
حالة من الضيق تسيطر على أساتذة بجامعات مصرية حكومية بسبب إجراءات أمنية مشددة تعيقهم عن التواصل العلمي مع الخارج، سواء عند استضافة مؤتمرات أو السفر لمؤتمرات بالخارج.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن التضييق على أساتذة الجامعات وصل إلى مستوى غير مسبوق، رغم أن الإجراءات الأمنية قديمة منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لكن بعد ثورة يناير 2011 شهدت الجامعات حريات غير مسبوقة، ومع الانقلاب العسكري صيف 2013 عاد التضييق مضاعفا، خاصة فيما يتعلق بسفر الأساتذة واستقبال نظرائهم الأجانب.
وتُستثنى من هذا التضييق الجامعات الخاصة والأجنبية، ما يجعل الجامعات الحكومية “جزرا منعزلة وسط محيط علمي متفاعل” بتعبير لأساتذة جامعات مصريين لا يخلو من مرارة.
قصص مريرة
يقول أستاذ بكلية الآداب بجامعة القاهرة للجزيرة نت -فضل عدم ذكر اسمه- إن الجامعات المصرية الآن في أسوأ حالاتها علميا بسبب هذا التضييق، وجامعة القاهرة التي كانت في مقدمة الجامعات، أصبحت متأخرة نحو عقدين كاملين عن مثيلاتها.
وكأن المقصود هو التدمير الممنهج للجامعات الحكومية، لإفساح المجال للخاصة والأجنبية -يضيف أستاذ الآداب- كما حدث في كل المجالات بتدمير ما هو مملوك للدولة لصالح ما هو خاص وغير قومي.
ويروي أستاذ الآداب أنه دُعي لحضور مؤتمر علمي دولي بإحدى دول آسيا، وفوجئ بأن إدارة الجامعة تبلغه بضرورة الموافقة الأمنية، مع مطالبته باستيفاء كل البيانات عن المؤتمر والمنظمين والمشاركين والأهداف، بدعوى الخشية من أن يكون المؤتمر “مشبوها” على حد قولهم، وفي النهاية جاء القرار بالرفض، ولو كان بالموافقة لما تغير الأمر، فقد كان موعد المؤتمر قد فات.
وتتداول أروقة جامعة القاهرة واقعة شهيرة، أبطالها مجموعة من الأساتذة سافروا بموافقة الجامعة لمؤتمر علمي في ألمانيا، لكنهم فوجئوا بإدارة الكلية تطلب منهم العودة، لأنها تلقت خطابا يفيد بعدم الموافقة الأمنية، وأن السفر ما كان يجب أن يتم قبل ورود الموافقة.
وقال الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية مصطفى كامل إنه يعجز عن لقاء أي أجانب في جامعة القاهرة، لا أساتذة ولا طلبة ولا صحفيين ولا دبلوماسيين، إلا إذا تقدم بطلب “تصريح لقاء” قبلها بشهرين.
ويجد أساتذة الكلية أشق الصعوبات في محاولة تنظيم نشاط علمي مع جامعة أو مركز علمي أجنبي، بحسب كامل الذي تساءل، هل يمكن أن تنهض الجامعات بالمجتمع أو تنفتح على التيارات العلمية، في ظل هذه الأوضاع الخانقة التي تتحول فيها الجامعة إلى قلعة محاصرة؟
ولفت كامل إلى أن الجامعة الأميركية بالقاهرة أصبحت المقصد الرئيس لجامعات العالم المرموقة، لتشارك الأبحاث، ملقيا باللائمة في منشور بصفحته على الفيسبوك أساتذة الجامعات لخضوعهم لهذه القيود، دون أن يحتج صوت إلا ربما أصوات خافتة من حركة 9 مارس الجامعية، التي تنادي منذ سنوات باستقلال الجامعات.
انقلاب علمي
بدأ سيناريو التضييق على الجامعات في أبريل/نيسان 2014 عندما عمّم وزير التعليم العالي وقتها وائل الدجوي على رؤساء الجامعات الحكومية خطابا يحمل وصف “سري جدّا”، بناء على توجيهات من مجلس الوزراء بعدم جواز عقد أو استضافة أي مؤتمر دولي إلا بعد موافقة وزارة الخارجية والتنسيق معها.
وأصدر رئيس جامعة دمنهور في ذلك الوقت حاتم صلاح قرارا صادما بالذكرى الثانية لتظاهرات الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، يمنع توقيع اتفاقيات مع جامعة أجنبية إلا بعد موافقات من وزارة الخارجية والجهات الرقابية والأمنية.
وأرجع رئيس الجامعة هذا القرار إلى الخوف من “اختراق البلد من خلال البعثات الخارجية، ولأن معظم المشاريع المقدمة من الجهات الأجنبية وراءها أغراض تضر بالبلاد”، حسب تعبيره في تصريحات صحفية.
وكشفت مؤسسة حرية الفكر والتعبير عن حالات لأساتذة احتجوا على هذا الوضع، وتقدموا ببلاغات للمؤسسة التي قامت بدورها باتخاذ إجراءات قانونية.
نماذج
ومن هؤلاء الأستاذ المتفرغ بكلية العلوم بجامعة القاهرة نبيل لبيب، والمدرس بهندسة عين شمس محمد حسن، بالإضافة إلى المدرس المساعد بآداب القاهرة خلود صابر.
ومن بين الحالات الثلاث، لم تنجح المؤسسة إلا في إخراج خلود من البلاد لاستكمال دراساتها العليا بالخارج.
وبدأت حكاية خلود بالحصول على إجازة لدراسة الدكتوراه في جامعة لوفان الكاثوليكية ببلجيكا، لكن بعد استيفاء الموافقات الإدارية، اصطدمت الباحثة بعثرة الموافقة الأمنية، فلجأت لمؤسسة حرية الفكر والتعبير التي طعنت على القرار أمام القضاء الإداري أوائل 2016، فتراجعت الجامعة بعد ضغوط من المجتمع الأكاديمي، وسمحت للباحثة بالاستمرار في منحتها.
ولا تزال أروقة المحاكم تتداول قضيتي أستاذي العلوم والهندسة، بعد أن فشل الأول في الحصول على إذن الجامعة للحصول للإِشراف على رسالة دكتوراه بالمجر، بينما ضاعت على الثاني ـ محمد حسن ـ منحة هيئة فولبرايت لاستكمال الدراسات العليا بالخارج، إذ لم ترد الموافقة اﻷمنية حتى موعد السفر في يوليو/تموز 2016.
بالمقابل، يمتنع أساتذة أجانب عن حضور فعاليات علمية بالجامعة، لأنهم يرفضون إجراءات الموافقة الأمنية، التي تتطلب إرسال صورة من جواز السفر قبل الموعد بشهرين.
وطالبت مؤسسة حرية الفكر والتعبير إدارات الجامعات الحكومية بالتوقف عن إلزام أعضاء هيئة التدريس بتقديم استمارات الموافقة الأمنية، كما طالبت وزارة التعليم العالي وقف إرسال المعلومات الخاصة بالمهام العلمية إلى الأجهزة الأمنية.
ووفقا للتصنيفات الدولية، تقبع الجامعات المصرية في ترتيب متأخر من حيث البحث العلمي، ومنها تصنيف الجامعات (QS) البريطاني الصادر مؤخرا، والذى يشمل ترتيب أفضل ألف جامعة في العالم، حيث جاءت جامعة القاهرة بالمركز 521، تلتها جامعة عين شمس في المركز 801، ثم جامعتا الإسكندرية وأسيوط.المصدر : مواقع التواصل الاجتماعي,الجزيرة,الإعلام المصري