النفاق الأوروبي وازدواجية المعايير!

النفاق الأوروبي المعتاد وازدواجية المعايير التى اعتدنا عليها من الساسة الأوروبيين، لم تجعلنا نهتم كثيرًا بالتصريحات الألمانية، بوصف إعادة انتخابات إسطنبول بالقرار “غير المفهوم”.

فقد اعتبرت برلين أن قرار اللجنة العليا للانتخابات في تركيا بإعادة انتخابات إسطنبول بعد شكاوى من حزب الرئيس أردوغان هو قرار “غير مفهوم.

وقال وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس”: قرار إعادة إجراء انتخابات إسطنبول بوصفه “غير شفاف وغير مفهوم بالنسبة لنا”، “إرادة الناخبين الأتراك هي فقط من يقرر من يتولى رئاسة بلدية إسطنبول”.

لكن للأسف الانقلاب العسكرى على رئيس منتخب وتجربة ديمقراطية وليدة، وقتل الآلاف واعتقال أكثر من 80 ألف شخص، فضلا عن القتل خارج إطار القانون، وأحكام الإعدام بالجملة والقطاعى، وإجراء استفتاء يمكن الطاغية من الاستمرار فى السلطة مدى الحياة، هذا مفهوم بالنسبة لبرلين؟!.

وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موغيريني” بدورها، قالت في بيان لها: إن “ضمان عملية انتخابية حرة وعادلة وشفافة ضروري لأي ديموقراطية وهو في صميم علاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا”.

وتوالت تصريحات الساسة الألمان، التى ما زالت تغض الطرف عن كل جرائم العسكر فى مصر، وما يقوم به حفتر فى ليبيا، وتقويض الحكومة القائمة، بزعم محاربة الإرهاب، فقد أعربت “كلاوديا روت”، نائبة رئيس البرلمان الألماني (البوندستاغ)، وعدد من الساسة الألمان من أحزاب المعارضة عن غضبهم حيال قرار لجنة الانتخابات التركية إلغاء نتيجة انتخابات بلدية إسطنبول وإعادتها في الشهر المقبل.

وفي تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، قالت “روت”: إن “قرار اللجنة هو نتاج للضغط الكبير من المستويات العليا، وهذه إشارة مخيفة، فالرئيس رجب طيب أردوغان يبدو كأنه عازم على إثبات خطأ كل من كان قد تمنى حدوث تحول ديمقراطي بعد الانتخابات البلدية”.

وأنه يبدو أن الحزب الحاكم في تركيا لم يعد يحافظ على ظاهر الأوضاع الديمقراطية، بل إنه صار يهز الثقة بشكل مقصود، و”هناك تخوف من أن إعادة هذه الانتخابات ستتم في المقام الأول لأن نتيجتها لم ترق للحاكم”.

كما وجهت المرشحة الرئيسية للحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) للانتخابات الأوروبية، “نيكولا بير”، انتقادات لقرار لجنة الانتخابات، وقالت إن “أردوغان لا يقبل بالهزيمة، وبالتالي فإن تركيا لم تعد شريكا للاتحاد الأوروبي”. في حين قالت “كاتيا كيبنغ”، زعيمة حزب اليسار المعارض: “هذا لا يمكن تصديقه، أردوغان يعيد الانتخابات في إسطنبول لأن النتيجة لا تناسبه، ومن ثم فعلى الحكومة الألمانية أن تدعم عمدة إسطنبول المنتخب أكرم إمام أوغلو”.

والشيء بالشيء يذكر، ذكرنى موقف ساسة برلين بخصوص إعادة العملية الانتخابية لبلدية إسطنبول، بموقف الغرب المنافق حيال الانقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور “محمد مرسى”، الذى لم يتعد مرحلة القلق، فقد جاءت ردود الفعل الغربية باهتة ومتواطئة مع الانقلابيين، فلم نسمع أحدا من هؤلاء يدين العملية الانقلابية، ولم نسمع حديثا عن تقويض الديمقراطية، فقد عبّر الرئيس الأمريكي آنذاك “باراك أوباما” عن “قلقه العميق” من عزل مرسي، ودعا إلى العودة سريعا إلى المدنية.

أما بريطانيا فقد أعلنت أنها “لا تدعم تدخل الجيش لحل النزاعات في الأنظمة الديمقراطية” ودعت إلى التهدئة.

فيما اعتبرت ألمانيا الانقلاب “فشلا كبيرا للديمقراطية”، ودعت إلى “عودة مصر في أسرع وقت ممكن إلى النظام الدستوري”.

أما فرنسا فقالت إنها تأمل أن يتم الإعداد للانتخابات في ظل احترام السلم الأهلي والتعددية والحريات الفردية والمكتسبات في العملية الانتقالية، كي يتمكن الشعب المصري من اختيار قادته ومستقبله.

أما الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون”، فقد قال: إن “التدخل العسكري في شئون أي دولة هو مبعث قلق”، ودعا إلى “المسارعة إلى تعزيز الحكم المدني وفقا لمبادئ الديمقراطية”.

ودعت مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “كاترين أشتون” إلى “العودة سريعا إلى العملية الديمقراطية بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة”.

هذه هى مواقف الغرب المنافق من الانقلاب العسكرى، وكل هذه الدول بلا استثناء استقبلت قائد الانقلاب وفتحت له أبواب عواصمها!، وهؤلاء أظهروا مكنون نفوسهم الخبيثة وسوء طويتهم، عقب إعلان نتيجة انتخابات بلدية إسطنبول، واعتبروا فوز المعارضة بهذه البلدية المهمة بداية نهاية أردوغان!.

وكان الرئيس التركى قد وجه نقداً لاذعا للقادة الأوربيين الذى حضروا مؤتمر شرم الشيخ بين العرب وأوروبا قائلا: هل يمكنكم الحديث عن الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي، بعد أن لبى عدد من دوله دعوة السيسي الذي أعدم 42 شخصًا منذ توليه السلطة؟”.

كيف سيمكن لدول الاتحاد الأوروبي الحديث عن الحقوق والحريات وحقوق الإنسان، بعد مشاركتها في الاجتماع تلبية لدعوة السيسي الذي أعدم 9 شبان الأسبوع المنصرم؟.

وأن الاتحاد الأوروبي غير صادق (فيما يخص الدفاع عن القيم الإنسانية والديمقراطية)، الأمر الذي تجلى بوضوح من خلال اجتماع أمس.

وهذا ليس بجديد، فمواقف الغرب باتت واضحة فى ازدواجية المعايير، ومصالح بيع السلاح لقائد الانقلاب، مقابل الاعتراف بشرعيته، فوق اعتبارات القيم والمبادئ التى طالما تغنى بها الغرب. ألم يكن إعادة الانتخابات في إسطنبول قرار اللجنة العليا للانتخابات بعد تشككها في النتيجة التي ثبت فيها التزوير؟ أم أن قرار الإعادة لا يصب في مصلحة بعض الدول؟!.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...