشاح بوجهه عني وكأنما آذاه سؤالي …
لمحتُ دمعةً فرت من عينيه فسارع بمسحها حتى لا أراها ونظر للأرض وصمت .
قطعتُ هذا الصمت بقولي “هون عليك يا أخي” وكأنما كان ينتظرُ تلك الكلمة فاحتضنني وانخرط في بُكاءٍ عميق … ، قال -وهو بالكاد يستجمعُ أنفاسه- ساعِدني علي تضميد جراحي …!

كشف الفتي عن جسدهِ الضعيف فرأيتُ مشهداً لم ولن أرى مثله، وأنا الطبيبُ الذي يُعاينُ آلاف الحوادث التى يقشعر لها البدن ويدمى لها الفؤاد ، لكن مشهدهُ كان مُختلِفاً ، أغمضتُ عيني وبكيتُ حتى ابتلت الأرضُ بدموعي، سألتهُ ماذا فعلوا بِك يا صغيري ؟!
استلقىٰ على الأرضِ وأنا أعملُ بجدٍ في تضميد جراحهِ العميقة بينما بدأ هو في الحديث بنغمةٍ يغلبُها القهرُ والألم من هولِ ما قد رأىٰ .
قال “هُنا وفي هذا المكان ، منعوا وجود الله ، “نحنُ الله” هكذا يقولون، “نحنُ نميتكم ونحن نحييكم” هكذا يعلنون ، “إن كان إلٰهكم حقاً فليُنقذكم من بين أيدينا إذاً ” !!
ثم استطرق وهو يكتُم عبرةً في صدرهِ سرعان ما سالت علي جبينهِ مسحتُها عنهُ فقال: سمعتُ كثيراً عن التعذيب وعن قسوة قلوبهم، لكن ليس من رأى كمن سمع … 
فور وصولي إلى هذا المكان أدخلوني إلى حُجرةٍ إسمنتية رُباعية الطولِ والعرضِ تقريباً ، نظرتُ إلى السقفِ فوجدتُ قطعةً من فروةِ رأس أحدِ السُجناء مُلتصقةً ، تطلعتُ إلىٰ الجُدران فوجدت أثار طلقات الرصاص . هُنا قُتل إخواننا بعد أن عذبوهُم ..

هُنا قُتل أحمد ومحمود، وهنا مات محمد عطوه وغيرهِ من إخوانه ، أخذتُ نفساً عميقاً لم يسمح لي السجانُ بإكمالهِ لما رأيتهُم يسحبون الواحد منا تلو الأخر فيُعرّونهُ من ثيابه ثُم يُسندوه إلى الجدار .. ومن ثم يبدأُ الضرب والجلد والركلات..

ارتفعت الأصواتُ حينها وعلا الصياحُ وساد نحيبٌ مريرٌ في تلك الغُرفة من أبناء الثامنة عشرة سنة فأقل، طلب البعضُ الاستغاثة لكن لا مُغيث …!

قام الجلادون ولزيادة الإحتياط وتحقيق مزيدٍ من الإتقان بربط الرجلين بجنزيرٍ من حديد، وكذلك اليدين، فأصبحت الحركةُ درباً من دروب المستحيل وبدأ الضربُ من جديد من غير رحمةٍ ومن غيرِ عدّ، فإشارة الانتهاء عندهم أن تسيل الدماء من الأحشاء!! … 

فلما سالت الدماء نزعوا القيود من يديه وقدميه، وأجبروه أن يفتح كفيه ليتلقي هديةً أُخرى وتنهالُ على راحات اليدِ سياطٌ من الجلد العريض … وأخيراً بدأ التحقيق .

جلبوا عصاباتٍ للأعيُن فصارت الغُرفة سوداء لا يُرى منها أي شيء ، وبدأت الأسئلة يتصاعدُ نسقها كُلما مر الوقت كما يتصاعدُ نسقُ التعذيب .. 

تدرى لقد رأيتُ الكهرباء وهى نعمة تضيء المصابيح 
لكني رأيتُها أيضاً وهى نقمة تنهكُ الجسد وتنزعُ من الروحِ كُل ما تبقى من معاني الانتماءِ لهذا البلد كما تنزع أى حب للساكتين علي هذه المهازل …

رعشةٌ سرت بداخلي فجأةً من هولِ كلامه قبل أن يُكمِل قائلاً: تدرى أنهُ هددني بالموت .. قال لي: “لن ترى الشمس ثانيةً وعُمرُك الأن يا عُمر متوقفٌ على قرارٍ مني .. أنا أُحيي وأُميت”.! 
تُرىٰ هل سيقتُلني فعلاً ، هل هذهِ هي نهاية الحياة ، يا آلله أشتاقُ إلى حُضنٍ من أُمي وضمة من أبي قبل أن أموت😥أشتاقُ إلى الجهاد في فلسطين من أجل تحقيق حُلم التحرير ، أشتاقُ إلى الصلاة فى الأقصي ، هل بهذهِ السُرعة ستنتهي الحياة؟! 

