بعد 103 أعوام من سايكس بيكو.. التقسيم ما زال يهدد المنطقة وبأيدي قادتهم

فى 16 /5 /1916م، تم إبرام اتفاقية سايكس بيكو، والتى تُعد اتفاقًا وتفاهمًا سريًّا قد تم بين فرنسا والمملكة المُتحدة بمُصادقة من الإمبراطورية الروسية ”القيصربة“، على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ فى غرب آسيا، بعد تهاوى الدولة العثمانية المُسيطرة على هذه المنطقة فى الحرب العالمية الأولى.

وقد تم الوصول إلى هذه الاتفاقية فى الفترة بين 14 نوفمبر من عام 1915م، حتى صيغت بنودها كاملة فى 16 مايو من عام 1916م بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسى ”فرانسوا جورج بيكو” والبريطانى ”مارك سايكس”، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. وقد تم الكشف عن هذا الاتفاق بوصول الشيوعيين إلى سُدة الحكم فى روسيا عام 1917م، ما أثار كامل الشعوب التى تمسها تلك الاتفاقية بالغضب الشديد.

وجديرٌ بالذكر أن منطقة الهلال الخصيب قد تم تقسيمها بموجب تلك الاتفاقية، حيثُ حصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال ”سوريا و لبنان” ومنطقة ”الموصل” فى العراق، أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي مُتوسعا بالاتجاه شرقاً لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية فى سوريا.

كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، ولكن نص الاتفاق على منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا، على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا مقابل استخدام ميناء الإسكندرونة التُركى الذى كان يقع آنذاك فى حوزتها وتحت سيطرتها الفعلية.

وتخفيفًا للحرج الذى أصيب به الفرنسيون والبريطانيون بعد كشف هذه الاتفاقية، صدر كتاب تشرشل الأبيض سنة 1922م ليوضح بلهجة مُخففة أغراض السيطرة البريطانية على فلسطين، إلا أن مُحتوى اتفاقية سايكس بيكو تم التأكيد عليه مُجددا فى مؤتمر سان ريمو عام 1920م.

وبعد مفاوضات انتهى الاتفاق على:

– استيلاء فرنسا على غرب سوريا ولبنان وولاية أضنة.

– استيلاء بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق بما فيها مدينة بغداد، وكذلك ميناء عكا وحيفا في فلسطين.

– استيلاء روسيا على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كردستان.

– حق روسيا في الدفاع عن مصالح الأرثوذكس بالأماكن المقدسة في فلسطين.

وقد كانت معاهدة سرية شاركت فيها روسيا القيصرية، التي كانت أيضا تطمح في نفوذ على هذه المنطقة، لكنها سقطت قبل أن تحظى بنصيب فيها. وعندما سيطرت الثورة الشيوعية على موسكو كشفت أسرار الاتفاقية، فثار العرب بقيادة الشريف حسين عليها، واضطرت بريطانيا إلى إجراء تعديلات عليها، أدت إلى قيام المملكات والدول العربية. لكن بريطانيا نكثت بوعودها، آنذاك، للعرب ولشريكتيها روسيا وفرنسا، وقدمت وعدها الشهير بتكوين «وطن قومي لليهود»، المعروف بوعد بلفور، 2 نوفمبر 1917، الذي أسس للصراع العربي الإسرائيلي.

لقد نمت بذور هذه المعاهدة في نهاية العام 1915 وخلال الحرب العالمية الأولى، حيث كانت الإمبراطورية العثمانية قد تحولت إلى «الرجل المريض على ضفاف الفوسفور»، فتفككت وانهارت. فأطلق السلطان المغربي، محمد الخامس، المدعوم من ألمانيا، دعوته إلى الجهاد. وكانت القوتان الاستعماريتان الكبيرتان حاضرتين في المنطقة: فرنسا بنفوذها الاقتصادي والثقافي في المشرق، وبريطانيا في مصر، التي احتلتها سنة 1882. وقد اختارتا دبلوماسيين اثنين، هما الفرنسي فرنسوا جورج بيكو (خال والدة الرئيس الفرنسي الأسبق، فاليري جيسكار ديستان) والبريطاني مارك سايكس (الذي توفي بعد ثلاث سنوات في باريس على إثر إصابته بالإنفلونزا الإسبانية)، لإجراء مفاوضات حول ترتيبات سرية أصبحت تحمل اسميهما، هدفها تقاسم الأرض والنفوذ في العالم العربي.

