بالفعل، تتعرّض مصر لمؤامرة كونية، تشارك فيها قوى دولية وإقليمية، وأطراف محلية.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن “أهل” الشرّ متربصون بها، يضمرون لها النيات الشريرة، والرغبات المسعورة في نهشها وافتراسها.
لم يكذب الجنرال البائس وهو يردد، غير مرة، قصة “أهل الشر” الذين لا يريدون لمصر أن تتعافى وتتحرك وتنطلق.
هو صادقٌ في مخاوفه وتحذيراته، المبنية على واقعٍ لا تخطئه عين متابع منصف، لأن المؤامرة واضحة وثابتة، وتجلياتها ماثلة للعيان.
المؤامرة كانت حاضرةً في ملف مياه النيل وسد النهضة، تقودها أطراف شتى، بذلت جهداً خرافياً لتعطيش مصر وتركيعها، وإصابة نيلها العفي بالشحوب والهزال، حتى يكاد لا يستطيع الركض في مجراه، متسلقاً خارطة مصر من الجنوب إلى شمال الدلتا.
المؤامرة متحققة في مأساة سيناء، الأرض والشعب، والتي تتمدّد على المائدة، ذبيحة مشوية، على نار الحرب على الإرهاب، بعد أن عصف بها الجنون من الجهتين، تنظيم الدولة، ودولة التنظيم، في ظل حفاوةٍ صهيونيةٍ بالحريق، ورعايةٍ كاملة له، بتنا نسمع ونقرأ معها عن أهوال جحيم التهجير القسري، والقتل بالجملة والمفرد، بقصف الطائرات، وتوحش الجرافات والمدرعات.
المؤامرة واضحة في كارثة “تصحير” مستقبل مصر الاجتماعي، من خلال عمليات “ترانسفير” لا تتوقف، تقذف بثروة مصر الشبابية والعلمية، إلى عتمة الزنازين، وظلام القبور. أيهما أقرب وأسرع، كما جرى في ما عرفت بقضية “حرق ترام النزهة”، والتي نال فيها واحدٌ من علماء الطب الأفذاذ عقوبتين، السجن والقتل بالإهمال الطبي، ثم بعد استشهاده بعامين، تأتي محكمة النقض، وتصدر حكمها ببراءته، وجميع المتهمين في القضية، من دون أن يهتز للعدالة رمش، أو يستشعر القضاء الخجل من استخدامه على هذا النحو المشين، من مؤسسة الأمن والنظام السياسي.
المؤامرة ثابتة بالأفعال والأقوال، في موضوع الاحتلال الصهيوني الكامل لرأس النظام ومصادرة قراره السياسي، وحركته الدبلوماسية، حتى وصلنا إلى حالة أنه لو امتنعت إسرائيل عن التصويت على قرار أممي لمصلحة إسرائيل سوف تناضل “قاهرة السيسي” لإقناع الجميع بالتصويت لصالح “تل أبيب”.
المؤامرة أكثر وضوحاً مع انتشار أعضاء تنظيم “الخبراء الاستراتيجيين” في الصحف والفضائيات، يفترسون ما تبقى من سلامة مصر العقلية واتزانها النفسي، مقدمين وجهاً مجنوناً مخيفاً لها، في كل محنةٍ تتعرّض لها، من كوارث الطيران، إلى فواجع الاكتشافات والاختراعات العلمية، حتى بدا الوطن وكأنه غابة مزروعة بأشجار الجنون والدجل والخرافة.
المؤامرة على مصر تتجلى في اجتثاث كل أشجار الكفاءة، وإعدام كل بذور التفوق والنبوغ، من أجل التوسع في محاصيل الرداءة والبلادة، وغرس ثقافة قلة القيمة، ورفع شعار “الطاعة قبل النجاعة” ومطاردة كل من تسوّل له نفسه ارتكاب خطيئة الفهم والمناقشة والاختلاف والتمرّد على نصوص “تلمود 30 يونيو”، واعتبار كل انتقاد خيانة للوطن، أو على الأقل شماتة فيه.
نعم هي مؤامرة على مصر..
وهل هناك أكثر تآمراً على مصر من أن يعبر نظامها السياسي عن ارتياحه بأن ترجح كفة احتمالات العمل الإرهابي في إسقاط طائرة الشركة المصرية؟
هل قابلت حكومة تكرّس وقتها كله لكي تثبت للعالم أنها حكومة دولة غير آمنة، يضربها الإرهاب جواً وبحراً وأرضاً، فتقول هل من مزيد، لمواصلة لعبة الابتزاز، وكأنها تحذّر سكان العالم من زيارتها، وتكتب شهادة وفاة رسمية للنشاط السياحي بها؟.
ضع نفسك مكان أي شخصٍ يفكر في المجيء إلى مصر سائحاً، فيقرأ على لسان مسؤوليها أن منظومتها الأمنية تحولت إلى “ملطشة للإرهاب”، يضربها في أي وقت يشاء، هل ستتخذ قرارك بالحضور؟
لم يكذب السيسي وحواريوه، حين صرخوا “إنها مؤامرة”، لأنه، ولأنهم، التجسيد الكامل لمشروع المؤامرة على مصر، وكما قلت سابقاً، أنت بصدد نظام هو حصيلة كل نوازع ورغبات التربص الشرير، بما أنتجته ثورة المصريين في يناير/ كانون ثاني 2011، هو عصارة مؤامرات كل الأطراف الكارهة لتغيير ديمقراطي في مصر، يحرّر قرارها السياسي من الإملاءات والرغبات الإسرائيلية، والضغوط القادمة من دولٍ، أخذت على عاتقها، منذ اليوم الأول للربيع العربي، أن تجهضه.
منذ البداية، يدرك أصحاب العقل أن انقلاب عبد الفتاح السيسي على الحكم الديمقراطي المنتخب في مصر هو الابن السفاح لمؤامرة إقليمية ودولية، وأظن أن كل التحركات الداخلية والخارجية لحواضن الانقلاب الدولية والإقليمية، لتحقيق الغاية الشريرة لا تزال مدوّنة ومحفوظة في ذاكرة “غوغل”.
بالفعل، هناك مؤامرة شريرة .. هذه المؤامرة اسمها “عبد الفتاح السيسي” ونظامه.