هل أصبحنا في زمانٍ نُعاقَبُ فيه علي أحلامنا …
لكن ماذا سيقولون عني بعد موتي؟
ألم يعتقلوني على مرأى ومسمعٍ من الجميع؟
هل سيقولون قتلوني تعذيباً؟.
بئساً لجُبنهِم ..!
لايهُم كل هذا ، المُهمُ هناك ، المهم الجنة، الحورُ العين ، الصحبُ الكِرام 
المُهمُ أنني سأموتُ على الطريق .. المُهمُ أنني سأنضمُ إلىٰ قوافِلِ الشُهداء .. 
سأنتظِرُك هُناك .. !
لا تتأخر ..
اثبُت أنت وإخوانك ، إياكُم والضعف والخور ، فما الحياةُ الدنيا إلا متاعُ الغُرور ..
أخبرهُم أن قول الحق لم ينقص من عُمُري شيئاً .. حدثهُم عن أصحابنا الذين باعوا قضيتنا 😡 وخافوا ، وفي النهايةِ ماتوا على فُرُشهم أو تحت عجلات سياراتِهِم أو نتيجة خللٍ في تكاثر إحدى خلايا أجسادهم فتسرطنت وأكل السرطانُ من أجسادهِم حتى خارت صحتهم وماتوا..
قُل لهُم بربك قول الحق لا ينقص ولن ينقُص من عمر أحد ، كما أن التستر في الجُدرانِ لن يزيد من عمر الآخرين

اصرُخ فيهِم وكرر عليهِم مقولة سيف الله المسلول “واللهِ لقد شهدت نحو مائة زحف أو زهاءها ومافي بَدَني مَوضُعُ شِبرٍ إلا وفيهِ ضَربَةٌ بِسَيفٍ أو رَميةٌ بِسَهمٍ أو طَعنَةٌ بِرُمحٍ. وها أنذا أموتُ على فِراشي حَتفَ أنفي كما يموت البعير ، فَلا نامت أعينُ الجُبَناء” 
=فلا نامت أعين الجُبناء =
كفى يا عُمر .. أنا الذي بكيتُ هذهِ المرة .. 
سألتُ نفسي هل سيقتلونك حقاً يا عُمر ؟!
لكن كيف وقد اعتقلوك من بيتك والكُلُ يعلمُ هذا، هل ستغيبُ هذه البسمة عنا ؟!
هل سيُقابِلون أحلامك عن التحرير وإعادةِ الخلافةِ برصاصةٍ تُنهي حياتك ..!
بؤساً لهُم ، ما الفارِق بينهُم وبين الصهاينة إذاً ؟!
ارتجف صدرى، وأطلقتُ صرخةً مكتومةً لما طرقوا الباب ونادي السجان “عُمر عادل” .
اضطرب صدرهُ لكن سُرعان ما سكن وابتسم ثم قال “نعم” .
قال لهُ “الضابِطُ يُريدك ، يبدو أن هُناك قراراً جديداً صدر بحقك” 
خرج عُمر وسريعاً ما سمعنا صرخات وصيحات، ألامٌ واستغاثات، عذابٌ فوق قُدرة البشر ، صُراخ من الصغير الذي فقد القُدرة على الدفاعِ عن نفسهِ بل من شدة وهنهِ لم يعُد يقوى على مُجردِ الصُراخ … 
سقط أرضاً شاكياً ظُلمهُم لله، سائلاً سجانهُ بأي ذنبٍ تقتلونا هكذا ، لكنهُ ما زال صامداً مُتذكِراً حُلم الشهادة فهتف: دعنا .. 
دعنا نُسافر في دروب إبائنا ولنا من الهمم العظيمة زادُ
دعنا نمُت حتى ننال شهادةً فالموتُ في دربِ الهُدى ميلادُ

في تِلك الغُرفة المُظلمة سُمع دوي رصاصٍ استقر في قلبِ عُمر..

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...