بعد تعدد تصفية “القساوسة”.. ماذا يحدث في الكنيسة القبطية المصرية؟

تمر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأزمة عميقة، من حالات قتل وتصفية وانتحار خلال السنوات الماضية. لنبدأ من الحدث، فقد أثار مقتل الأنبا مقار سعد، أحد قساوسة الكنيسة، على يد الخادم الخاص به ويدعى كمال شوقي، والذى يبلغ من العمر 45 عامًا، عدة تساؤلات طرحت التفكير فى تعدد حالات قتل “الكهنة والقساوسة” بكثافة، هل هي مجرد عمليات قتل فردية أم تصفية لإثارة نسيج مصر الواحد أم لأغراض خاصة؟.

كانت كنيسة مار مرقس بشارع السد العالي فى أرض أبو سعدة بالوحدة العربية بحي شرق شبرا الخيمة بالقليوبية، قد شهدت مقتل الأنبا مقار سعد بإطلاق عيار ناري نتج عنه وفاته فى الحال.

وتبين من المعاينة والتحريات وجود جثة كاهن بالكنيسة بها 3 طلقات نارية، وأن وراء ارتكاب الواقعة خادم الكاهن، حيث دخل عليه حجرته وأطلق عليه الرصاص؛ وأُلقي القبض على المتهم، وجارٍ مناقشته ونقل جثة المجنى عليه للمستشفى.

ولم تكن تلك هي الحادثة الأولى التي يُقتل فيها أسقف قبطي، فقد سبقتها عدة حوادث، منها مقتل الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير الأنبا مقار، داخل ديره بطريقة بشعة صدمت الكثيرين، ثم مقتل الأنبا ثاؤفيليس مطران القدس والشرقية والقناة بالرصاص في مزارع دير الأنبا أنطونيوس بوش ببني سويف في 1945، ثم في 1951 قُتل الأنبا مرقس، أول أسقف مصري لجنوب إفريقيا، بالرصاص في سيارته الخاصة، بعد خروجه من دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون. وفي 1963 قُتل الأنبا يوأنس، مطران الجيزة والقليوبية، في حادث غامض، بعد أن شرب سُمًا دُسَّ في علبة الدواء الخاصة به.

كاهن دير “أبو مقار”

وقبل حادثة كنيسة مار مرقس، كان لمقتل وتصفية القساوسة والكهنة باع فى الأمر، حيث كشفت عن وجود خلافات داخل الكنيسة الأرثوذوكسية المصرية. ومن أشهر حوادث القتل: مقتل الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير أبو مقار (القديس مقاريوس) بوادي النطرون، داخل ديره في ساعة مبكرة من صباح الأحد 29 يوليو من العام الماضي 2018.

ورغم محاولات بعض قادة الكنيسة الترويج لمقتل الكاهن بعملية إرهابية أو حتى أمنية من جانب النظام، مدللين على ذلك بأنه تم ضبط أحد المتسللين للدير قبل الحادث بأسبوع وتسليمه للأمن، إلا أنَّ تقريرًا نشره موقع “عربي بوست” ينقل عن أحد رهبان الدير- رفض ذكر اسمه- سيناريو آخر للجريمة، يفيد بأن من قتل الأنبا إبيفانيوس من داخل الدير، في تأكيد على الانقسام الحاد الذي يعصف بالكنيسة.

الكاهن سمعان شحاتة

وفى أكتوبر 2017، تواصلت عمليات قتل الكهنة والقساوسة، حيث تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي المصغر تويتر، مقطع فيديو لزوجة الكاهن سمعان شحاتة رزق الله، الذي لقى حتفه على يد شاب طعنا بالسكين بسبب خلافات بينهما لم يتم الإفصاح عنها حتى اللحظة، وهي منهارة أثناء لقاء تلفزيوني عقب مقتل زوجها وتصرخ بصوت مرتفع “كفاية يا سيسي”.

وانهارت زوجة القس سمعان شحاتة عندما وجه لها المذيع سؤالا عن زوجها، لتبدأ بالإجابة وإذا بها تصرخ بشكل مفاجئ وبأعلى صوتها بعد أن ألقت الميكروفون من يدها وأخذت تضرب بكفيها على وجهها وهي تنادي باسم عبد الفتاح السيسي، قائلة “كفاية يا سيسي كفاية”.

فتش عن تواضروس

يقول الباحث القبطي ماجد عاطف: منذ أن عرفت مصر الرهبنة عام 285، على يد الأنبا أنطونيوس، الملقب بأبي الرهبنة، والكنيسة والأديرة تمر بمراحل قوة ومنحدرات ضعف.

برحيل البابا شنودة، نصّب تواضروس نفسه بابا. ولأنه محسوب على “تيار التجديد” (ضمنيا تيار متى المسكين)، كان من الطبيعي أن تبدأ جولة جديدة من الصراع.

ظل الصدام مكتوما داخل أسوار الكنيسة القبطية المصرية، وبعيدا عن أعين الإعلام وأغلب شعب الكنيسة لسنوات وسنوات، إلى أن فوجئ الجميع بخبر مقتل القساوسة والرهبان وحالات الانتحار والعزل واحدا تلو الآخر، ليتفجر الوضع.

إمبراطورية اقتصادية

“الدير مش بس مكان للعبادة، لا ده تحوّل إلى إمبراطورية اقتصادية”.. هكذا يصف الباحث القبطي بيشوي القمص الأزمة، مضيفا “هناك أديرة ثرية، أعني ثرية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، فلديك مثلا دير أبو مقار الذي يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي تصدر منتجاتها ‘الأورغانيك’ وعقارات وغيرها. حياة الرهبان نفسها لم تعد تلك الحياة الزاهدة، ونظرة على قصر الدير المُحرق في التجمع الخامس تخبرك بالكثير. فنظريًّا هذا مسكن متواضع للرهبان، ولكن عمليًّا نحن أمام قصر مهيب”.

الصدام لا يقف إذا عند الإشكاليات اللاهوتية. بالعكس، نحن نتحدث عن نفوذ وثروات وعلاقات معقدة، محاولة فك طلاسمها كفيلة بإشعال ألف حرب.

ما خفى أعظم

ولا شك أن مقتل الأنبا مقار سعد، قد فجَّر الخلافات السابقة عن وجود خلافات خفية بين الرهبان فيما يتعلق بمسائل لاهوتية وتوجهات التقارب مع الكنائس الأخرى، بين مدرستي الأنبا متى المسكين والتي ينتمي إليها البابا تواضروس، ورئيس الدير المقتول مؤخرا، والمدرسة الأخرى التقليدية والتي تضم تلامذة البابا شنودة، والأنبا بيشوي الرجل القوي داخل الكنيسة، والذي اختفى منذ فترة صعود البابا تواضروس على كرسي الباباوية.

الباحث الإسلامي الشيخ عصام تليمة، قال إن محاولات القتل الحالية والسابقة فتحت بابا للنقاش والتساؤل حول الأديرة المصرية وما يجري فيها، والقرارات التي أصدرها البابا تواضروس.

وتساءل تليمة: “هل يجرؤ الإعلام المصري ونخبته على فتح ملف الأديرة والكنائس، وما يجري فيها؟ لقد تكلم الدكتور محمد سليم العوا سنة 2010 تقريبا عن وجود أسلحة داخل بعض الكنائس والأديرة، وقامت الدنيا وما قعدت، وهاج بعض المسيحيين، إذ كيف يتجرأ على هذا الاتهام الخطير، وأنه كلام كذب لا أساس له من الصحة”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...