في تلك الفترة، أبرم «اتفاق كامبون – غراي» في تبادل للرسائل في 9 و15 و16 مايو بين سفير فرنسا في لندن، بول كامبون، ووزير الخارجية البريطاني إدوارد غراي. وانضمت إلى الاتفاق روسيا وإيطاليا في وقت لاحق.

قال سايكس إنه يريد أن «يرسم خطًا يبدأ بحرف الألف (يقصد مدينة عكا، التي تسمى بالإنجليزية acre) ، وينتهي بالحرف كاف نسبة إلى كركوك»، كما يروي الكاتب البريطاني جيمس بار في كتابه «خط في الرمال» (2011). وهذا الخط الأسود يقسم الشرق الأوسط في منتصفه على خرائط الاتفاق من دون أي اعتبار للتوزيع القبلي والعشائري والانتماءات الدينية، لتصبح «سوريا» للفرنسيين في الشمال و«شبه الجزيرة العربية» للبريطانيين في الجنوب، وكل المنطقة مقسمة على خمسة قطاعات.

وينص الاتفاق على أن «فرنسا وبريطانيا مستعدتان للاعتراف ولدعم دولة عربية مستقلة أو كونفدرالية لدول عربية» في منطقتي النفوذ ألف (الداخل السوري مع دمشق وحلب وكذلك الموصل) وباء (بين خط سايكس بيكو وخط العقبة – الكويت). ولونت مناطق الوصاية المباشرة بالأزرق في الشمال لفرنسا وتضم لبنان وكيليكيا (شمالي ليبيا) وبالأحمر في الجنوب لبريطانيا (الكويت وجنوب بلاد الرافدين مع جيب في حيفا من أجل مشروع للسكك الحديدية يبدأ ببغداد) (ولونت بالبني منطقة تم تدويلها هي فلسطين). وقد كشفت المعاهدة من قبل حكومة الثورة الروسية في 1917، وقد رأى فيه العرب خدعة استعمارية ولا يليق بالضابط البريطاني بيتر إدوارد لورنس المعروف باسم لورنس العرب، الذي كلف تأجيج الثورة العربية التي بدأت في يونيو 1916.

وبقي تقاسم الأراضي هذا نظريا، إذ أن القوات التركية كانت ما زالت موجودة في المناطق المعنية. وتحت أنظار فرنسوا جورج بيكو الذي أصبح مفوضا ساميا في سوريا وفلسطين، احتل الجنرال البريطاني إدموند اللينبي القدس في 11 ديسمبر 1917، ثم سقطت دمشق في 30 سبتمبر  1918.

وما إن انتهت الحرب، حتى قام رئيسا الحكومتين الفرنسية والبريطانية بتعديل اتفاق سايكس بيكو، بينما بدأت تبرز أهمية النفط في المنطقة. وتخلت فرنسا عندئذ عن فلسطين ومنطقة الموصل مع المطالبة بحصتها من النفط. وفي أبريل  1920. أقر مؤتمر سان ريمو الانتداب الذي يفترض أن يعد للاستقلال وعهد به لبريطانيا (فلسطين والضفة الشرقية لنهر الأردن والعراق)، فيما حظيت فرنسا بسوريا ولبنان. وفي 1921 تخلت فرنسا عن كيليكيا ثم في 1939 عن لواء إسكندرونا السوري جنوب تركيا.

وفي 1922، وبعد سحق الثورات في فلسطين وسوريا والعراق، صادقت عصبة الأمم على وضع هذه المناطق تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني، وبدأ نشاط الحركة الصهيونية لتطبيق وعد بلفور بإقامة إسرائيل.

التقسيم مستمر

وتأتي الذكرى 103 لمعاهدة سايكس بيكو، هذه الأيام، وسط أخطار تهدد بتغييرات أخرى لصالح تفتيت دول عربية، نتيجة لتمسك زعمائها ومراكز القوى فيها بالمناصب القيادية والنفوذ السلطوي والاستبداد. وبات يطرح بقوة مشروع لإعادة تقسيم الوطن العربي إلى دويلات تقوم على الانتماءات الطائفية، دولة للمسيحيين ودولة للشيعة أو العلويين أو السنة أو الأكراد، ما يشجع إسرائيل على اتخاذ صفة طائفية شرعية هي «الدولة اليهودية».

ولعل ما يجري في سوريا حاليًا يعد نموذجًا للتقسيم الدولي، وهو ما يُخطط أيضا لليمن، بجانب ما حدث في جنوب السودان.

ولعل الأخطر ما يجري في فلسطين ضمن صفقة القرن التي يمولها العرب من أجل يهودية الكيان الصهيوني.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...